نوافذ ... رأس المال جبان!

15 أغسطس 2021
15 أغسطس 2021

كل شيء في محافظة ظفار لافت للحواس، ابتداء من الطبيعة الخلابة والحكايات الشعبية التي يمكن أن تكون مادةً دسمةً للترويج للمنطقة، وليس انتهاء بالتفاصيل الصغيرة كعلاقة الإنسان الظفاري بجِماله، ومزاج الرعي في الجبل، أو الصيد بالقرب من الشواطئ.

في رحلة الكتابة الاستثنائية، التي شاركتني فيها صديقتي العزيزة منى حبراس، كنتُ أتأمل رؤوس الجبال، تكسوها الخضرة والضباب، ونسمة الهواء الباردة، وأفكر: يا الله لو وجدت هنا أكواخ صغيرة يُدعى إليها الفنانون والكُتاب من مختلف دول العالم! في سياحة المعنى والتأمل، الكتابة والفن، ما الأثر الذي يمكن أن نحدثه!

الأشياء هنا تتغير ببطء، بالكاد يُحس من عام لآخر، وعلى كثرة المقالات التي كُتبت على مر السنين، فقد كنا نحصل على جوابين غالبًا، الأول ردًا على سؤال أنّ الخريف لا يتعدى الثلاثة أشهر، وبالتالي فالمستثمر يخسر بقية الأشهر، وهذا أمر غير واقعي تمامًا، فلو نظرنا لنسبة السياحة الأوروبية المرتفعة في فصل الشتاء سنغير رأينا، كما أن اعتدال درجة الحرارة صيفًا وشتاءً من جهة، والتنوع البيئي الفاتن بين الجبل والسهل والبحر، تجعل المحافظة قابلةً لأن تصبح قِبلة العالم على مدار العام، دون خوف من مقولة "رأس المال جبان"!

الرد الآخر يتعلق دومًا بعذر جاهز: عدم تقبل أبناء المنطقة للتطوير والسياحة. قد يبدو هذا معقولًا في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن الذهنية تغيرت اليوم بأشواط، يبقى أنّه لا يمكن التعويل على مشاريع فردية مشرذمة، ومتهالكة، وميتة، وأسعار وخدمات غير مُراقبة في طفراتها اللامنطقية، وإنّما عبر مشروع وطني حقيقي يستقطب المستثمرين، لتصبح المحافظة قِبلة العالم، بعيدًا عن البيروقراطية المقيتة.

في ظل تذبذب النفط، كمصدر للمال، يمكن لمحافظة ظفار أن تنقذ الاقتصاد، دون إهمال لولاياتها العشر، فقد اقتصر اسم الخريف والمهرجان على صلالة لسنوات! بينما الجمال الفاتن يتمشى في معظم ولاياتها.

محافظة ظفار لا تقل عن مدن العالم التي يقصدها السياح باستماتة، لكنها لا تزال دون مدينة ملاهي حقيقية، وقربها الخلاب من البحر لم يُلهم بعد، لقيام مدينة مائية بمعايير عالمية.

بعض الأماكن التي دمرها إعصار مكونو لا تزال على حالها، وانتظار السوق التراثي، وجاهزية الواجهة البحرية في منطقة الحافة مستمر، منظر قضاء الحاجة في الطريق بات مألوفًا وعاديًا مع الوقت، وبيوت الله ودورات المياه في مستوى غير لائق، الطريق البري شاق على قاطعيه لقلّة الخدمات والضغط الشديد، دون استعداد لعدد السياح، سيناريو يتكرر كل عام!

الأرض الخصبة والآبار الارتوازية واعتدال درجة الحرارة، يمكن أن تجعل محافظة ظفار سلّة غذائية مؤثرة في السوق المحلي والعالمي، فقد كانت مفاجأتي كبيرة عند معرفتي أن ظفار تزرع، إلى جوار جوز هندها الشهير، وأنواع المانجو المختلفة، تزرع القهوة والتوت والعنب والزيتون، بكميات غير تجارية. تخيلتُ مشهدًا سياحيًا، يدفع الناس فيه تذاكر ليدخلوا مزارع القهوة والتوت والمانجو، ويقطفوا حاجتهم في جو من الاستمتاع العائلي.

ويبدو أن الأوان آن "للمال الجبان" كما يقول المثل العربي، أن يخلق فرقًا يعود بالنفع على عُمان وعلى فرص التوظيف، آن الأوان لئلا تكون أقصى الأماني دورة مياه على قارعة الطريق.