كنوز العالم المخبأة تحت الأرض في خطر !
ترجمة : بدر بن خميس الظّفري -
«حتى وقت قريب، كان من المفترض أن الحياة تحت الأرض ستبقى في عزلة، باردة بعيدة عن تغير المناخ، لكن الأبحاث الجديدة دحضت هذا الاعتقاد».
في لحظة ما، كان (ستيفانو مامولا) يقف في غابة مغطاة بالطحالب تطل على سهل (بو) في شمال إيطاليا، وما لبث إلا أن اختفى بعد دخوله في حفرة أوسع قليلا من جسده، ليعبر خلالها إلى أرض الغابة. وبشيء من الرشاقة، تسلقتُ خلفه، وهبطتُ في حفرة على بعد مترين تحته، كان النفق أمامي هو البوابة إلى شبكة كهوف يبلغ طولها ثلاثة كيلومترات. وبينما كنت مترددًا، شجعني (مامولا)، عالم الأحياء في الكهوف في معهد أبحاث المياه في فيربانيا بإيطاليا، برواية قصص عن عنكبوت غريب يعيش في أعماق تلك الكهوف يحتوي على شرنقة حريرية يمكن أن تمتد إلى أكثر من سبعة أضعاف طوله دون أن تنقطع، وهي رائعة حتى بمعايير العناكب ذواتها.
إن الحرير الصلب القوي ليس سوى إحدى الطرق التي تكيفت بها الحياة مع النظام البيئي تحت الأرضي، وهو النظام الأكثر اتساعا وغموضا على وجه الأرض، وهنا أعني الكهوف والشقوق والفجوات الصغيرة تحت قشرة الأرض. لقد أمضى العلماء العقود القليلة الماضية في استكشاف هذه المواقع النائية، وفهرسة وفحص المخلوقات الموجودة داخلها. والآن يدق العلماء ناقوس الخطر.
حتى وقت قريب، كان من المفترض أن الحياة تحت الأرض ستبقى في عزلة، باردة بعيدة عن تغير المناخ، لكن الأبحاث الجديدة دحضت هذا الاعتقاد، فالحرارة والجفاف والتغيرات الموسمية وارتفاع مستوى سطح البحر كلها تؤثر على هذه المستوطنات القابعة تحت الأرض، مما يترك ساكنيها معزولين بشكل متزايد. ومع ذلك، فإن جهلنا كبير بهذه المخلوقات العجيبة. إنّ (مامولا) قلق للغاية لدرجة أنه نسّق مشروعا يهدف إلى رسم خريطة للنظام البيئي تحت الأرض بالكامل في أوروبا، والكشف عن التنوع البيولوجي الموجود، ومعرفة أين يجب إعطاء الأولوية لجهود الحفاظ عليه. هذا العالم الغريب والرائع يستحق الإنقاذ، ليس فقط من أجل الحفاظ على الكائنات فيه، ولكن أيضا لأنه أمر بالغ الأهمية لبقاء الإنسان.
تُعرّف الكهوف، من وجهة نظر مركزية الإنسان، بأنها مساحات تحت الأرض كبيرة بما يكفي لدخول البشر. وتشكل الكهوف، إلى جانب الفراغات الأصغر حجما، النظام البيئي الجوفي (وهناك أيضا نظام بيئي تحت سطح البحر تحت قشرة المحيط). وتعد صخور الكارست الجيرية والحجر الرملي والحمم البركانية المبردة الأكثر ثراء بالثقوب، ولكن معظم الأرض تحتنا تحتوي على مستوطنات على عمق يتراوح بين متر واحد وألفي متر. يقول (رودريجو فيريرا) من الجامعة الفيدرالية في لافراس بالبرازيل: «الأرض التي نعيش فيا تشبه سطح جبن مليء بالثقوب الصغيرة».
يقدر عدد أنواع العناكب والديدان الألفية والقشريات والحشرات والخفافيش والديدان والقواقع والأسماك، بالإضافة إلى البكتيريا والفطريات والكائنات الأولية، التي تزحف وتسبح وتتلوى عبر هذه المتاهات المظلمة في الغالب والمبللة في أكثر الأحيان، بنحو خمسين ألفا إلى مائة ألف نوع. لا يزال معظمها غير مكتشف وغير قابل للاكتشاف. يقول (مامولا): «ما يمكننا استكشافه هو الكهوف، لكن ما تحتها أكبر بكثير من ذلك». يمكن لبعض الكائنات، المعروفة باسم تروجلوبايتس troglobites، البقاء على قيد الحياة تحت الأرض فقط. البعض الآخر، الخفافيش التي تعيش في الكهوف، على سبيل المثال، هم تروجلوكسينات trogloxenes، التي تعيش تحت الأرض لجزء من حياتهم. ثم هناك التروجلوفيليس troglophiles، بما في ذلك معظم سحالي السلمندر، الذين يعيشون بسعادة داخل الكهوف وخارجها.
عالم خفي
في العقود القليلة الماضية، انفتح هذا العالم أمام العلماء. وتشمل الاكتشافات المذهلة في أوروبا تلك التي اكتشفت في كهف موفيل في رومانيا، حيث عثر على شبكة غذائية كاملة تعيش بدون ضوء، مكتملة بحصائر ميكروبية عملاقة، وعلقات، وقمل الخشب، وعقرب مائي وقواقع. وفي البرازيل، بدأت الاكتشافات تتزايد مؤخرا، كما يقول (فيريرا). وقد وصف العلماء البرازيليون رسميا حوالي 300 من مخلوقات تروجلوبايتس، ولكن هناك حوالي 1000 أو نحو ذلك تنتظر الكشف عنها في الثلاجات والخزائن.
حتى الأنواع المعروفة يمكن أن تحمل مفاجآت. غالبا ما يصادف الباحث (مامولا) عنكبوتا يسمى (بيموا روبيكولا). وعلى الرغم من كونه شائعا جدا، إلا أنه حتى وقت قريب لم يلاحظ أحد أنه في الواقع ثلاثة أنواع. أحد هذه الأنواع يتميز بمسامير بارزة بزاوية قائمة من طرف مشط القدم (ما يعادل قضيب العنكبوت)، وهو جزء من آلية القُفل والمفتاح التي تضمن له التزاوج فقط مع نوعه.
العناكب التي نطاردها أنا وهو غريبة بغرابة الكائنات نفسها السابقة. وبينما أنزلق على الصخور المتساقطة تحت لوح من الجرانيت اللزج، يزداد خوفي من الأماكن المغلقة. يشعر (مامولا) بأنني لن أصل أبدا إلى العمق المطلوب لمواجهة فريستنا، فيتقدم للأمام، ويتخلص من واحدة من شبكتها ويعود. المخلوق ذو المظهر المحيّر، تروجلاهايفانتيس لاناي Troglohyphantes lanai، لديه ندوب صغيرة حيث يجب أن تكون عيناه، بشكل غير عادي، أرجلا طويلة يمكن أن تكون قد تطورت لاستيعاب العديد من الشعيرات الحسية التي ينشرها لاكتشاف تيارات الهواء والرطوبة والمواد الكيميائية المختلفة، أو ربما فقط لرفعه فوق الماء.
إن مثل هذه السمات المميزة هي القاعدة بالنسبة للأنواع التي تعيش في الكهوف، فالانتظار في الظلام حتى تنجرف قطعة من الكتلة الحيوية من الخارج أدى إلى بعض التكيفات غير العادية. لقد فقدت العديد من الأنواع خصائص لا غنى عنها فوق الأرض، بما في ذلك العيون والقدرة على تغيير صبغتها. في الكهوف المعتدلة، البشرة، وهي الطبقة الخارجية على السطح، ترققت لحبس الرطوبة، التي تعد ثمينة هناك، فالتغييرات إذن ليست مجرد تغييرات سطحية. تعيش مخلوقات الكهوف ببطء لتوفير السعرات الحرارية. تحكي لي مامولا قصة «كاترينا»، العنكبوت التي تسكن كهفا مدروسا جيدا وظلت بلا حراك على شبكتها لمدة عام، في انتظار ذبابة تتسلل من الخارج، وكذلك التكاثر يمكن بشكل مماثل. يتزاوج عنكبوت الكهوف كل 19 عاما، ويضع أربع بيضات على الأكثر، وهو أمر ضئيل مقارنة بالمئات التي تنتجها العديد من نظيراتها فوق الأرض. يمكن أن يعني التمثيل الغذائي البطيء أيضا حياة طويلة. يمكن أن يعيش السمندل عديم اللون والعينين لمدة قرن من الزمان .
وهناك أيضا خدعة تبديل الأعضاء التناسلية. ففي عام 1997 اكتشف (فيريرا) جنسا جديدا من الحشرات التي تعيش في الكهوف، وهو نوع (نيوتروجلا)، ولكن بعد سبعة عشر عاما أخرى لاحظ زميله (تشارلز لينهارد) من متحف التاريخ الطبيعي في جنيف بسويسرا أن الإناث لديها قضيب يُعرف باسم العضو التناسلي، بينما لدى الذكور حجرة تشبه المهبل. وتبرز الأنثى عضوها التناسلي وتسحبه إلى الداخل، فتغمسه عميقا في مهبل الذكر لامتصاص السائل المنوي الضخم. ويقول (فيريرا) إنها تفعل هذا بغض النظر عن خصوبتها. ويضيف: «أنه يبدو أن الذكور أكثر كفاءة في جمع الغذاء، ومن ثم تصبح حيواناتهم المنوية مفيدة ليس فقط لتخصيب البويضات، بل وأيضا مشروبا مغذيا ومهما للإناث».
اتصال نفعي بين العوالم
ومن الأهمية بمكان أن العالم تحت الأرض يقدم أيضا خدمات للعالم فوقها . ولكن الحياة تحت الأرض تزودنا بأكثر من مجرد الغموض، فهي بمثابة كنز من المعلومات الجينية. وتوفر عزلة المجتمعات وبساطتها النسبية مختبرا طبيعيا لدراسة العمليات التطورية، بل إن الكائنات الحية التي تعيش تحت الأرض قد تقدم لنا رؤى ثاقبة فيما يتصل بصحة الإنسان. على سبيل المثال، ساعد تحديد الجينات المسؤولة عن تدهور أعينها العلماء على فهم مرض (هوموسيستينوريا) الذي يصيب البشر، والذي يسبب فقدان البصر.
والأمر الحاسم هنا هو أن هذا العالم السّفلي يقدم خدمات للعالم الذي فوقه. فنحو 95% من المياه العذبة غير المجمدة توجد تحت الأرض. وقد قدّرت الأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكان العالم يعتمدون على المياه الجوفية للاستهلاك والزراعة، وأن 50% من النظم البيئية السطحية تعتمد أيضا على المياه الجوفية. ويقول (مامولا): إن العالم الجوفي يعمل كنظام ضخم للمرافق تحت الأرض، وهو عملية خلفية تخزن وتنظف وتنقل المياه وتلعب دورا في دورات الكربون والنيتروجين.
(ديفيد برانكوفتس)، الذي يعمل أيضا في معهد أبحاث المياه، يغطس في الكهوف المغمورة بالمياه لدراسة هذه العمليات. ويخبرني عن أحد أنظمة الكهوف تحت شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك، التي تم رسم خرائط لها على مساحة 1600 كيلومتر. وللوصول إلى هذه العوالم، يمشي عبر الغابة إلى حفرة غير ملحوظة في الأرض وينزل إلى مياهها الموحلة. ويقول: «بينما نغوص إلى الأسفل، تصبح الرؤية واضحة بشكل مذهل». وكان يُعتقد أن هذه الكهوف «صحاري مائية» لأن الطبقة الصخرية فوقها تُصَفّي كل شيء باستثناء الماء. ولكن تبين أن هذه المياه تحتوي على مواد عضوية مذابة من الغابة، بما في ذلك غاز الميثان المسبب للانحباس الحراري العالمي، وهذا يوفر الغذاء للميكروبات، ويدعم شبكة غذائية. ويعمل هذا النظام على تنقية المياه، وحجز الكربون، وتطهير العناصر الغذائية الزائدة مثل النيتروجين، ثم يتسرب الماء النظيف إلى المحيط، وهي الوظيفة التي كان يُعتقد في السابق أنها حكر على الأنهار. ويقول (برانكوفتس) إنه في غياب الحياة تحت الأرض، فإن المياه الساحلية سوف تكون أكثر عرضة للتدهور الشديد، وسوف تتصاعد كميات كبيرة من غاز الميثان إلى الغلاف الجوي، مؤكدا أنّ «أن هذا الأمر مهم حقا».
الحياة تحت الأرض
في خطر
إن مثل هذه الاكتشافات تجعل العلماء يشعرون بالقلق المتزايد إزاء معدل اختفاء العالم تحت الأرض، نتيجة للتدمير الناجم عن التعدين وحفر الأنفاق واستخراج المياه الجوفية، ونتيجة للتأثيرات المترتبة على إزالة الغابات. والآن أصبح هناك إدراك إضافي بأن الانحباس الحراري العالمي يشكل تحديا آخر.
يقول مامولا: «ما يثر اهتمامي هو أن الناس كانوا يقولون إن تغير المناخ لن يكون ذا أهمية تحت الأرض».
قبل عقدين من الزمن، كان مامولا من أوائل من توقعوا ارتفاع درجات حرارة الكهوف بالتزامن مع درجات الحرارة خارجها، ولكن بفارق زمني قدره 20 عامًا. كان من الصعب تأكيد النتيجة، استنادًا إلى النمذجة الحاسوبية بسبب نقص بيانات درجة الحرارة، ولكن في عام 2018 تم التحقق منها في سجلات مدتها 30 عامًا من كهف في سلوفينيا. ومنذ ذلك الحين، نظر باحثون بقيادة آنا صوفيا ريبوليرا في جامعة لشبونة بالبرتغال إلى الكهوف في مواقع متعددة، ووجدوا أن درجات الحرارة داخل كل منها تختلف قليلا جدا، ولكنها تساوي متوسط درجة الحرارة السنوية في الخارج.
ومؤخرًا، عاد مامولا إلى ثلاثين كهفًا قام بقياس درجة حرارتها قبل عقد من الزمان لتكرار التجربة. ووجد زيادة في متوسط درجات الحرارة بلغت 0.5 درجة مئوية. وهو يخشى من الخطأ الذي ارتكبته الأجهزة ويخطط لإجراء المزيد من القياسات، ولكن إذا كانت النتائج دقيقة، فقد تكون بمثابة إنجاز كبير بالنسبة للكهوف. ويقول ريبوليرا: «إذا كنت تتكيف مع الظروف المستقرة وتعيش منذ أجيال في درجة الحرارة الثابتة نفسها، فربما لا تمتلك الكثير من الآليات الفسيولوجية للتعامل مع التغيير».
لا أستطيع تحمل الحرارة
وقد قام مامولا وزملاؤه بوضع نموذج للتأثير الذي قد يخلفه ارتفاع درجات الحرارة على العناكب عديمة العيون وطويلة الأرجل من جنس تروجلوهافانتيس. ويقول: «تتغير أماكن سكن معظم الأنواع وربما تنقرض محليًا». وقد كشفت التجارب في المختبر أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار يتراوح بين درجة مئوية واحدة ودرجتين مئويتين كان مميتًا في كثير من الأحيان. ومع ذلك، قد تكون الحيوانات الأخرى أكثر مرونة. ويوشك ريبوليرا على نشر عمل يُظهر أن العديد من الحيوانات المتكيفة مع الكهوف تموت عند 6 درجات مئوية فوق متوسط درجة حرارتها المعيشية. وفي تجارب أخرى، نجت خنافس الكهوف العمياء وعديمة الأجنحة، التي تستوطن شبه الجزيرة الأيبيرية، من التعرض السريع لدرجة حرارة 20 درجة مئوية. لكن خلاياها تعرضت للإجهاد والتلف. وتقول سوزانا بالاريس من جامعة مورسيا بإسبانيا، وهي واحدة من الباحثين: «لذا ربما تكون هناك عواقب أخرى في الأمد البعيد لا نعرفها».
ولكن من المؤكد أن الكائنات المستوطنة في الكهوف قد يجدون حلا لهذه المشكلة. ويقول مامولا: «علينا أن نأمل في أن تكون لديهم القدرة على التكيف المحلي في حمضهم النووي». ومن بين الاحتمالات أن الجينات التي تسمح لهم بالتكيف مع التغيرات في درجات الحرارة قد توقفت عن العمل، ولم تفقد وظيفتها ـ وهو الأمر الذي يخطط مامولا لدراسته. ومن الاحتمالات الأخرى أن تتراجع المخلوقات التي تعاني من الإجهاد الحراري إلى أعماق أكبر في شبكتها تحت الأرض (على الرغم من أن الغذاء يصبح أكثر ندرة كلما تعمقنا في أعماقها).
وهناك احتمال آخر يتمثل في أن يتدخل البشر. ففي ولاية بنسلفانيا، حفر خبراء الحفاظ على البيئة مداخل جديدة إلى المناجم القديمة وأنفاق السكك الحديدية، حيث تستقر الخفافيش لتشجيع تدفق الهواء إلى الأعلى، مما يسمح للحرارة بالهروب. وكان التدخل بهذه الطريقة مثيرًا للجدل، ولكنه نجح في خفض درجات الحرارة أثناء السبات، مما أدى بنجاح إلى إبطاء نمو فطر الأنف الأبيض، الذي قتل أكثر من 90% من ثلاثة أنواع من الخفافيش في أمريكا الشمالية.
قد يتم نقل حيوانات التروجلوبيتس أيضا. يقول مامولا: إن مجتمعات الكهوف بأكملها تم نقلها مرتين بالفعل، في البرازيل والولايات المتحدة، للهروب من الدمار الناجم عن التعدين. يمكن لحماة البيئة أيضا تقديم ملاذ مؤقت. في سلوفينيا، عندما تجرف الأمطار الغزيرة السمندل إلى العراء، يقوم العلماء بإعادة تأهيلها في مختبرٍ تحت الأرض وإعادة إدخالها إلى الكهوف ضمن نطاق نوعها.
قد تبدو مثل هذه التدابير جذرية، لكن علماء الأحياء المتخصصين في الكهوف يحذرون من أن تجاهل البعد الرأسي لتغير المناخ قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. وفي أواخر العام الماضي، دعا هؤلاء العلماء إلى الحفاظ على المياه الجوفية وسكانها على وجه السرعة؛ لأنها تشكل «نظامًا بيئيًا رئيسيًا، ومكونًا أساسيًا لسلامة الكوكب». ويقولون إن الحكومات التي تضع خطط التنوع البيولوجي تجاهلت العالم تحت الأرض في الغالب. ونتيجة لهذا، فإن 7% فقط من النظم البيئية تحت الأرض على مستوى العالم تقع في مناطق محمية.
وهنا يأتي دور مشروع رسم الخرائط الذي ينفذه مامولا. ويهدف مشروع داركو، الذي تم تمويله بمبلغ 1.7 مليون يورو من مشروع التنوع البيولوجي الأوروبي بيوديفيرسا+، إلى رسم خريطة للحياة الجوفية في القارة بأكملها. وفي معهد أبحاث المياه، يوضح لي أدريا بيلفيرت كيف يتشكل مشروع داركو. فبنقرة واحدة على فأرة الحاسوب، تتساقط البقع على خريطة أوروبا على الشاشة. وهذه هي البيانات التي تجمع حول أنواع وأمكنة الكائنات الجوفية التي تم العثور عليها، ثم يدخلها في نموذج يستقرئها للتنبؤ بتوزيع الأنواع عبر المناطق غير الموثقة. ويتم ذلك باستخدام معلومات عن الجيولوجيا وهطول الأمطار ومدى توقع وجود نوع واحد أو استبعاده لوجود نوع آخر. ويقول بيلفيرت إن الخطوة التالية هي تطبيق منطق قاسٍ في بعض الأحيان حول جدوى حماية كل منطقة. إن الأماكن التي من المتوقع أن تشهد ارتفاعات شديدة في درجات الحرارة أو التي يتم التخطيط لإقامة مشاريع التعدين فيها قد لا تستحق الجهد المبذول، كما أن الأمر لا يستحق دائمًا إنقاذ مكان تختلف أنواعه قليلا عن منطقة أخرى محمية بالفعل.
حماية ودفاع
ويأمل علماء داركو أن تُستخدم النتائج في توجيه الالتزامات الإقليمية والعالمية بالحفاظ على البيئة، وخاصة شبكة ناتورا 2000 للمناطق المحمية في الاتحاد الأوروبي وإستراتيجية التنوع البيولوجي للاتحاد لعام 2030، والتي تسعى إلى إنشاء مناطق محمية لـ30 في المائة من أراضيها البرية والبحرية بحلول نهاية العقد. وحتى الآن، لم يُتّخذ القرار إلا بشأن ثلثي المناطق المحمية، ويريد الفريق التأثير على الخيارات المتبقية.
لا يمكن للحماية أن تمنع ارتفاع درجات الحرارة، كما يعترف مامولا. لكنها يمكن أن تقلل من الضغوط البيئية الأخرى التي قد تدفع الأنواع إلى حافة الهاوية. كما يمكنها أيضًا تسليط الضوء على جزء من الطبيعة تم تجاهله منذ فترة طويلة. خذ على سبيل المثال كهف باروكال في منطقة الغارف في البرتغال، وهو نقطة ساخنة للتنوع البيولوجي تحت الأرض، اشترت البلدية المحلية الأرض الموجودة فوقه في عام 2021 وتعمل مع العلماء لإنشاء إطار قانوني لحماية الكهف وسكانه، وبناء محطة مراقبة طويلة الأجل. يقول ريبوليرا، الذي يقود المشروع: «هذه مبادرات محلية، لكنها أيضا جزء من كيفية الوصول إلى المشاريع الكبرى».
يقول مامولا إنه لأمر شاق أن تحاول إقناع الناس بالحفاظ على شيء بالغ الأهمية ومليء بالمجهول في الوقت ذاته. ولكن لا يوجد وقت للانتظار، مضيفًا: إن «هذا يعني قبول الطبيعة غير المحددة للعالم الموجود تحت الأرض. وهذا يعني، حرفيا، العمل في الظلام».
أيسلينج إروين
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»