فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د.كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان
- ما دلالة وصف الله سبحانه وتعالى لحديث النسوة في امرأة العزيز بالمكر «فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ»؟
استعمال لفظة مكرهن في وصف ما كانت النسوة في المدينة يقلنه من شأن امرأة العزيز في مراودتها ليوسف عليه السلام، دلالة هذه اللفظة تكشف أنهن ما كن يردنا الإصلاح، فلم يكن ذلك القول الذي جرى بينهن ناشئًا عن نهي عن منكر أو أمر بمعروف أو عن تعلق بفضيلة، وإنما أردن أن يصل هذا القول لامرأة العزيز حتى يرين هن هذا الفتى الذي تعلقت به امرأة العزيز وشغفها حبًا، فهن أيضًا أردن أن يرين يوسف فدبرن في خفاء ما كان بينهن من أقاويل في هذا الشأن، حتى يصل ذلك إلى امرأة العزيز فتمكنهن من رؤية يوسف ومن رؤية الحال الذي كانت عليه، فلم يكن قولهن ذلك ناشئًا عن رأي وإنما كان عن تدبير في خفاء وهذا هو أصل المكر فالمكر الأصل فيه أنه تدبير في خفاء، هذا الذي يُأخذ من هذه الكلمة ولذلك فإن استعمالها استعمال في غاية البلاغة والإعجاز؛ لأنه يكشف من جانب عموم أحوال نسوة تلك الطبقة التي تختلط بامرأة العزيز، الطبقة المتقدمة الراقية في ذلك المجتمع، يكشف عن نوع الأحاديث التي تكون بينهن همسًا ومكرًا ويكشف عن اهتماماتهن وتتبعهن لهذه الأخبار؛ لأن القضية في الأصل أنها قد طويت صفحتها داخل بيت العزيز لكنهن استعملن ما يدل على أن الفعل يتكرر، «وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَة الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ» بصيغة الفعل المضارع فتراود وكأن المراودة مستمرة، فتاها عن نفسه، وكأن هذا شيء مستغرب، لا ذات الفعل ولكن أن تكون المراودة لغلام فتى في كنفها وفي بيتها وتحت ملكها وتصرفها، فإذن لم يكن الإنكار لذات الفعل، هذا أيضا يؤخذ من التعبير بما كن عليه، فالقرآن الكريم يقول: «فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ» وكأنها تَبَيَّنَ لها ما كان يحاك من ورائها، وما يراد لهن فحققت لهن رغبتهن، فكان بعد ذلك ما كان والله تعالى أعلم.
- هل للمصلي إذا سلم عليه أحد أن يرد عليه السلام بالإشارة دون التلفظ وما صحة الأحاديث الواردة في هذا الفعل؟
هذه المسألة فيها خلاف وحديث ابن مسعود أنهم كانوا يسلمون على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيرد عليهم السلام فلما رجعوا من عند النجاشي سلموا فلم يرد عليه الصلاة والسلام السلام عليهم فلما فرغ قال: إن في الصلاة لشغلا وفي رواية إن في الصلاة شغلا، فأخذ عدد من الفقهاء بظاهر هذه المسألة وقالوا لا ينبغي للمصلي أن يشتغل بما سوى الصلاة من الإقبال عليها قانتا خاشعا وألا يلتفت إلى ما سوى أمر صلاته وعلى هذا ذهب الإباضية والحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الرد بالإشارة مشروع واختلفوا في مشروعيته فمنهم من قال بأنه إذا قصده بالسلام وكان في صلاة، فإن عليه أن يرد عليه السلام بالإشارة، ومنهم من قال بأنه يجوز له ذلك، ومنهم من قال يستحب فرأوا المشروعية على خلاف في درجة هذه المشروعية لكن رأوا مشروعية رد السلام بالإشارة ولو كان في صلاته، ولكنهم يقصدون بما لا يؤثر عليه في خشوعه وإقباله على صلاته، وإنما يكون ذلك بإشارة عابرة تجزئ في رد السلام ولا تصرفه عن صلاته، فهذا ينبغي أيضا أن يلتفت إليه أن لا يشتغل برد السلام بالإشارة حتى على قول من رأى جواز رد السلام إشارة ولكن القول الذي يظهر هو ما دل عليه هذا الحديث والحديث عند الإمام البخاري وعند غيره إن في الصلاة شغلا أو إن في الصلاة لشغلا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إلى صلاته ولم يرد على من سلم عليه إلا بعدما فرغ من صلاته.
وهذا يدفعنا أيضا إلى أدب من آداب السلام لا مانع من التعرض له وهو الأصل في من كان في صلاة لا يُسَلَّم عليه ومن كان مشغولا بقراءة القرآن الكريم أو بذكر من الأذكار فلا حاجة إلى التسليم عليه يمكن أن يُسَلِّمَ على عموم الموجودين أو على نفسه ولكن لا يُسمع من كان مشغولا بصلاته أو بذكره أو قرآنه، فلا يلزمه في هذه الحالة وإنما يقبل على ما يقبل عليه وأغلب هذه الأحوال تحصل في المساجد. والله تعالى أعلم.