تثبيت..تجديد.. تسريح
أن تكون مُهددا بشبح الاستغناء والتخلي من المكان الذي تعمل فيه، أن تتخبط في مصير غامض ومجهول، غير قادر على اتخاذ قرارات أساسية في حياتك، كالزواج أو بناء بيت أو حتى الدخول في جمعية! أن تحاول جاهدا التجذر في المكان الذي تظن بأنّك ستنتمي إليه، لكن صيغة العلاقة التي تربطك به: مجرد عقد ولمدة سنتين وحسب، فذلك يعني أنّك من ضمن الخمسة آلاف موظف الذين يعملون ضمن مبادرة عقود «ساهم»، والذين تفصلهم شهور قليلة عن لحظة مواجهة الحقيقة! فهم يرزحون الآن تحت عبء انتظار الكفة التي سترجح: تثبيت، تسريح، تجديد!
أياديهم مغلولة تحت شعور ثقيل وشرس بانتهاء الوقت واضمحلال الفرص، فغالبا هم في الثلاثينيات من أعمارهم، مسكونون برغبة الاستقرار وتكوين عائلة، لكن مخاوفهم تكبر كل يوم، كلّما اقترب العد التنازلي من لحظة العودة الخائبة إلى البيت!
نقدرُ عاليا الفكرة النبيلة التي نبعت منها «عقود ساهم» كطوق نجاة للعديد من الخريجين المُنتظرين، مبادرة طُرحت من وزارة العمل لمدة سنتين، فكانت فرصة ذهبية للانخراط في بيئة العمل وصرف رواتب محددة بحسب المستوى التعليمي. علينا أيضا ألا ننكر ما جلبته من خير للشباب، ففيما مضى كان أحد أهم شروط التوظيف «الخبرة»، لكن من أين تأتي الخبرة إن لم يعبروا غمار التجربة؟ هكذا قوت «ساهم» عودهم الهش وامتحنتهم في صراعات العمل الواقعية، فانفتحت أعينهم على بيئات عمل متباينة، كما انفتحت أعين الجهات على الشباب من ذوي الكفاءات الجديرة بالاهتمام قبل التورط بتوظيفهم بشكل نهائي.
وبحسب تصريحات وزارة العمل، فمبادرة ساهم كانت في الأصل «مبادرة تدريب» لاكتساب خبرة أو لفتح آفاق، وقد نُفي عنها صفة «أنّها وظيفة»، يُعضد ذلك أنّ هؤلاء الشباب غير مسجلين في القوى العاملة باعتبارهم موظفين، الأمر الذي يتيحُ لهم فرصة التقدم لشغل أي وظيفة يُعلن عنها.
لكن ذلك لا يُزيح عن وزارة العمل المسؤوليات المترتبة جرّاء فقدان هؤلاء الشباب لمصدر عيشهم الوحيد! فلقد خضعوا لمنافسة شديدة على الوظائف شأنهم شأن أي متقدم لوظيفة دائمة، وقد وقع الاختيار عليهم بحسب احتياج الجهات ولم تكن المسألة تدريب عابر وحسب!
كما رُبط هؤلاء الشباب بنظام «إجادة» -وهو نظام سبق أن تحدثنا في مقال سابق عن مواطن ضعفه وهشاشة تقييمه- والآن سيتم ربط مدى كفاءتهم وجدارتهم به!
«عقود ساهم» لشغل وظائف مؤقتة، ستنتهي بانتهاء المدة المحددة، ما لم ترغب جهة العمل في التجديد لهم. من المؤكد أنّ وزارة العمل لن تمانع في ذلك لا سيما وأنّها هي من تدفع الرواتب طوال السنتين الماضيتين، ولكن وإن رغبت الجهات المعنية في توظيفهم، فالأمر ليس ورديا كما قد يتبدى وإنّما رهن الدرجات المالية الشحيحة!
الغريب أيضا أنّ بعض الجهات تطرح وظائف شاغرة، فلماذا لا تُعطى الأولوية لموظفي «ساهم» الذين يعملون لديها أصلا، وقد اختبروا من قبل، وجُرب أداؤهم على أرض الواقع؟ حصلوا على الخبرة والتدريب وقامت الجهات الحكومية باستثمار طاقاتهم ومواهبهم.. فتلك الرغبة الجامحة في إثبات الذات، ينبغي ألا تُهدر!
تجربة الوظائف المؤقتة ليست جديدة، فقد نصّ عليها قانون الخدمة المدنية ولائحته منذ عام ٢٠١٠، وعقود «ساهم» منبثقة من هذا القانون مع تعديل في البنود بما يتناسب مع المبادرة، الأمر الذي يُتيح للجهات أن تُبرم عقودا مؤقتة قابلة للتجديد. وثمّة عقود امتدّت لعشر سنوات وأكثر، تزيح عن كاهل الحكومة مشقة الدرجات المالية، فلماذا -في حال تعذر الدرجات المالية- لا يُنظر في إمكانية تحويلها إلى عقود دائمة تتضمن مميزات عادلة تُمكنُ هؤلاء الشباب من الشعور بقليل من الاستقرار؟ لا تهديد بالمغادرة في أي لحظة! وأن تكون رواتبهم قابلة للزيادة مع مراعاة غلاء المعيشة والضرائب المُهلكة، لا سيما وأنّه بعد صدور قانون الحماية الاجتماعية اُقتطع من رواتبهم الضئيلة أيضا!
علينا ألا نغض الطرف عن أنّ البلاد كانت في وضع مالي صعب، وكانت مشكلة الباحثين عن عمل تتكاثر كالفطر السام، ورغم ذلك حاولت البلاد وضع حلول مؤقتة، لكننا الآن أيضا في لحظة حاسمة تتطلب النظر بموضوعية، فخمسة آلاف شاب وشابة وصفوا أنفسهم بكلمة «موظف» سيعودون أدراجهم إلى جملة قاسية: «باحثون عن عمل»، سيعودون رقما جديدا يُجهدُ كاهل الحكومة!
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى