روح الكون "بين دفتي ميزان العقل"

13 مارس 2022
13 مارس 2022

يتسق الكون من حولك ويتناغم في نظام بديع، فتستشعر ذلك وينعكس على داخلك العميق، لتعرف وبإدراك اليقين "أن كل شيء بقدر"، لا خلل ولا اعتلال، وأن ثمة ميلانا طفيفا في أحد تلك الموازين، فإن الكون سرعان ما سيعيد تنظيم ذاته، وفق المنظومة المحكومة بالقوانين الكونية.

تدرك ذلك وتراه وتستشعره، بما ينعكس وتقرأه حواسك الخمس، فيترجمه الدماغ، الذي بدوره الأعجوبة الأكبر المحيرة، الذي يمثل التوازن الحيوي البيولوجي على الوجه الأمثل، فيتسق في تفاصيل عصبية حسية انعكاسية، لا تختل إلا وستعيق أنظمة الجسم الكبرى.

ذلك الدماغ وما يحويه من مخ بنسبة 85%، وهو المسؤول عن الوعي والإدراك ومعالجة المعلومات، وبما يحتويه من فصوص ومخيخ وعصبونات وتوصيلات حسية، تتوزع فيها المهام، ما بين الحركية والتفكير والوعي والتآزر بين الحواس، ومعالجة ما يستقبله الدماغ من أفكار وذكريات ومشاهدات، ليتزن الجسم بالكامل في انتظام بديع.

يعبر المخ شق بيني طولي يفصل بين نصف كرة المخ الأيمن والنصف الأيسر، ليقع العلماء في حيرة كبرى، بين وظائف فصي الدماغ المختلفة، بعد إخضاعه للتخطيط حتى وصلت أبحاثهم إلى تحديد بعض من الوظائف والجوانب التي يتميز بها كل جانب من جوانب الدماغ.

فص الدماغ الأيمن معني بتلك التفاصيل الفنية المتعلقة بالجماليات، وإدراك الإيقاع والتناغم بين المدركات والمعلومات، ينشط فيه الخيال والحلم، متأثرا ومشدوها بإدراك جماليات الأشياء والألوان والتصويرات والتراكيب الفنية.

أما الفص المجاور وعلى جهة اليسار، فهناك تقبع المعالجة المعلوماتية والمنطق الرياضي، وأنماط الأرقام والأشياء والأحداث، فيتتبع تسلسل الأرقام والمهارات الأكاديمية، فيعالجها بما تحتاجه من إدراك وتحليل وتركيب.

لنعرف من خلال المنظومة من حولنا بضرورة التوازن ما بين أعمال فصي الدماغ، ليكون عقلك متناغما يحقق أقصى طاقاته الكامنة، والأولى بذلك التوازن هو تفعيل جانبي الدماغ، بما يتناسب معه من مهارات ليتزن يومك ما بين المدركات العلمية المنطقية، والإحساس بالتفاصيل الفنية وإيقاعات الأشياء وأشكالها.

لتتوسع بعدها بوعي أكبر لتضع تلك الأعمال، وتنظر لها بعدسة الرائي الخبير لتعرف أن تلك الأعمال، يحتوي في مجملها على ما يتطابق مع أعمال فصي الدماغ الأيمن والأيسر، ويمكن معالجته في كلتا الجانبين لأنه باختصار يحمل الجانب الفني والجانب العلمي المنطقي.

لذلك قال المختصون في وظائف الدماغ والعلوم المرتبطة بها: إن هناك ما يسمى "بعلم الفنون وفنون العلم"، والكون بتناغمه البديع بحاجة ماسة إلى أن يتنقل الإنسان في توازن وتكامل بين مهارات الفصين، لذا فإن روح الكون وجوهره بين دفتي العقل.

وبواقعية أكثر وشمولية أوسع، فإن الكون من حولنا بحاجة إلى مزيد من التقبل والتكاملية بين جميع تلك الأعمال، فكما حضي العقل بتوصيات دقيقة من الأطباء والخبرات بطرائق الحفاظ عليه، فإن الكون كذلك بحاجة ماسة إلى كل تلك المجالات المختلفة المتنوعة.

روح الكون المتناغمة بين دفتي ميزان العقل، لا تعني إطلاقا بأن نكون محصورين ما بين منطقة المنتصف، بل على العكس تماما فإن كلا في مكانه، مترامي الأطراف ومتزايد في الاتساع، لكن التكامل والعلاقات فيما بينها هو ما يحفظ للكون توازنه.

وذلك يقودنا إلى معنى إنساني غاية في العمق، هو تبادل مواطن القوة بين الأفراد لتحقيق أقصى حالات التكامل، والذي ما أن يتشبع منه الكون حتى يؤدي إلى الاتساق التام.