الفن يروي سيرته بفن

27 مارس 2022
رحلة القراءة
27 مارس 2022

حين تروى سيرة الفن فإنه لا يليق بها إلا أن تروى بفن باذخ، وبسيرة متخيلة احترافية تتبع خطى سيره، وبداياته الأولى، منذ نقوشات العصر الحجري، والتي ابتدأت على نحو يحكي عن الواقع معرفيا أكثر من كونه إبرازا للجمال والمشاعر، إلى تنوع في الأساليب التي تبرعمت معها أشكال وطرازات وأساليب أخرى للفن، والتي كانت ولا زالت أشكالا أخرى من أساليب الفن الأساسية.

فمع بدايات الظهور البشري، وبداية تعرف الإنسان لاحتياجاته الأساسية، المتدرجة ما بين الحاجات الأساسية المعنية بتوفير القدر الكافي من الحاجات البيولوجية، والحاجة إلى الأمن والتي تضمن للإنسان قدرته على مواصلة العيش، وأن يكون كائنا حيا ينمو ويعيش ويتأثر بالبيئة من حوله.

وما أن يتم إشباعها حتى تنقلك بالفطرة إلى الحاجات الأخرى، ويرتقي إلى الحاجات التي تميزه ككائن يختلف عن بقية الكائنات، وتنتقل عبرها من الطور المادي إلى متطلبات الجانب الروحي، وصولا بك إلى أعلى قمة هرم الحاجات، إلى تلك الحاجات النفسية والروحية.

ليبدأ معها ومنذ رحلاته البدائية الأولى إلى التعمق في داخله، والتعرف على مشاعره الدفينة، ليتكشف له ما يخلفه كل شعور وإحساس، فتلك المشاعر الإيجابية تعطيك جناحين تنطلق بهما، أما تلك السلبية منها فتصنع كهفا في داخلك يسجنك في ظلام ستعرفه جيدا، ومع تكرار تلك المشاعر بدأ الإنسان بمعرفة الأشياء والأحداث المصاحبة وتلك المسببة لها.

ولا مجال للظن فإنه يسعى لتكرار تلك المشاعر الجيدة محاولا الحفاظ عليها لأطول فترة ممكنة، والتخلص والتحرر من تلك المشاعر المكبوتة الخانقة في داخله، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى وصف تلك الأحاسيس بفن مع كل التطورات والأجيال المتوالية، فليتمظهر الفن بمصطلحه ومعانيه التي رافقت رحلة تطوره، كونه التعبير عن المعرفة بجمال ومحاولة الربط بين عناصر الطبيعة بطريقة مدهشة، وإسباغها الجمال واستغلال الطبيعة للتعبير عن المشاعر، وتطويق المعاني برمزية تحتمل التأويل، وعرض الواقع بطريقة تدغدغ الخيال والمشاعر والروح.

فمن خلال الفن تستفيق الحواس الخمس على صوت الدهشة، فتميز أن ذلك العمل الفني ليس كباقي الأشياء التي تعبره خلال أيامه العادية، فهي تحقق له قدرا من الإشباع الروحي، حتى قيل بأن الفن لا يعدو كونه أفكارا متأنقة، أو متخفية برمزية جمالية بليغة، وذات نغم يوازن فيها الفنان العلاقات بين الأشياء وإعادة ترتيب تكوين العناصر، ليكون هناك متسعا للترويح عن مكنوناته.

فيتعلم ومنذ بدايات الفن الأولى، تجسيد تلك الأشياء الواقعية بفن وفردانية وجمال واحترافية، يندمج فيها العلم بالخيال بألوان الطبيعة، فتحفزه على العمل بإيقاع، وعلى أن تسير أيامه بموسيقى ووقع نظيم.

ليتوسع بعدها الفن، فيتعدد ويتسع بتنوع الأذواق من حوله، ما بين أروقة الفنون السبعة، من عمارة وموسيقى ونحت وأدب والعروض السينمائية، ليتمظهر في تكوينات فنية أخرى وأنواع شتى.