يوميات سورية 53
ـ 1 ـ
الجنرال الفرنسي غورو الذي احتل دمشق في 1920 التقى بالزعيم السوري (المسيحي) فارس الخوري، وقال له بلهجة الود والاستمالة: "نحن جئنا إلى سوريا لحماية المسيحيين".
نهض فارس بك وركز طربوشه على رأسه، ومضى مسرعًا إلى الجامع الأموي، استأذن بالصعود إلى المنبر، وهناك، بصوت حازم ممتلئ عميق قال إذا كان الجنرال الفرنسي قد جاء إلى سوريا لحماية المسيحيين فإنني أشهد أن لا إله إلا الله.
هب المصلون وحملوه على أكتافهم وخرجوا به إلى شوارع دمشق، والصوت الواحد هو الله أكبر.
هذا الرجل يعتبره السوريون جدّ الاستقلال، وكان، في مرحلة ما وزيرًا للأوقاف، ووزيرًا للثقافة، ورئيس وزراء، ورئيس برلمان، ورئيس مجلس الأمن في دورته 1947.
............
في 17 أبريل 1946 طرد السوريون آخر جندي فرنسي ورفعوا علم الجمهورية السورية، وصدحوا بنشيدهم الوطني الأول.
ـ 2 ـ
"إيفان الكبير" اسم القنبلة الروسية الهيدروجينية، وزن عبوتها ما يعادل 10 ملايين طن t.n.t ووهجها أقوى من وهج ألف شمس، ترتفع سحابة الانفجار (عمود الانفجار) 40 كيلومترًا، وينتشر تأثيرها على مساحة 160 كم. والسؤال القديم: لماذا يصنعون هذه القنابل إذا كانوا يريدون الحياة على هذا الكوكب؟ والسؤال الساذج الآخر لماذا لدى أعضاء النادي النووي قنابل تدمر هذا الكوكب 6 مرات على الأقل لماذا ست مرات، أو أي شيء بعد أن تنتهي الحياة من المرة الأولى؟
وأنا أتفرج على الدمار في أوكرانيا، كما وأنا أتجول في دمارنا السوري يزداد ازدرائي للحرب التي قصتها تافهة:
بعد أن اخترع "صموئيل كولت" السلاح الناري الأول، المسدس 1839 قال مقولته الشهيرة: "اعتبارًا من اليوم يستوي الشجاع والجبان".
ـ 3 ـ
يوم 9 أبريل 2003 سقطت بغداد، العالم كان يتفرج مذهولا من قلة حضور الآلات الحربية على الشاشات، كأن هناك رحلة لصيد البط، وكثرة المعنى الرهيب لسقوط العاصمة الثانية بعد بيروت 1982، المعنى الذي تلخصه هذه الجملة: ليس هناك عاصمة عربية معصومة عن الركام.
عندما بدأت المذيعة السورية في إحدى القنوات التلفزيونية تهيء نفسها لعنوان الخبر الرئيسي عن سقوط بغداد، ارتبكت المذيعة وتشنج وجهها، والأوراق ارتجفت، ثم سترت وجهها بيديها وبكت.
وتحت الهواء كنا جميعًا، نبكي.
ـ 4 ـ
كان حشد المصلين يوم أحد في مدينة سورية على الساحل قد اكتمل لإقامة قداس تقليدي في الكنيسة، وبدأت الطقوس والترانيم، وترديد الأدعية وراء الكاهن، كان المكان، كالعادة، عابقًا بالدخان، وخاشعًا بالترانيم باللغة السريانية.
وفجأة انفجر صوت طلقة في الغرفة الجانبية..
وهناك كان المشهد المؤلم: أحد الكهنة أطلق على نفسه الرصاص، وهو بكامل لباسه الكهنوتي.
كان الخبر مادة لعشرات التفسيرات، من بينها "الحزن هو الذي يقتل كاهنًا".
ـ 5 ـ
أ ـ في قصاصة ورق كتب الفنان فإن كوخ رسالة انتحاره بالرصاص "إن الحزن يدوم إلى الأبد".
ب ـ الحقيقة والحب.. دائمًا كانا ينتصران في النهاية.