جمعة الغافري: كنا نبلل ملابسنا بالماء للتخفيف من حرارة الجو والناس يزورون بعضهم البعض بعد صلاة المغرب مباشرة
بدأ الصوم وعمره ثمانية أعوام وعاصر ثلاثة حكام من سلاطين عمان، الوالد جمعة بن ساعد الغافري أحد أبناء ولاية عبري نستظهر معه ذكرياته عن شهر رمضان وكيف كانوا يتحرّون رؤية هلال شهر رمضان في السابق والمكان الذي يتجمّعون فيه لرؤية الهلال وكيفية قضاء أيام وليالي رمضان المبارك في السابق، والأعمال التي يقومون بها خلال الشهر الفضيل، والمواقف الصعبة التي مرّت بهم وهم صائمون، إضافة إلى العديد من الأسئلة التي تدور حول المظاهر الاجتماعية التي كانت موجودة في السابق وأصبحت قليلة في العصر الحالي.
إطلاق المدفع
يحكي لنا جمعة الغافري عن بداية صومه فيقول: بدأت أصوم شهر رمضان المبارك منذ عمري ثمانية أعوام أي منذ عام 1965م، وقد عاصرت ثلاثة حكام في سلطنة عمان وهم السلطان سعيد بن تيمور -رحمه الله- والسلطان قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه- وحاليا نعيش في عهد السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وأتذكر أول صوم صمته كان ما بين الصيف والشتاء وقد أمرني بالصيام خالي المغفور له حمد بن سعيد المنظري وأمي.
ويضيف قائلا: لقد كنا في السابق نتحرّى رؤية هلال شهر رمضان المبارك من أعلى أسطح المنازل وفي الأماكن المفتوحة خارج مدينة عبري، وإذا ما رأينا الهلال ننتظر حتى تأتي الأخبار وبعد التأكد من الرؤية يتم إطلاق المدفع إعلاما بدخول شهر رمضان المبارك، وكان هذا المدفع موجودا عند جامع حصن عبري بالقرب من السوق القديم، وبعد ذلك تم نقله إلى مكان مرتفع خارج السوق يُسمّى قلة البوش.
عدم رؤية الهلال
ويستتبع قائلا: في أحد الأعوام لم نر هلال دخول شهر رمضان الفضيل ولم يصلنا خبر رؤيته في الليل وإنما جاء الخبر في تمام الساعة الثامنة صباحا بعد شرب الشاي والقهوة وتناول وجبة الفطور وبعد ذلك قمنا بالصيام في ذلك الوقت.
وعن الأعمال التي كانوا يقومون بها في نهار رمضان يقول: كنا في السابق نقوم ببعض الأعمال البسيطة خلال نهار شهر رمضان ومنها العمل في مجال التجارة البسيطة بسوق عبري القديم، والبعض كانوا يعملون في مجال الزراعة وحراثة الأرض، والبعض الآخر كانوا يتلون القرآن الكريم في منازلهم أو في المساجد. وبيّن الغافري أن الناس في السابق كانوا يأكلون من المحاصيل التي يزرعونها، وكانوا يزرعون البر وهو القمح، ويتم طحنه عن طريق الرحى وتستغرق عملية الطحن وقتا طويلا، وكان الناس يتناولون التمور والموز و«الأمبا» (المانجو) الذي كان يُزرع بولاية عبري في السابق، وقد كانت وجبة الإفطار عبارة عن تمر وهريس وشوربة ولبن و«دنجو» (الحمص) وبعض البقوليات التي كانت متوفرة عند البعض في ذلك الوقت، وكانوا يتسحرون بمأكولات خفيفة كالخبز والهريس واللبن والتمر، والبعض منهم كان يتوفر عنده «العيش» (الأرز) بكمية قليلة ويتناولونه عند السحور، بينما البعض الآخر كانوا يأكلون اللحم والدجاج عند السحور فقد كانت اللحوم متوفرة لأن الكثير من الأهالي كانوا يقومون بتربيتها في مزارعهم ومنازلهم وكانت أسعارها رخيصة في ذاك الوقت، وكذلك كانوا يأكلون «العوال» المجفف.
زيارة الأهل والجيران
وأوضح الغافري أن الكهرباء لم تكن متوفرة في السابق، ولهذا كان الناس يزورن بعضهم البعض من الجيران والأهل بعد صلاة المغرب مباشرة، وكانوا يحرصون كل الحرص على زيارة أهلهم وأرحامهم، كما أنهم كانوا ينامون مبكرا، وعندما يأتي الشهر الفضيل في وقت الصيف تكون درجة الحرارة مرتفعة جدا ولا توجد وسائل للتبريد، وكذلك لا تتوفر المياه الباردة للشرب، وكانت الطريقة الوحيدة التي نخفف فيها عن أنفسنا وطأة الحر من خلال رش ملابسنا بالماء للتخفيف من حرارة الجو، كما كان الأهالي يستخدمون المروحة اليدوية التقليدية التي تُسمّى بـ«المشب» وهي مصنوعة من سعف النخيل، وتستخدم لتحريك الهواء.
وكانت مصادر المياه هي الأفلاج والآبار، وكانوا يضعون ذلك الماء في أوان فخارية وهي «الجحال» لأجل التبريد.
ومن الذكريات التي يسردها الغافري في مسألة معرفة الأوقات في الليل والنهار، فقال كانت الساعات قليلة جدا، وكان الناس يعرفون أوقات الإفطار والسحور في السابق خلال شهر رمضان المبارك عن طريق سماع الأذان بالمساجد القريبة من البيوت وغالبا ما يكون رفع الأذان من فوق سطح المسجد أو الصرح لكي يسمعه الأهالي القريبون من المسجد وذلك نظرا لعدم توفر مكبرات الصوت في ذاك الزمان.
الإفطار الجماعي
وعن المظاهر الاجتماعية التي كانت موجودة في رمضان في السابق وأصبحت قليلة حاليا يقول: كان الجيران يجتمعون في البيوت بعد صلاة المغرب كل يوم في بيتين أو ثلاثة بيوت، ومن خلال تجمع الجيران يتناولون التمر مع القهوة ويتناولون كذلك وجبة الثريد مع اللحم والدجاج.
ويضيف قائلا: كان خالي حمد بن سعيد المنظري الوكيل عن المساجد بعبري يقوم بإعداد وجبة إفطار في بعض المساجد، وكانوا يتشاركون الطعام من خلال الإفطار الجماعي الذي يوجد في المسجد فكل شخص يُحضر ما يتوفر لديه من طعام إلى المسجد على الرغم من قلة الغذاء.
ملابس العيد
كما أن للغافري ذكريات عالقة في ذاكرته عن أيام العيد التي تعقب الشهر الفضيل، فقد كانت الملابس شحيحة مقارنة بما نحن عليه اليوم من نعم المأكل والملبس، فقد كان الكثير من الأهالي يجدون صعوبة في الحصول على ملابس جديدة للعيد، وكان البعض يشتري الملابس الجاهزة التي تأتي من بعض دول الخليج العربية من قبل الأشخاص الذين كانوا يعملون في تلك الدول، وأما البعض فكان يشتري قطعا من القماش الخفيف وتقوم النساء بخياطتها باستخدام الخيط والإبرة، فمكائن الخياطة لم تكن متوفرة.
وعن احتفال الناس بمظاهر العيد في السابق فقال: كانوا يتناولون التمر والقهوة في الصباح الباكر قبل أن ينطلقوا إلى المصلى لأداء صلاة العيد بوادي عبري، وبعد الصلاة يهنئون بعضهم البعض بهذه المناسبة السعيدة وبعدها يقومون بزيارة أرحامهم وأهلهم وجيرانهم وذلك لتهنئتهم بالعيد وكان الناس أكثر ترابطا وتآلفا وزيارة لبعضهم البعض وكانت حياتهم تمتاز بالبساطة.