السؤال: ما رأيك؟
"ما رأيك.. ما قولك.. ما موقفك من ؟؟؟"، تأتي بعض أسئلة الامتحانات على هذا النحو، فيظن الطالب بوجود من هو معنيٌ حقا برأيه الشخصي، ولكنه يُصدم لاحقا بأنّ المسألة مُقيدة بإجابة نموذجية وعليه ألا يُضل الطريق إليها!
الإشكال شديد الإرباك، لأنّ هذا السؤال الذي يتبدى لنا شاسعُ الأفق لا يعدو أن يكون فخا، فيُؤاخذ الطالب لمجرد أنّه كشف عن رأيه، بينما يُنتظرُ منه إجابة مُحددة ومؤطرة سلفا في ضوء المنهج وليس العكس.
ليس لدى الأساتذة في ـ غالب الأمر ـ نية للأصغاء لرأي مختلف مهما تبدى سطوعه ومفارقته للمعتاد! إلا من رحم ربي من أساتذة قلّة يحرضون أجواء حيوية من النقاش ولديهم قدرة على استيعاب جيل قادم من ثورة المعلومات وتعددها لا من قمقم العزلة واليباب!
قد نتفق مع حساسية المعلم واستهجانه من بعض الإجابات التي يطفو فيها الخيال على المنسوب المتوقع، فتغامرُ في تصورات مختلقة، قد تكون عبقرية أو ساذجة.. ولكننا لو نظرنا إلى جملة فولتير الذي يقول: "أكره ما تقول، لكنني سأدافع حتى الموت عن حقك في قوله"، لأدركنا أنّ ثمّة ما يفوتنا حقا.
الأمر لا يتوقف على سؤال الامتحان، بل يتجاوزه للعلاقة اليومية بين المعلم والطلاب، ذلك الذي يصنع صلابتهم الأولى، ليس عبر (حشو) المنهج في الرؤوس، وليس عبر استعداء الطالب المُستقل بالرأي، وإنّما عبر السماح للأفكار بأن تتدافع.
لماذا نسأل (ما رأيك؟) إن لم يكن هدفنا الأساسي تعليم هذا الكائن الغض أهمية أن ينظر للحياة من منظوره الخاص لا من مناظير الآخرين. ولماذا نضعُ هذا الطُعم (ما رأيك؟) ، إن كنا سنساومهم لاحقا على الدرجات!
أفترض أنّ هذه النوعية من الأسئلة من المفترض بها أن تُهيء الطالب لأن يُعمل عقله خارج المتوقع والمألوف، لأنّ الطالب ليس مُضطرا لأن يتلبس لبوس الآخرين ولا أفكارهم وإنّما ينبغي أن يتموضع في حيز آمن ليُبدي رأيه، أن يكون محميا من خسارة درجاته ليبدو أكثر صدقا.
هذا السؤال والذي هو (ما رأيك؟) لا يُشكل واحدا في المائة من جملة الأسئلة الأخرى.. فلماذا لا نُصغي عبره لصوت أفكارهم!
من جهة أخرى أتساءل: حول الطالب الذي لم يُعَوّد أصلا على البحث وعلى فتح منافذ التفكير، وكان يُكتفى غالبا ببحثٍ جاهزٍ من مكتبة تجارية، كيف لصوته أن يتربى وكيف لأجنحته أن تخفق!
قد يبدو الأمر عاديا وبريئا ولكنه يُنذر بكارثة حقيقية، لأنّك تُراهن على انتاج جيل مُشوه ومسلوب الرأي والخيال أيضا.
ومن ثمّ نقول بحسرة إنّنا إزاء جيل لا يعرف كيف يُعبر عن نفسه، وعندما يصير يوما ما في مكان حيوي ليمثل المجتمع مثلا، نجده مُنطويا وصوته مخنوق، فلماذا نعتب ونحن نصادر صوته في البيت والمدرسة والجامعة !
لماذا نساهم في جعل الأصوات الحقيقية مُضمرة وخفية، بينما نجعل الأصوات الغالبة والظاهرة مُستعارة ومستنسخة وذائبة في السياق الجمعي!
علينا بطريقة ما أن نرفض ذلك الميل لجعل أولادنا في قوالب صلبة لا تُراعي تمايزاتهم الفردية، فهذا قد يخلق التسلط على العقل لاحقا، فيجعله جامدا وميتا، وكما يقول جون ستيوارت ميل في كتابه (عن الحرية): "العقل البشري قادرٌ على تصحيح اختلالاته وأخطائه من خلال المناقشة والتجربة، فكل شيء مُعرض للنقد والمعارضة.. فإذا كان الرأي صحيحًا فقد يحرم هؤلاء الناس من فرصة استبدال الرأي الخاطئ بالرأي الصائب، وإن كان خاطئًا، فإن عدم المحاورة ستفقدهم فائدة عظيمة، وتحرمهم فرصة مشاهدتهم.. اصطدام الحقيقة بالخطأ".
ولكن هل يعقل بنا أن نحلم بحرية تعبير أولادنا إن كانت حتى هذه اللحظة أكبر معضلاتهم تتمثل في الحصول على كتبهم المدرسية مطبوعة! وأكثر معضلة تواجه معلمهم هو نصابه المرتفع من الحصص؟ هل يمكننا أن نحلم بحوارٍ حر وعدد الطلاب في الفصل الواحد قد يصل إلى أربعين طالبا !
وعلينا أيضا أن نُفكر فيما قاله أحد أعضاء مجلس الشورى لإذاعة الوصال، حول الإنفاق الحكومي المُتصاعد على التعليم والذي قفز من 700 مليون ريال في عام 2010 إلى مليار و200 مليون ريال عماني في عام 2021، دون أن نشهد نقلة نوعية في التعليم وخدماته!