التضخم.. حديث العالم أجمع
بعد أن هدأ صوت الحديث عن جائحة كورونا الذي كان الأعلى خلال عامين ونصف العام انقضت عاش فيها العالم أصعب لحظاته على الإطلاق منذ أكثر من قرن من الزمن، علا الآن صوت أحد أهم آثار الجائحة: التضخم! حيث ارتفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق متأثرة بما خلفته الجائحة من ضرر بالاقتصاد وبمؤسساته. وكان يمكن لهذا الارتفاع أن يكون في حدود طاقة الناس وإمكانات الدول على دعم تجاوزه السريع لولا أنْ صاحب بدء العالم مرحلة التعافي من الوباء نشوب واحد من أخطر الصراعات العسكرية منذ ثلاثة عقود على الأقل.. الحرب الروسية الأوكرانية.
لم يكد العالم يستفيق من الجائحة وأثرها الصحي المباشر لتبدأ مرحلة علاج الآثار الاقتصادية عبر فرض بعض التدابير اللازمة للتعافي وإصلاح الاضطرابات الناشئة في سلاسل الإمداد والتوريد والتي كانت الأثر الأضخم بعد الأثر الصحي، حتى اندلع الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، وهو صراع يتعدى أثره الدولتين ليتحول إلى صراع في قلب وجوهر النظام العالمي، وانعكس الأمر بشكل خطير على أسعار السلع في العالم أجمع بسبب ما تمثله كل من روسيا وأوكرانيا في إنتاج الحبوب والمواد الغذائية والأسمدة وبشكل أكبر الطاقة: النفط والغاز، حيث قفزت أسعار النفط بنسبة كبيرة جدا وفي فترة وجيزة الأمر الذي ضاعف التضخم في العالم، ومع توقف الإمدادات الطبيعية من الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية تفاقمت مشكلة الطاقة التي تنذر بمضاعفة التضخم خلال الخريف القادم.
وتقول أرقام نشرتها وزارة الاقتصاد نقلا عن البنك الدولي إن التضخم العالمي بلغ في منتصف العام الجاري 7.8% وهو الأعلى منذ عام 2008 حين بدأت أزمة الرهون العقارية، وبلغ التضخم في الاقتصادات المتقدمة 6.9% وهو الأعلى منذ 1983 وفق المصدر نفسه، وفي الاقتصادات الناشئة ارتفع إلى 9.4%. وهذه النسب كبيرة ومقلقة لجميع الاقتصادات في العالم حيث بدأت الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررا من غيرها من دول العالم فرض سياسات مالية ونقدية بهدف كبح جماح التضخم بينها رفع أسعار الفائدة في البنوك المركزية ورفع أسعار الطاقة ورفع أسعار الفائدة على السندات والمدخرات في البنوك لتشجيع الناس على الادخار وعدم الإنفاق وكأن الوضع طبيعي جدا. وهناك ثقافة عالمية معروفة في الدول التي اعتادت على حركة التضخم صعودا وهبوطا تتمثل في ذهاب الأسر نحو ترشيد الإنفاق إلى الحد الأدنى عند صعود التضخم وهذا ما يقوم به المواطنون في الدول الأوروبية الآن، التي يعتقد البعض أنها تعيش في بحبوحة من العيش، حيث يتخذ الناس في هذا الوقت أقسى القرارات الاستهلاكية الفردية منذ الحرب العالمية الثانية وفق ما تشير له التقارير الصحفية والرسمية.