«المسرّحون».. كرة الثلج الضخمة

14 أغسطس 2024
14 أغسطس 2024

حين يصبح القانون لعبة في أيدي أصحاب الشركات، ويصبح القطاع الخاص مسرحًا كبيرًا ومسؤولًا مباشرًا عن إحدى مشاكل البلاد، دون أي اعتبار منه لأي نتائج قد تنتج عن هذا التلاعب، وهذا الاستهتار، فهناك خلل ما، إما في القانون، أو في أصحاب الشركات، وإما في المسؤولين عن ملف «المسرّحين» الذين صاروا مشكلة عصية على الحل، تضاف إلى مشاكل كثيرة يعاني منها المواطن، وبالتالي تنعكس آثارها، ونتائجها على الوطن بشكل عام.

ورغم أننا نقدّر الظروف التي مرت على الشركات خلال جائحة «كورونا» في 2019م، إلا أن الدولة أتاحت مجموعة من التسهيلات، والإجراءات -آنذاك- ساعدتها على تجاوز محنتها في تلك الفترة، إلا أنه وبعد سنوات من الجائحة، ما زالت بعض الشركات والمؤسسات الخاصة تستغل وبشكل بشع، وغير إنساني تلك الظروف الاستثنائية، وتتخذها ذريعة للتسريح، وشماعة تعلّق عليها فشلها، أو تلاعبها، عن طريق الضغط على العمال من أجل «التقاعد» المبكر، أو «تخفيض» الرواتب، وهذا ما يتم بالفعل، حيث يُجبر الموظفون ذوو الرواتب العالية في الشركات على الاختيار بين هذين الأمرين، إما: تخفيض الراتب، أو الإقالة القسرية أو الطوعية، وبذلك يخضع الكثيرون لأحد هذين الخيارين، من أجل أسرهم، ومن أجل الوفاء بالتزاماتهم، ويتم ذلك للأسف تحت أعين الجهات الرسمية، وبصرها، ورغم أن هذه الجهات تبذل جهدًا من أجل التوفيق والمصالحة بين طرفي النزاع، إلا أن لأصحاب الشركات ذرائعهم، ومبرراتهم، والتفافاتهم التي باتت مكشوفة للجميع، ولكنها في كل الظروف تقع تحت ذريعة «القانون» الذي تتخذه غطاء لإجراءاتها، وتعسفها، وتصرفاتها، ومجمل هذه الذرائع تختصر في جملة «الخسائر التي تتعرض لها الشركة»، أو «إعادة الهيكلة»، أو «عدم وجود مشاريع حكومية» تعتاش عليها، بل وصل الأمر إلى قيام بعض الشركات بإعلان إفلاسها، ثم يقوم أصحابها بإنشاء شركة أخرى باسم آخر، حتى يتخلصون من التزامات الموظفين، ويقومون بتسريح الجميع دون مساءلة قانونية واضحة، وفي كل الأحوال فإن المتضرر الأول والأخير هو المواطن الذي يقع بين سندان الشركات، ومطرقة الابتزاز «القانوني».

يخبرني أحد الشباب الذي عمل في شركة نفط مدة تزيد على عشرين عامًا أنه تعرض للظلم، والابتزاز، وتم تسريحه من العمل، بعد أن خيّروه بين تخفيض راتبه العالي، بنسبة تفوق الـ 70%، أو الاستغناء عن خدماته، وحين رفض الخيارين وجد نفسه، وأسرته يصارعان أعباء الالتزامات الحياتية، وأقساط البنوك، وضغوط الفواتير المختلفة، وما زال يصارع -كغيره- للخروج من صدمة التسريح القسري، وهذا هو حال الكثير من المواطنين الذين تم تسريحهم، دون أن يكون هناك أي بارقة أمل لحل هذه القضية المؤرقة، والتي باتت -مع قضية الباحثين عن عمل- على رأس سلّم أولويات المشاكل التي تقض مضجع المواطن، والتي تتجاوز آثارها النفسية والمادية طاقة، وقدرات الفرد، إلى المجتمع بشكل عام، ولك أن تتصور أسرة مستقرة هانئة ذات التزامات مالية معينة، تجد نفسها فجأة ودون سابق إنذار وقد انقلب حالها رأسا على عقب، وتحولت من أسرة ميسورة إلى أسرة معسرة، ومعوزة، غير قادرة على تلبية احتياجات حياتها، ولك أن تتخيل تلك الآثار التي قد تنجم عن ذلك، والتي تنعكس على مجمل المجتمع، وبالتالي تكبر كرة الثلج، ولا يمكن وقفها، حتى تنفجر في وجه من سكت عنها، أو تغاضى، وتركها لتحل نفسها بنفسها.

إن قضية المسرّحين عن العمل ليست قضية عابرة، ولن يتوقف مسلسل التسريح، ما دامت شركات قطاع الخاص تتخذ من ثغرات القانون مدخلا، ومبررا، وسندا للاستغناء عن المواطن، وتتركه في الشارع يواجه مصيره، ولذلك يجب أن يكون هناك تشريع واضح وقوي، يجعل الشركات تفكر ألف مرة قبل أن تقوم بتسريح موظفيها، وترمي بهم في وجه الدولة كي تتحمل مسؤوليتها، بينما يجلس أصحاب الشركات في الظل ينعمون بخيرات البلاد، وتسهيلات الدولة.