No Image
عمان العلمي

لماذا تعتبر العلاقة بين العقل والجسد أمرًا مهمًا لفهم الوعي؟

21 يونيو 2023
21 يونيو 2023

«من الممكن أن يكون مفتاح حل مشكلة الوعي الصعبة في الجسد وليس في الدماغ، فالقناة الهضمية والقلب يلعبان دورًا رئيسيًا في بناء تجربة البشر الواعية»

إذا ما كان على المرء أن يشير إلى المكان المسؤول عن وعيه، فإن الاحتمال الأكبر أن يصوب إصبعه إلى رأسه مباشرة، هذا هو الجزء البديهي والسهل، ولكن أين تكمن «دارات» الدماغ للوعي؟ أو كيف تتحول الخصائص الفيزيائية فيها على ما يبدو إلى شعور ذاتي بالوجود؟ إجابات تلك الأسئلة قد خانتنا لقرون، ليتضح بعد تلك القرون أننا -ربما- كنا نبحث في المكان الخطأ طوال هذه المدة.

تقول «كاثرين تالون بودري»، وهي عالمة الأعصاب في مدرسة «إيكول نورمال العليا» الكائنة في باريس: «إن الدماغ وحده لا يكفي لتوليد خبرة ذاتية بدون الجسد، لن توجد الذات ببساطة».

وتقول: «تماما كما أن فكرة السيارة موجودة فقط في حالة وجود عدد معين من المكونات التي تجتمع وتتفاعل ديناميكيا مع بعضها البعض».

مؤخرا تم البحث في هذه الفكرة التقليدية، وعليه أدرك الباحثون أن إحساسنا بالإدراك الداخلي يعتمد على إشارات الجسم الداخلية -مثل معدل ضربات القلب والألم والعطش والسرور- فيلعب دورًا رئيسيًا في تكوين أفكارنا وعواطفنا، أما الآن فيعتبر الكثيرون أن الحس الداخلي سمة أساسية للوعي أيضًا.

وتسترسل «تالون بودري» بحديثها قائلة: «إن أعضاءنا الداخلية، وخاصة القلب والأمعاء، يلعبان دورًا رئيسيًا في بناء تجربتنا الواعية، كلاهما له إيقاع ووظيفة متولدان ذاتيًا، منفصلان عن الدماغ ويؤثران به».

وهذا الأمر، كما تعتقد «تالون بودري» يوفر مؤشرات مفيدة للتوصل إلى علاقة مرتبطة يمكن للدماغ أن يعلق عليها إحساسه بذاته.

هذه الفكرة خطوة متقدمة لفهم العلاقة بين الوعي والأعضاء الداخلية، ويقول «أنطونيو داماسيو» المنتمي لجامعة جنوب كاليفورنيا: «إن إشارات الجسم الداخلية لا تشارك فقط في الوعي، إنها الوعي بعينه».

ويقول: «يستمر الناس في الحديث عن الوعي باعتباره اللغز العظيم الذي سيتم الكشف عنه من خلال فهم الدماغ، وهذا خطأ... الأمر لا يتعلق بالدماغ، إنه يتعلق بما يحققه الدماغ من خلال النظام الداخلي في جسم الإنسان».

من خلال وجهة النظر هذه، لا يزال الدماغ متورطًا، إذ يلعب دورًا تشغيليًا بشكل أكبر معتمدًا على وظائف الأعضاء الداخلية، يقول «داماسيو»: إن الفكر الواعي يسمح لنا بالرد على ما يقوله الجسد، «لكنك لست واعيًا بسبب الإدراك».

المشكلة الصعبة للوعي

وعلاوة على ذلك يعتقد «داماسيو» أن وجهة نظر الوعي -التي تتمحور حول الجسم- تجعل السؤال عن كيفية قيام المادة الفيزيائية بالتأثير على التجربة الواعية، والمعروفة باسم «المشكلة الصعبة»، تجعله يختفي.

ويقول: «لا أعتقد أنه موجود، لأن هذه المشاعر تولد منظورًا ثابتًا... إنه بناء الذات.»

ولكن ليس بالضبط، يقول «هيوجو كريتشلي» في مركز ساسكس لعلوم الوعي في المملكة المتحدة: «التفكير في حالات الشعور ذات المستوى المنخفض كوعي أولي ربما هو الطريق المناسب للسير عليه، والتوقع هو أن كل شيء يتطور من ذلك»، ويقول: «ولكن هنا يصبح الأمر معقدًا حقًا».

لا يزال هذا الاعتقاد، بأن الوعي ينشأ في الجسد، لا يفسر كيف تتحول العمليات الفيزيائية إلى ذلك الشعور بكونك «أنت»، ولا يفسر كيف يسمح الوعي لنا بالسفر العقلي إلى المستقبل والتفكير به، وكذلك السفر إلى الماضي.

ومع ذلك، فإن القلة في هذا المجال لا تعتقد اليوم أن الوعي هو ظاهرة تعتمد بالكامل على الدماغ. «التفسيرات الجسدية هي خطوة نحو فهم كيف يمكن أن تنشأ التجارب الشخصية من المواد البيولوجية»، كما يقول «تالون بودري»، ويقول: «من هذا المنطلق، فهي خطوة نحو حل المسألة الصعبة».

خدمة تريبيون عن مجلة «New Scientist»