No Image
بريد القراء

لو لم يزرنا الندم.. من نكون؟

10 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024

الحياة مليئة بالحماسات والانفعالات، رغبات جامحة وطموحات متدفقة. نحن في البداية نندفع، نركض نحو أهدافنا، نشتعل شغفا بما نرغب في تحقيقه، كأننا نسير فوق سحابة من الأحلام. ولكن، ماذا يحدث حين يزورنا الندم، ويستقر في أعماق قلوبنا كضيف ثقيل؟

إن الندم له قدرة غريبة على تهدئة الحماسة التي كانت تسكننا. ما كنا نراه سابقًا بريقًا جميلاً يصبح في لحظة، أو على مدى لحظات، عبئًا يثقلنا، يعيدنا إلى الأرض بعد أن كنا محلقين في السماء. نبدأ في مراجعة خطواتنا، نتساءل إن كنا على الطريق الصحيح، وإن كانت كل تلك الطموحات التي أثارت فينا هذه النار الكبيرة هي فعلا ما نحتاجه في حياتنا.

في لحظات الندم، يظهر جانب من شخصيتنا لم نكن نعلم عنه الكثير، وربما لم نكن نرغب في معرفته. يتسلل الهدوء إلينا، لكنه ليس هدوءًا نابعًا من طمأنينة، بل هدوء النضج. في الندم نعيد ترتيب أفكارنا، نكف عن التهور ونعيد تقييم حماسنا. إنه لحظة من التصالح مع أنفسنا، حيث نقبل أن الحياة ليست مجرد سلسلة من الانتصارات والإنجازات، بل هي رحلة مليئة بالمنعطفات والأخطاء والتعثرات.

لو لم يزرنا الندم، من نكون؟ ربما كنا كائنات تعيش على الدوام في دوامة من الاندفاع، تسعى دون هوادة وراء ما تظنه سعادة أو نجاحًا. لكن دون وقفة الندم، دون تلك اللحظات التي تجعلنا ننظر بعمق في دواخلنا، لن نفهم حقاً قيمة ما نملك، ولن نستطيع التمييز بين ما نحتاجه فعلا وما هو مجرد وهج زائف.

الندم يهدينا درسًا ثمينًا.. أن الحياة ليست مجرد سباق، وأن الحماسة إن لم تُحكم بالعقل والتأمل قد تقودنا إلى طرق خاطئة. نتعلم منه أن نكون أكثر حكمة، أن نصبح أكثر صبرًا وأقل تعجلاً. إنه يجعلنا نعيد النظر في قراراتنا، وفي الوقت نفسه يمنحنا الفرصة للنمو الشخصي.

إذًا، من نكون لولا أن يكبح الندم اندفاعنا لنستعيد توازننا؟ نكون بشرًا غير مكتملين، نسير في الحياة بعين واحدة على الحاضر وأخرى على الماضي، ننمو من تجاربنا ونتعلم من أخطائنا. الندم ليس عدوًا، بل رفيقنا الذي يرشدنا إلى التوازن بين الحماسة والهدوء، بين السعي والحكمة، وبين الاندفاع والتأمل.

سُندس الشكيلية