الطاقة المتجددة فرصة للانعتاق الاقتصادي
بدأ التنقيب عن النفط واستخراجه في العالم العربي قبل حوالي قرن من الزمان عن طريق شركات أجنبية، هي في غالبها بريطانية أو أمريكية أو فرنسية. وفي عمان تم منح أول امتياز للتنقيب عنه، لشركة بريطانية تسمى دي أرسي، وذلك في منتصف العقد الثاني من القرن العشرين. لكن الشركة المذكورة لم تعثر على النفط حينذاك، وبعد أكثر من عشر سنوات من ذلك تم إعطاء شركة نفط العراق، وهي أيضا بريطانية، امتيازا آخر للتنقيب. وقد تلت ذلك اتفاقيات أخرى إلى أن تمكنت شركة تنمية نفط عمان في ستينيات القرن الماضي من العثور على النفط بكميات تجارية، وتم تصدير أول شحنة منه في عام 1967. أما الغاز، وهو توأم النفط أو رديفه، فقد تم اكتشاف كميات منه مع اكتشاف النفط، إلا أنه لم تتم الاستفادة منه لأغراض الصناعة إلا بعد حوالي عشرين سنة من اكتشافه، وذلك حين تم نقله إلى ولاية صحار بواسطة خط أنابيب لتشغيل مصهر النحاس الذي أنشئ هناك. ومنذ ذلك التاريخ تتم زيادة الاحتياطي منه باكتشاف كميات أخرى في مكامن جديدة له في عدد من المناطق. وقد مكنت الاكتشافات المتتالية الحكومة من استخدام الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، وقامت الحكومة كذلك بإنشاء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي في ولاية صور بالشراكة مع مستثمرين أجانب، وتم في عام 2000 تصدير أول شحنة من الغاز المسال. وتشكل إيرادات الغاز حاليا بندا مهما في الميزانية العامة، ويسهم قطاع الغاز كذلك في التنويع الاقتصادي من خلال تصديره مسالا أو من خلال استخدامه في إنتاج الكهرباء وفي عدد من الصناعات التحويلية.
مما لا شك فيه أن استخراج النفط والغاز قد أحدث تحولا كبيرا في بنية الاقتصاد العماني، سواء من حيث رفد الميزانية العامة للدولة بموارد مالية كبيرة، أو من حيث تطوير قطاعات أو إنتاج سلع وخدمات لم تكن موجودة من قبل. هذا إلى جانب إسهامه في إحداث تغيرات اجتماعية وسكانية كبيرة في بنية المجتمع العماني. لكن المؤسف أن الاقتصاد العماني، كغيره من اقتصادات دول المنطقة، انتقل مع تزايد الاعتماد على النفط من وضع ضعيف تمثل في اقتصاد الكفاف إلى وضع سيئ هو وضع الاقتصاد التابع، وليس ذلك فقط لكونه أصبح عرضة لتقلبات أسعار النفط في السوق العالمي، وإنما لتراجع إسهام ودور القطاعات غير النفطية فيه. وفي الجانب الآخر، فاقت الأرباح والفوائد التي جنتها الدول المستوردة للنفط وشركات النفط الكبرى العاملة في المنطقة ما حصلت عليه الدول المصدرة له، حيث لم تكتفِ تلك الشركات بحصتها في الإنتاج ولكنها وقّعت على عقود مع الحكومات والشركات العاملة معها لتوريد سلع أو تقديم خدمات واستشارات بأسعار غير عادلة وبشروط مجحفة. والأدهى من ذلك أن الشركات الكبرى المنتجة للنفط والغاز طورت من خلال أبحاثها وتجاربها التي تجريها في حقول وآبار النفط والغاز في المنطقة تقانات عالية الدقة والكفاءة، ثم أخذت تبيعها للمنتجين من دون أن تشرك في ملكيتها الفكرية وإيراداتها من تلك التقانات، الدول التي تم تطويرها فيها وأسهمت في تكاليف تطويرها. ولسوء الحظ، بل لسوء التدبير من قِبل البعض، لم تتمكن أكثر الدول المنتجة للنفط والغاز من تطوير التقنيات والأساليب التي تمكنها من الاعتماد على الذات في مجالات استكشاف واستخراج وتسويق وتصدير النفط والغاز، بل إنها ما زالت تعتمد في ذلك بشكل كبير على كبريات الشركات العالمية.
وإضافة إلى مصادر الطاقة الأحفورية، من فحم ونفط وغاز، فإن بعض الدول تستخدم الطاقة الذرية لإنتاج جانب من حاجتها من الكهرباء. ولكون إنتاج الكهرباء من الطاقة الذرية يحتاج إلى استثمارات هائلة، إلى جانب أن تقانة الطاقة الذرية غير متاحة لمن يرغب فيها، فإن إنتاجها لا يزال محصورا في عدد قليل من الدول. لذلك فإنه مع بداية القرن الحالي، ولكون النفط والغاز من الموارد الناضبة وأسعارهما تتذبذب بين هبوط وصعود، إضافة إلى تزايد الضغوط من أجل التخفيف من الآثار السلبية للطاقة الأحفورية على البيئة والمناخ، بدأت جهود حثيثة على مستوى العالم، من أجل إنتاج الطاقة من مصادر متجددة، أي من الشمس والرياح وموج البحر وربما من مصادر أخرى متجددة سيكتشفها العلماء لاحقا. ولأن إنتاج تقانة الطاقة من مصادر متجددة ما زال في بدايته وليس ثمة من يحتكرها حتى الآن، فإن الفرصة أصبحت مواتية للانعتاق الاقتصادي من التبعية التقنية لشركة النفط الكبرى ومن تقلبات الأسواق.
وفي إطار السعي لإيجاد مزيج آمن ومجدٍ اقتصاديا من بدائل إنتاج الطاقة، ولتنويع الاقتصاد الوطني بصفة عامة، وكذلك للإسهام في الجهود العالمية للحد من التلوث وخفض الاحتباس الحراري، عملت الحكومة في السنوات الأخيرة على تسهيل الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، ومنحت الفرص للمستثمرين من العمانيين وغيرهم لتقديم عروضهم لإنتاج الطاقة الكهربائية، سواء من المصادر التقليدية أو من مصادر الطاقة المتجددة، وذلك على أساس الجدوى الاقتصادية وتنافسية الأسعار. وقد تم بالفعل إقامة بعض المحطات لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما تم أيضا اعتماد السياسات المحفزة للاستثمار في إنتاج وقود الهيدروجين. غير أنه في إطار السعي إلى تنويع مصادر الطاقة والاقتصاد، يجب الاستفادة من التجارب التي مرت بها المنطقة، وعدم تكرار إضاعة الفرص التي رافقت استكشاف واستخراج وتصدير النفط، وهي فرص لها تكاليف تصل مبالغها إلى ما يعادل مليارات الدولارات أو ما يعادل قيمة أطنان من الذهب. وأهم تلك التكاليف إضاعة الفرصة بعدم اكتساب المعرفة وتطوير الموارد البشرية في المنطقة، وهو ما أدى بدوره إلى عدم القدرة على امتلاك وتطوير التقانة اللازمة لاستكشاف واستخراج وتصدير النفط والغاز. إن الاتفاقات التي يتم التوصل إليها، سواء في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو في مجال إنتاج وقود الهيدروجين، والتي يبدو أن إنتاجه سيتم عن طريق استخدام الطاقة المتجددة لتحليل مياه البحر وفصل الهيدروجين وتسييله ثم شحنه ونقله إلى المستهلكين، يجب ألا يتكرر فيها الخطأ المزمن في اتفاقيات إنتاج النفط والغاز. وكما قلنا إن تقانة إنتاج الطاقة من مصادر متجددة ما زالت غير محتكرة من أحد، وإنما هي جهد يسعى فيه كثير من الدول والمستثمرين والعلماء. لذلك يجب ألا تكون الاتفاقيات المعقودة للاستثمار في الطاقة المتجددة على النمط نفسه الذي ساد في اتفاقيات النفط والغاز، وهو أنه «على المستثمر البحث والتطوير وله النتائج والحقوق، وعلى المستضيف للاستثمار الأرض والمال، ويمكنه فيما بعد شراء بعض التقانة التي أُنتجت أو تم تطويرها». بل على العكس يجب أن تكون الاتفاقيات على أساس جديد، وهو أنه «لدينا الأرض والشمس الساطعة والرياح المرسلة، وعلى المستثمر المال وتطوير الموارد البشرية الوطنية، أما التقانة والسلع المنتجة فهي مشتركة بين الطرفين، ويتم التفاوض على نسبة ملكية كل منهما بحسب ظروف كل اتفاقية أو عقد».
إن إنتاج الطاقة من مصادر متجددة يعني ديمومة أو استدامة الإنتاج وانخفاض تكاليفه. وإذا تحقق ذلك فإنه يعني انخفاض التكاليف في أكثر القطاعات الاقتصادية، بدءًا بالإسكان مرورا بالصناعة وليس انتهاءً بالزراعة. وإن انخفاض التكاليف في القطاعات الاقتصادية المختلفة يعني تحسين مستوى المعيشة للإنسان وتمكينه من العيش الكريم، وهو كذلك سبيل إلى التنويع الاقتصادي وتعزيز الاستدامة المالية، وفي ذلك فرصة كبيرة لحماية الاقتصاد من تقلبات الأسواق والتخفيف من حدة الأزمات (الجيوسياسية). هذا بالإضافة إلى أن الاستفادة من موارد الطاقة المتجددة تساعد على الحد من الاختلال في البيئة والمناخ.
د. عبدالملك بن عبدالله الهِنائي باحث في الاقتصاد السياسي وقضايا التنمية