No Image
المحافظات

كيف يمكن للتعلــيم أن يصبــح محركا للنمــو الاقتصـــادي؟

01 أكتوبر 2024
مواءمة المناهج الدراسية مع احتياجات سوق العمل
01 أكتوبر 2024

يمثل التعليم ركنًا أساسيًا من الأركان التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة بمختلف أنواعها، لما له من إسهامٍ كبيرٍ جدًا في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال جودة العلوم التي يتم تدريسها، والتي يقابلها كفاءة عالية لدى الخريجين والخريجات، ويستغل هؤلاء المعارف والمعلومات والمهارات والخبرات التي تعلموها واكتسبوها خلال مراحلهم التعليمية المختلفة.

وفي هذا الصدد، تم مناقشة موضوع كيفية مواءمة التعليم في سلطنة عُمان مع تطوير الاقتصاد الوطني وإيجاد فرص عمل في السوق المحلي، من خلال التطرق إلى محور ربط المناهج التعليمية والتخصصات الجامعية بحاجات سوق العمل، ومحور تدريب الطلبة على مهارات حلّ المشكلات والتفكير الناقد والإبداعي.

التعليم قطاع استثماري

تحدث الدكتور رجب العويسي، الخبير التعليمي بمجلس الدولة، قائلًا: «يمثّل قطاع التعليم أحد أهم القطاعات الاستثمارية في «رؤية عمان 2040» لارتباطه بالبحث العلمي والابتكار والمهارات وريادة الأعمال والهوية والقيم وبناء الإنسان، وهي مرتكزات تجعل التعليم حاضرًا بقوة في عالم الاقتصاد الواسع، لذلك فإن المؤمل من التعليم ومؤسساته هو أن يلعب دورًا محوريًا في توفير الفرص التعليمية والتدريبية والبحثية والاستشارية، وتقديم خيارات تعليم عالي الجودة لاستقطاب الكفاءات وإنتاج القدرات التي تدعم عوامل الإنتاج، مما يرفد سوق العمل بمخرجات قادرة على الإسهام الفاعل في تنشيط الحركة الاقتصادية في سلطنة عُمان».

وأضاف: «يتيح التعليم للشركات خيارات متعددة في التعليم المهني والتقني والفني والتخصصي لضمان صقل مواهب الشباب وتمكينهم من إتقان المهارات المطلوبة، وتوفير الوظائف النوعية التي تعزز انخراط الشباب العُماني في مواقع العمل والإنتاج، سواء كان هؤلاء الشباب من الباحثين عن عمل من مخرجات التعليم العالي والجامعي والدبلوم المتوسط والدبلوم العام، أو من خلال الفرص التي توفرها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تسهم في خلق حراك اقتصادي يعزز حضور الشباب في الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية المختلفة».

وأوضح أن التعليم يعزز الطموحات الاقتصادية الوطنية، وأن تحقيق الطموح الاقتصادي من التعليم يرتبط بمستوى التحول في طبيعة الممارسة التعليمية ذاتها، التي يجب أن تتجه اليوم نحو الابتكار والتجديد والمهنية، وتعزيز فرص البحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال، كما يجب التعمق في دراسة مهارات المستقبل وكفايات التعليم في ظل الثورة الصناعية الرابعة، واستخدام التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، وإدماج ذلك كله في مناهج التعليم وبرامجه ومساقاته التدريسية والخطط الدراسية، لضمان قدرة المناهج التعليمية والأنشطة وعمليات التعليم والتعلم على استيعاب متطلبات الواقع.

وأضاف: إن من المهم أن تحتوي المناهج على المكونات النوعية للأنشطة الاقتصادية واللوجستية التي تتفاعل مع البيئات الاقتصادية والصناعية والإنتاجية وبيئات الأعمال، وذلك لتعزيز البنية الاقتصادية في أساليب التعلم ومناهج التعليم؛ ويهدف ذلك إلى ترسيخ مفاهيم الاستثمار وبناء المشروعات والإنتاجية، وتطوير مسارات ريادة الأعمال، وخلق فرص أكبر للمواءمة بين التعليم كفكر وممارسة، بما يعيد هيكلة التعليم ليكون متناغمًا مع المتطلبات الاقتصادية ورفد المشروعات الاقتصادية.

وأكّد العويسي أن صناعة التحول في مسيرة التعليم الاقتصادية تتطلب ضبط سياساته وتقنين مساراته، والتنوع فيها وتوجيهها لصالح المواءمة مع احتياجات سوق العمل، كما تتطلب إعادة بناء التخصصات وتقييمها بناءً على ارتباطها بالواقع وقدرتها على تلبية احتياجات الوظائف في القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى ترتيبها بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل الوطني، ويجب أن يتم ذلك من خلال رؤية وطنية مستدامة تتسم بالتكامل والمهنية والعمق، حيث تتناغم السياسات التعليمية والخطط والبرامج والتخصصات والمساقات التدريسية في الجامعات والكليات مع طبيعة المرحلة والمستجدات في منظومة الأداء الوطني.

وفي الوقت نفسه، يجب أن تعمل هذه الرؤية على رصد مراحل تطور سوق العمل الوطني وطبيعة عمل القطاعات والمؤسسات، خاصة القطاع الخاص، بما يتماشى مع الاحتياجات الوطنية المستقبلية من التخصصات، وينبغي أن تأخذ هذه الرؤية في الاعتبار التخصصات ذات القيمة المضافة، التي تشكِّل الوجه الأبرز في ظل الثورة الصناعية الرابعة، وإنتاج تخصصات تسهم بشكل أكبر في تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، لا سيما تلك المتعلقة بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقطاع ريادة الأعمال، والمشروعات التي تقوم على الابتكار والذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.

وأضاف العويسي: إن هذا لا يعني التقليل من أهمية التخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتعليم وغيرها، بل يتطلب إعادة هيكلتها وتقنينها بشكل يتناغم مع احتياجات عُمان في العشرين سنة القادمة.

الإبداع والابتكار

ودعا العويسي منظومة التعليم العالي والجامعي إلى توسيع دائرة العمل المتقن الذي يربط بين السلوك التعليمي الممارس في قاعة التدريس والمختبرات وحلقات العمل وبين المهارة الناتجة عنه؛ فكلما ارتبطت الممارسة التعليمية بالواقع ونقلت الطالب إلى دور الفاعل والمؤثر والمبتكر والمخترع والمستكشف والمنتج، كلما كان المنتج التعليمي أكثر إتقانًا وفاعلية في أداء مهمته بحجم ما يمتلكه من مهارات أصيلة وخبرات مجربة وقدرات وأخلاقيات في ميدان العمل والإنتاجية والمنافسة، وهذا من شأنه أن يزيد من فرص الاستثمار في الكفاءة الوطنية على المستوى العالمي، حيث تتسع النظرة لتشمل إعداد الخريج للمشاركة في سوق العمل العالمي، الذي يديره اقتصاد المعرفة والمنافسة القائمة على المهارة والتسويق الشبكي للكفاءة والخبرة الوطنية، كما يتطلب ذلك علاقة دائمة بين التعليم والمهارات وسوق العمل، مع ضرورة إحداث تجديد في الفلسفة والآليات والتخصصات ونظم التقويم.

وتبرز هنا الحاجة إلى تأسيس آليات واضحة وإطار مؤسسي يهدف إلى مراقبة التطورات الحاصلة في سوق العمل للوقوف على طبيعته ونوع الطلب على الكفاءات الوطنية والتخصصات التي تضمن تحقيق معايير الإبداع والتجديد والابتكار، كما يجب إتاحة الفرصة للجامعات لتطوير برامجها الدراسية والتدريبية وتطويعها لتنسجم مخرجاتها مع احتياجات سوق العمل المتجددة والتخصصات العلمية والتقنية والفنية والمهارات، بالإضافة إلى تحديد نوع الوظائف التي قد لا تتوافق مع طبيعة المستقبل.

وهذا الأمر يستدعي أيضًا مراجعة دقيقة لآليات عمل مركز القبول الموحد بشأن خيارات الطلبة والتخصصات المطروحة لهم، وآلية احتساب المعدل التنافسي وعلاقته بقبول طلبة الدبلوم العام في الجامعات داخل سلطنة عُمان وخارجها.

التفكير الناقد

من جهته، ذكر الدكتور سلطان اليحيائي، الشريك المؤسس ومدير التدريب والاتصال الخارجي بأكاديمية البرمجة، أن تدريب الطلبة على مهارات حلّ المشكلات والتفكير الناقد والإبداعي أصبح ضروريًا في مواءمة التعليم مع احتياجات الاقتصاد الوطني في سلطنة عُمان، ففي ظل التغيرات السريعة في سوق العمل وزيادة الاعتماد على التكنولوجيا، يتعين على نظام التعليم أن ينتقل من التركيز التقليدي على الحفظ والتلقين إلى تهيئة الطلبة للتفكير بشكل تحليلي وإبداعي.

ولتحقيق التحول نحو نظام تعليمي يركز على مهارات حلّ المشكلات، والتفكير الناقد، والإبداعي، ستتطلب العملية تغييرات جوهرية على عدة مستويات، ففي محور المناهج ينبغي تحديث المحتوى ليتضمن قضايا واقعية وتحديات تتيح للطلبة تطبيق مهاراتهم في التفكير التحليلي والابتكاري، كما يجب أن تكون المناهج أكثر تكاملًا وشمولية لربط المعرفة النظرية بالتطبيق العملي، ويمكن تنفيذ ذلك عبر مشروعات عملية مشتركة بين القطاعين الأكاديمي والصناعي، مما سيسمح للطلبة بممارسة التفكير النقدي في بيئات تشبه العالم الحقيقي.

وأكّد اليحيائي أنه يجب إيجاد مساحات تفاعلية تتيح للطلبة العمل في فرق لتبادل الأفكار والتعلم من خلال التجربة، وتحويل الفصول الدراسية التقليدية إلى بيئات تعليمية مرنة ومجهزة بالتكنولوجيا الحديثة التي تدعم الإبداع والابتكار، ويمكن للمدارس والجامعات تشجيع الابتكار من خلال ورش العمل التفاعلية والنوادي الطلابية والمسابقات التي تركز على إيجاد حلول غير تقليدية للمشكلات، وهي الأنشطة التي تخلق بيئة يتعلم فيها الطالب كيفية تحويل الأفكار إلى تطبيقات عملية.

بالإضافة إلى ذلك، يجب تطوير أساليب التدريس التي تركز على الطالب، مثل التعلم القائم على المشاريع وحلّ المشكلات، بدلًا من الاعتماد على أسلوب التلقين، ويتطلب هذا التحول تدريب المعلمين على كيفية تقديم الدروس بطرق تشجع على التفكير النقدي وتحفز الطلبة على استكشاف حلول غير تقليدية، وينبغي تعزيز النقاشات المفتوحة والأنشطة البحثية، وتعليم الطلبة كيفية تقييم مصادر المعلومات لبناء جيل قادر على التفكير وتقييم المخاطر والفرص بموضوعية.

وفيما يتعلق بطرق التقييم، هناك حاجة ماسة للانتقال من الامتحانات التقليدية التي تركز على الحفظ إلى تقييمات متعددة تشمل المشاريع، والعروض التقديمية، والمحاكاة، حيث يمكن لهذه الأساليب أن تقيس قدرة الطالب على تطبيق المهارات في مواقف حقيقية بدلًا من مجرد تذكر المعلومات، وهذا النهج سيعزز من جاهزية الطلبة للمشاركة الفعّالة في تطوير الاقتصاد الوطني والاندماج في سوق العمل المحلي، ويؤدي إلى ربط المهارات بسوق العمل، مما يوفر فرصًا وظيفية جديدة ويعزز من قدرة الطلبة على الاستجابة لاحتياجات القطاعات الاقتصادية المختلفة في سلطنة عُمان، وهو ما يدعم تحقيق «رؤية عمان 2040».