هوامش.. ومتون: بحثا عن بيت أجاثا كريستي
قبل أن يغادر الشاعر سعدي يوسف عالمنا وزّع كتبه على أصدقائه ومن بينهم د.ضياء خضير، وحسان الحديثي، وكان لي نصيب من التركة اليوسفية بعد أن وجد الحديثي بعض النسخ مكرّرة، وحين نقلتُ المعلومة لصديق قال: لماذا لم يفكر أحد بجمع مقتنياته، وحاجياته، وكتبه، لتكون نواة متحف يقام في قابل الأيام؟
قلت له: وهل يوجد متحف لمقتنيات السياب الذي يعتبره سعدي أستاذا له؟ بل هل يوجد متحف للجواهري والبياتي؟
وفي دوامة تساؤلاتي شاهدت صورا بصفحة الإعلامي عبدالجبار العتابي في الفيس بوك لأنقاض، وحين قرأت المنشور وجدت أنه ينعى بيت الكاتب الراحل غائب طعمة فرمان في منطقة المربعة ببغداد، وقد وجده قد أزيل من أساسه، فالذي اشتراه لم يخطر بباله شيء غير أن يستفيد من الأرض، بعد هدم البيت المتهالك الجدران، ليحوّلها إلى مخازن، وكل ذلك يأتي على حساب التاريخ الشخصي لصاحب «النخلة والجيران» و«آلام السيد معروف» و«خمسة أصوات»!
وفي سيرته الذاتية «شارع الأميرات» الجزء الثاني من «البئر الأولى» تحدّث الناقد الراحل جبرا إبراهيم جبرا عن لقاءاته بكاتبة الروايات البوليسية أجاثا كريستي عندما كانت تقيم في العراق مرافقة لزوجها عالم الآثار البريطاني ماكس مالوان الذي كان يشارك في أواخر الأربعينيات في البعثات الاستكشافية، ومنها في النمرود، ويذكر واقعة تعود لشهر إبريل 1949 جرى تقديم عرض مسرحي في قاعة الملك فيصل الثاني، وسأله أحد أصدقائه: هل وجدتم حلا للجريمة؟ فأجابه جبرا: أي جريمة؟ فقال: جريمة من اختراع السيدة التي رأيتك تتحدّث إليها، ألم تكن تتحدث إلى أجاثا كريستي؟ يقول جبرا: لا أصدق ما سمعت، أهذه حقا أجاثا كريستي التي قرأت لها الكثير من الروايات البوليسية منذ سني حداثتي؟ أزورها وأناقشها، ولا يخطر ببالي أنها أمسكت يوما قلما بيدها؟ «ويؤكد أنها كانت تعيش مع أفراد البعثة، في «النمرود» بغرفة من الطوب اللبن، كانت تحتوي على مكتبتها، وفي منتصف الثمانينيات توجه جبرا للموقع الأثري في النمرود، ووجد تلك الغرفة ذات الباب الخشبي البدائي مغلقة وهي ذات الغرفة التي كتبت بها كريستي مسرحيتها الشهيرة «المصيدة» سنة 1951، كما يرجح، ولكن ما مصير تلك الغرفة؟
سؤال ليس من السهل العثور على إجابة مناسبة له.
يقول عالم المسماريات د.نائل حنّون أنه زار تلك غرفة كريستي، عندما كان طالبا في قسم الآثار بالجامعة، وعلم من أستاذه د. فيصل الوائلي أن مساحة تلك الغرفة الطينية الصغيرة هي «متران ونصف المتر في ثلاثة أمتار تقريباً» وتحتوي على منضدة خشبية صغيرة وآلة طابعة يدوية تستعملها في كتابة رواياتها، وأمامها فتحة في الجدار تطل منها على مشهد العمال في أثناء التنقيب»
ويؤكد حنّون «بقيت تلك الغرفة قائمة حتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين حينما عملت في النمرود واعتنيت بها، ولا أعرف ما جرى لها بعد ذلك»
وهذا أمر طبيعي مع وضع ثقافي يشكو من ضعف الذاكرة، ولنتخيّل لو كانت هذه الغرفة في مكان أجنبي، ألا نجدها قد تحولت إلى مرفق سياحي؟
وكم كانت سعادتي كبيرة خلال زيارتي للمركز الثقافي بالعاصمة بغداد عندما شاهدت غرفا حملت اسم مكتبة ومتحف أحمد سوسة ضمّت كتب ومقتنياته الشخصية، وأخرى حملت اسم د.علاء بشير، وميخائيل عواد، وعبدالحميد الرشودي، وحين تجوّلت في هذه الغرف عدت إلى سنوات بعيدة خلت، وانتعشت ذاكرتي، وقلت: ما الذي حال دون الاحتفاظ بكتب ومقتنيات البياتي وسعدي في واحدة من هذه الغرف؟ هل نحتاج إلى منقب آثار مثل ماكس مالوان للبحث عن بيت أجاثا كريستي؟