البقاء .. للفكرة الأقوى

20 فبراير 2022
20 فبراير 2022

يقضي الإنسان جلّ وقته في التفكير حتى في تلك الأوقات الأكثر ازدحاما وصخبا بالأعمال والمشاغل، فيظل العقل يولد الأفكار فكرة تلو الفكرة، حتى قيل أنها تصل إلى نحو 4000 فكرة يوميا، وما يعادل 75% من وقته في التفكير، وإذا ما خلد للنوم وسكن جسده ظاهريا، إلا أن عقله يبدأ بتوليد الأفكار على نحو مختلف، وبما يسمى بالأحلام والرؤى، حتى قيل إن تلك الأفكار هي التي تحافظ على صحة الدماغ ونشاطه، فإن هي توقفت أصيب العقل بالجمود.

وجميعنا بشكل أو بآخر نستطيع تمييز تلك الأفكار الجيدة الإلهامية، من بين الأفكار الاعتيادية التلقائية، إلا أن القلة القليلة من البشر تستطيع الإمساك وتدوين تلك الأفكار، ومعاملتها كنجمة لامعة ثمينة يمكن استغلالها وتحويلها إلى واقع قد يرفع من مستوى الشخص الفكري والمادي والمعنوي، فتظل تلك الأفكار لدى البعض سابحة حرة طليقة قلّ من عرف أهميتها ويحوّلها إلى منجزات إبداعية قابلة للتحقق.

لا يهم المجال الذي تسبح فيه تلك الأفكار، ولا يقتصر كونها أفكارا فنية أو هي تطرق مجالات أخرى من مجالات الفرد، كل ما يهم كونها فكرة إبداعية تطلبت من الفرد قدرا عاليا من التفكير وفق مستوياته العليا، متدرجا بذلك ما بين التفكير الحر والناقد وصولا إلى التفكير الإبداعي الخلاّق، أو أنها كانت نتيجة لتفكير مطول مما أدى إلى اختمار الفكرة في الرأس، لتسطع الفكرة على نحو إبداعي كفيل بإضافة خطوة أو قفزة، تدفع بعجلة التطور إلى الأمام.

ولا يزال مفهوم الإبداع يتوسع ليشمل مجالات عديدة، ويندرج ضمنه الكثير من الأشياء المعنية بالابتكار والعبقرية والموهبة الفذة، حتى صعب على المهتمين التربويين الإحاطة به في تعريف واحد، يستدل ويستنير به أولئك المهتمون بمجال الموهبة والإبداع، فيقول خبراء التربية والمهتمون بشؤون العبقرية ومهارات التفكير العليا.

إن تعريف الإبداع قد جاوز 150 تعريفا، وكل من تلك التعريفات قد أمسك بطرف من أبعاد مفهوم الإبداع المتزايدة في الاتساع يوما بعد يوم، ورغم ذلك التزايد في مفهوم الإبداع، فإن الجميع لا يختلفون في كونه عملا أصيلا بحاجة إلى مستويات عليا من التفكير، وكان وليدا لمحاولات شتّى لحل المشكلات أو تحقيق الذات، ويكون محددا بتلك المجالات النافعة من بعد الاستعانة بكل المعارف والمعلومات المتراكمة، وذلك للوصول بالفكرة الإبداعية إلى مستوى يفوق المستوى الذي تم تحقيقه، وذلك عبر تحويل واقتناص تلك الأفكار الإلهامية الفذة بعد تفكير عميق واستبصار قادر على تمييزها من بين مئات الأفكار التي يطرحها العقل.

لتحقيق قائمة طويلة جدا من أهمية ما يحققه الإبداع على المستوى الشخصي أولا، إلى تلك الأصعدة المؤسسية والمجتمعية والعالمية، بدءا من كونه محفزا للعقل منشطا لمهاراته، مستغلا لكل الإمكانات للرقي بالفرد على كافة جوانب حياته ليصبح بعدها ضرورة من ضرورات الحياة التنموية، وخاصة حينما تقع المشكلات فيصبح لزاما على الفرد أن يتخطاها ويتجاوزها، هذا إن أراد العيش على نحو سليم.

وليحقق كذلك على المستوى المجتمعي والمؤسسي كثيرا من الأهداف التي من ضمنها زيادة فرص العمل وتزايد الإنتاجية مع خفض التكاليف، و تحسين أداء الأفراد وإيقاظ روح التعاون فيما بينهم، لتحقيق مكاسب مادية ومعنوية ترقى بمستوى المؤسسة، لتكون بذلك قادرة على مواكبة كل تغيير وتجديد وتطور، وسط عالم أصبح فيه البقاء للأقوى.

ليصبح ذلك الشخص بعدها يتسم بسمات الشخصية الإبداعية من تميز وثقة وفضول، وتساؤلات لا تنتهي، تجعله يفكر بطريقة مستقلة جدا، وتصل به إلى المستويات القيادية، كونه قادرا على التفكير على نحو مختلف، موجدا أو منقبا عن تلك الحلول التي تختبئ خلف كم الأفكار الهائل، بعد قوة ملاحظة منه وقدرة على تقويم تلك الأفكار، عبر تخيل وجرأة يمكنانه من إيجاد العلاقات بين الأشياء، ليكون البقاء لتلك الأفكار الإبداعية الأقوى.