الإعلام الاجتماعي ؛ التأثير والسلبية

08 أغسطس 2021
08 أغسطس 2021

كان التلفزيون قبل عقود من الزمن هو أقوى الوسائل الإعلامية تأثيرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، حتى أن الرئيس الأمريكي جيرالد فورد في سبعينات القرن الماضي أشار إلى نفوذ هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة في الحياة السياسية - حينها -قائلا : (إن التلفزيون هو الآلة الجديدة التي يتم بواسطتها عملية إقناع الشعب الأمريكي) ، وذلك لما توفره هذه الوسيلة من تأثير بصري ، صوتي ، معرفي .

وحين نستذكر تأثير هذه الوسيلة الحديثة حينها ، التقليدية حاليا ، لا يمكن إغفال تأثير الإعلام الاجتماعي المعاصر على حياة المجتمعات والأفراد . وضمن مصطلح " الإعلام الاجتماعي " نجد مصطلحات أخرى متضمنة أو بديلة مثل : وسائل التواصل الاجتماعي ، الإعلام الجديد ، الإعلام البديل ، وغيرها من المصطلحات التي تتناول المفهوم ذاته ضمنيا أو شموليا لتأثير عالم التواصل الافتراضي وما يقدمه من وسائل تواصلية تفاعلية ، يمكنها تغيير المجتمعات كما يمكنها ( يقينا ) توجيه سلوكيات وحياة الأفراد سلبا أو إيجابا ، حسب مستويات الوعي المختلفة لدى الأفراد وقدرتهم على مقاومة ، أو استيعاب ، أو فشل التعاطي مع هذا الإعلام الاجتماعي .

مع ما يواجه العالم من تحديات متصاعدة على مختلف المستويات - وخاصة المستوى الاجتماعي باعتباره ميدان الصراعات السياسية والاقتصادية ؛إذ يقوى بتفوقها و يضعف بتأثيرها السلبي و تداعياتها المحبطة أحيانا – لا يمكن إنكار دور الإعلام الاجتماعي الجديد في توجيه أفكار وسلوكيات وحتى عواطف مستخدميه من أفراد ومجتمعات ، في شتى أنحاء العالم . بما يحمله هذا الإعلام من سرعة انتشار وصعوبة في التحكم ، و خطورة في صنع المحتوى . وبما يحفزه لدى مستخدميه من رغبة تنافسية في الانتشار وتوسيع دائرة التفاعل لأسباب شخصية ، اجتماعية ، أو حتى اقتصادية تضمن زيادة الدخل مع زيادة المتابعين دون النظر للمحتوى وتأثيره .

ونتيجة لهذه الرغبة الملحة لدى بعض مستخدمي ( ولا أقول قادة ) الإعلام الاجتماعي نلاحظ الميل للمبالغة والتهويل ، واستثارة متابعة الجمهور بإثارة حقيقية أو مفتعلة ، يضمن بها انتشارا أوسع وإن أدى هذا الانتشار لكوارث اجتماعية أو نفسية أو حتى اقتصادية مع تمكن موجة التقليد ترفدها موجتا كآبة نفسية و خواء معرفي .

هذه الرغبة قد تكون فردية خادمة لذات هذا المستخدم أو ذاك ، وقد تكون أكبر وأخطر إن كانت منظّمة موجهة من قبل جماعات تستهدف وعي مجتمع ما ، سواء على المدى القصير أو المدى الطويل (إن كان الهدف فكريا ثقافيا). وهنا ينبغي التمييز بين ما هو واقعي واجب النقد والتحليل ، وبين ما هو مختلق واجب الرفض والتفنيد .

ومع كثرة مستخدمي ومستقبلي رسائل الإعلام الاجتماعي بمختلف مضامينها يستعصي أمر التحكم المؤسساتي الممكن سواء لإيقاف تلقي هذه الرسائل أو لمقاومتها ، إذا ما اتضح تأثيرها السلبي على أمن الأفراد والمجتمعات نفسيا ، واجتماعيا، وفكريا على المدى البعيد .

مع وعي بعض متلقي ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ، أوجد بعضنا وسائله الخاصة للمقاومة ، كالإيقاف المؤقت أو الدائم لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لما لمسه من تأثيرها السلبي على نفسيته وربما على حياته عموما ، أو اعتماد بعضها دون الآخر بعد مقارنات وتأمل ، أو تفعيل غيرها من الوسائل المتخصصة فقط في التواصل المهني أو الفكري ، مما يصنع غربالا لانتقاء الماتع النافع ، و منع تدفق السلبي أو الاستهلاكي .

والحقيقة المؤسفة أن الأغلبية لا تملك هذا الوعي العميق، أو هذا التقدير لوقت وطريقة التعاطي مع مفردات الإعلام الاجتماعي ،وتمكين إيجابياتها دون سلبياتها .

ولا يمكن لما نتابع اليوم من تصادمات ، وصراعات ، وتركيز على سلبيات مجتمعاتنا ،وتهويل الأخبار والأحداث - سعيا لخلق إثارة مركزها شخصية نفعية هنا ، أو استهلاكية هناك- إلا أن تترك آثارها على بعضنا لتهوي به إلى قاع السلبية بما قد تعكسه من عدائية أو تراكمات نفسية ، قد تصل في بعضها إلى عزلة اجتماعية تامة ، أو حتى إنهاء حياة بعد طول معاناة .

لا ينبغي مع كل تلك الأمواج المتلاطمة من الرسائل السلبية المتوالية إلا أخذ الحذر والحيطة ، والنأي بالمتبقي من ثباتنا وسلام أرواحنا ، وربما النبل فينا بأن لا نقع فريسة كل تلك المتغيرات السلبية ، ولا انعكاساتها الآنية عبر ما يقدمه الإعلام الاجتماعي ، ولعله من الخير كذلك أن نفكر في أن ما يمكننا تجاوزه واستيعابه ، قد يكون وبالا على غيرنا من المتعبين ، وقد يهوي بهم لأعتاب انهيار ، أو اكتئاب على أقل تقدير .

وهنا لا بد من تحديد بغيتنا من هذا المارد الإعلامي البديل ، أهي تعزيز ما لدينا من ثوابت سعيا لتنمية ذواتنا ومجتمعاتنا بتوسيع مداركنا وتبادل معارفنا مع الآخرين ؟ أم هي تقويض الإنسان بما يحمله من آمال وطموحات ورؤى ، وبالتالي تقويض مجتمعاتنا كذلك ؟ مجتمعاتنا التي لا يمكن أن تنهض دون أفرادها ، ولا أن ترقى بغير رفدهم فكرا وروحا .