No Image
رأي عُمان

غزة.. وبشارات الهجرة النبوية

06 يوليو 2024
06 يوليو 2024

تشرق هذا الصباح شمس أول يوم في العام الهجري الجديد. وعلى الرغم من أن المشهد العام في العالم الإسلامي مشهد حزين حيث يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى أسوأ إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين إلا أن سنة الله في هذا الكون تدعونا إلى التفاؤل خاصة عندما نحاول إيجاد رابط بين ما يجري في غزة وبين الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة.. والذي يمكن أن نستمد منه الكثير من العبر والكثير من الدروس.

لقد تحمل النبي عليه أفضل الصلاة والسلام هو وصحابته الكثير من التحديات والصعاب في سبيل نشر الدعوة الإسلامية وتأسيس دولة النبوة الأولى. فلم تكن هجرتهم هجرة نزهة بل كانت مغامرة صعبة من أجل العقيدة الإسلامية.. تعرض النبي الكريم وأصحابه للكثير من الأذى والاضطهاد في مكة، ولكنهم صبروا وتحملوا ذلك الأذى حتى جاء أمر الله بالهجرة.. ولا شك أن الشعب الفلسطيني الصامد يعيش ظروفا صعبة ويتعرض للأذى والاضطهاد بل وللإبادة.. إنهم يستمدون صبرهم وصمودهم من ذلك الصبر الأعظم الذي صبره سلفهم من المسلمين حتى حقق الله لهم الغلبة والنصر وبنيت دولة النبوة وظهرت على العالم أجمع.

أما الدرس الثاني والمهم الذي يمكن فهمه من الهجرة النبوية وإسقاطه على الوضع في غزة فيتمثل في حقيقة أنها لم تكن، أبدا، مجرد هروب من الأذى، بل كانت بحثًا عن مستقبل أفضل وبناء مجتمع جديد يقوم على العدالة والرحمة والمساواة. وهذا بالضبط ما يسعى لتحقيقه الفلسطينيون وبشكل خاص في قطاع غزة. فالذين يتحدثون عن طوفان الأقصى لا يربطونه فقط بالحصار والأذى اللذين كانوا يتعرضون له ولكنهم يرون فيه محاولة جادة للبحث عن مستقبل جديد للقضية الفلسطينية برمتها، كما أنهم يبحثون عن العدالة والحرية والدولة الفلسطينية التي تقوم على أرض فلسطين التاريخية.

أما التكافل الذي تحقق في المدينة المنورة بعد وصول الرسول محمد إليها والذي أسهم مع الوقت في تأسيس مجتمع قوي ومترابط ومتماسك فهو بعينه ما نقرأه اليوم في المشهد الفلسطيني الذي يقوم في هذه اللحظة الصعبة من التاريخ على فكرة التضامن والتكافل، إضافة إلى الترابط المعنوي بينهم وبين بقية الشعوب الإسلامية والكثير من شعوب العالم الحر.

أما الحوار الذي يقيمه الفلسطينيون اليوم مع عدوهم من أجل الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار وعودة الأسرى والمحتجزين عند الطرفين، فإنه يعيد إلى الأذهان ما قامت به دولة النبوة بعد الهجرة من أجل ضمان استقرار المجتمع الجديد.

وكما كان النبي وأصحابه على يقين تام بأن نصر الله قادم وأن رسالة الله ستظهر على العالم أجمع فإن الفلسطينيين يؤمنون بالأمر نفسه وأن الله ناصرهم لا محالة ومن هذا الإيمان نجدهم يستمدون العزم والقوة والصبر. كما أنهم يؤمنون أن الصراع بين الحق والباطل صراع طويل وقديم، وهو سنة الله في خلقه؛ لكنهم يؤمنون أيضا، بعاقبته ونهايته: «كَتَبَ الله لأغلبنّ أنا ورسلي، إنّ الله قوي عزيز».

لكن هذا الإيمان الذي لا يتزعزع منذ الهجرة الأولى وإلى الوضع الذي يعيشه المسلمون في قطاع غزة لا يتعارض مع فكرة عقد الاتفاقيات والهدن بين الطرفين.. خاصة وأن اليوم هو أول أيام شهر محرم الذي حرم الله فيه القتال إلاّ دفاعا عن النفس. وعسى الله أن ييسر لعباده الصابرين الذين يدافعون عن أنفسهم وعن حرماتهم ومقدساتهم ويرفع عنهم البلوى ويظهرهم فوق من ظلمهم وسفك دماءهم ودمر ديارهم فإنه قادر على ذلك. وعسى أن تكون خيوط شمس هذا اليوم الأول من شهر محرم الحرام تحمل في لونها الذهبي بشارات النصر والتمكين وتنشر على الأمة الإسلامية كل الخير والسلام والوئام.