هل ستغيرال"فنتك" مفهوم الخدمات المالية كما نعرفه اليوم؟
الخروصية: طور البنك المركزي نظاما مخصصا لدعم تقنيات الفنتك والمشاريع الصغيرة لتمكينها في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد الوطني
المرشدي: : ستظل البنوك قادرة على تقديم تقنيات حديثة تخدم زبائنها ولكن عليها أن تتعاون مع الشركات الناشئة للاستفادة من خبراتها
التميمي: أتوقع أن تصبح تطبيقات الفنتك هي الأمر السائد والأكثر انتشارًا في غضون 5 - 10 أعوام على ابعد تقدير.
كتبت - رحمة الكلبانية
لن يعود نسيانك لمحفظتك في المنزل عذرًا بعد اليوم، فكل ماتحتاجه للدفع بعد سنوات قليلة من اليوم لن يتطلب إلا حملك لهاتفك النقال. أو على الأقل هذا ما تعدنا به تكنولوجيا الخدمات المالية أو ما يسمى بال"فنتك". فبعد أن كانت عمليات الدفع والتحويلات المالية والخدمات التمويلية مقتصرة على البنوك راحت الشركات الصغيرة والنائشة تبتكر من خلال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة كالذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وغيرها تطبيقات تسهل الخدمات المالية احتياجات المستهلك في مقدمة اهتماماتها. وقد دفعت جائحة كورونا الشركات النائشة والبنوك على حد سواء للخروج بتقنيات مالية تسهل عمليات الشراء الالكتروني وتخليص المعاملات عن طريق الإنترنت في وسيلة للتعايش مع انتشار الفايروس، ويراهن العالم على أن تقنيات الفنتك ستغير شكل المعاملات المالية في المستقبل القريب.
وتحرص السلطنة ممثلة بالبنك المركزي العماني على تشجيع رواد الأعمال والشركات الناشئة على ابتكار وإدخال التقنيات المالية الحديثة لخدمة المستهلك مع ضمان أمن معلوماته الشخصية وأمواله. وقد استضافت منصة عمان للشركات النائشة "عش" مؤخرًا مجموعة من الخبراء للحديث عن واقع مستقبل تقنيات الفنتك في عمان، حيث أكد الخبراء ضرورة تهيئة البنى الأساسية اللازمة لهذه التقنيات، وتبادل الخبرات بين البنوك والشركات الناشئة للخروج بأفضل الممارسات.
تعزيز البيئة التكنولوجية
وتحدثت غادة الخروصية، نائب رئيس لجنة التكنولوجيا المالية بالبنك المركزي العماني حول الأبعاد التشريعية لهذه التقنيات في السلطنة، والمبادرات التي يقوم بها البنك لتعزيز بيئة التكنولوجيا المالية وتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في هذا القطاع. وقالت: إن أحد أهداف البنك المركزي الرئيسية تتمثل في تشجيع الحلول المالية المبتكرة مع الحفاظ على أمن وسرية معلومات المستخدمين أو الزبائن. وقد طور البنك نظام مخصص لدعم تقنيات الفنتك ودعم المشاريع الصغيرة القائمة عليه لتمكينها في خدمة المجتمع وتنمية الاقتصاد الوطني وخلق وظائف واستثمارات جديدة.
ولمواكبة مستجدات التكنولوجيا المالي قام البنك المركزي بتخصيص لجنة لمتابعة مستجدات القطاع ووضع الخطط الاستراتيجية لتطويره في السلطنة، وأوضحت الخروصية: وضع البنك إطار عمل وخارطة طريق لـ3 سنوات تتضمن عدد من المبادرات الاستراتيجية لتهيئة مناخ التكنولوجيا المالية في السلطنة بشكل أكبر بما يتناسب مع أهداف رؤية عمان 2040. ومن الدعائم التي تقوم بها استراتيجيات البنك هي وضع سياسات وقوانين لتسهيل الابتكار وتقليل نسبة المخاطر المحتملة في الوقت ذاته، وتأمين البنى الأساسية اللازمة لتلك التقنيات كإنشاء منصة وطنية الكترونية للتعريف ببيانات الزبائن وإتاحة إمكانية التحقق منها.
وقالت الخروصية بإن تقنيات الفنتك خاصة بعد انتشار جائحة كورونا باتت تأخذ أشكالا متعددة ومتجددة وتدخل لحياة الأفراد بشكل أسرع بعد أن كانت تركز في السابق على تقليل التكلفة بالنسبة للبنوك وتقديمات خدمات أفضل بالإضافة إلى توسيع قاعدة المستخدمين للمعاملات المالية. وأكدت بأن الفنتك والتقنيات المالية عمومًا تتيح فرص كبيرة للابتكار وخدمة المجتمع خاصة مع وجود نسب عالية من الشباب ومستخدمي الهاتف في السلطنة.
وللوصول إلى أفضل الممارسات المالية المتقدمة والآمنة، أوصت الخروصية بالتعاون الفعال بين الجهات المعنية وخاصة شركات الاتصال بالإضافة إلى إعداد كوادر مؤهلة من خلال برامج متخصصة في التقنيات المالية الحديثة في الجامعات والكليات الحديثة.
البنوك والفنتك
وأعادنا عبدالواحد المرشدي، رئيس قسم الصيرفة الإسلامية ببنك صحار الإسلامي إلى ماقبل 50 عاما، حيث شهدت البنوك العالمية أول تطور تكنولوجي لها على الإطلاق عندما قررت استخدام الحاسب الآلي عوضًا عن الرسائل والأوراق المكتوبة، وقد كانت بداية استخدام طرف ثالث لتسهيل العمليات البنكية. ومع تطور التكنولوجيا راحت البنوك تدخل التقنيات الحديثة على معاملاتها بهدف تحسين خدماتها وجذب المزيد من الزبائن إليها بالإضافة إلى اختصار الخطوات أو العمليات اللازمة لكل معاملة وتحقيق أرباح أكبر.
وقال المرشدي بأن التغيير الحقيقي في عمليات الفنتك والتقنيات المالية قد حدث مؤخرًا أي قبل 5 - 10 أعوام مضت حين بدأت بعض التطبيقات بالظهور من قبل جهات مختلفة أخرى غير البنوك، وباتت تقدم حلولا مالية جيدة ومختلفة.
ولم يعتبر المرشدي وجود هذه المؤسسات أو التطبيقات تهديدًا للخدمات التقنية الحديثة التي تسعى البنوك إلى تبنيها، حيث قال: ستظل البنوك قادرة على تقديم تقنيات حديثة تخدم زبائنها ولكن عليها أيضا أن تتعاون مع الشركات الناشئة والناجحة والاستفادة من خبراتها والوصول إلى أكبر عدد ممكن من الزبائن وتقديم خدمات متكاملة.
ويرى المرشدي أنه على البنوك أيضًا تبني التقنيات الحديثة في جمع بيانات الزائن وتقييم توجهاتهم حتى من خلال منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي والتي توضح سلوكهم الاستهلاكي في الكثير من الأحيان، وذلك لتسهيل عمليات القروض. وقال في قطاع الصيرفة الإسلامية على سبيل المثال هناك تطبيقات خاصة تقوم بتوجيه المستخدمين إلى الاستثمارات الأنسب لهم من خلال تحليل بيانات ملفهم الشخصي باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد لمقدم الخدمة والزبون على حد سواء، ويشجع المزيد من الأشخاص على الاستثمار.
مبادرات شبابية
ومن جهته، رسم صالح التمامي، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة مأمون لخدمات الدفع الالكترونية المستقبل الذي ينتظر الفنتك في السلطنة، حيث قال: مع تزايد اتجاه الناس إلى استخدام التكنولوجيا بشكل عام لسداد الفواتير وتخليص معاملاتهم وأنشطتهم اليومية وبالإضافة إلى التسوق وكل ذلك من خلال هواتفهم النقالة فقط فإنني أتوقع أن تصبح وسائل الدفع الإلكترونية الجديدة وتطبيقات الفنتك هي الأمر السائد والأكثر انتشارًا في غضون 5 - 10 أعوام على ابعد تقدير.
وقال التمامي بإن على الخدمات المالية التقنية ان تكون أقرب للمستخدم النهائي ولا أرى أن ذلك قد تحقق بعد، كما لايمكن الاعتماد الكلي على المشرعين في وضع تقنيات جديدة حيث أن على القطاع الخاص المبادرة في ذلك.
ويعد صالح أحد الشباب العمانيين الذين نظروا إلى تحديات السوق والشركات في التعاملات المالية على الانترنت أثناء تقديم خدماتهم خلال فترة انتشار فايروس كورونا وقرر بالتالي انشاء تطبيق "مأمون"، والذي يسهل للشركات وأصحاب الأعمال إدارة عمليات الدفع والسحب والجدولة ، بالإضافة عمليات الدمج مع تطبيقات الجهات الخارجية بسلاسة. كما يعمل مأمون على مراقبة المخاطر والمكافآت والفرص بشكل ديناميكي.
وحول تجربته لإنشاء التطبيق في عام 2020، قال التمامي: بعد رصدنا لأهم التحديات الموجودة في القطاع ودراسة السوق، توجهنا إلى الجهات المشرعة المتمثلة في البنك العماني المركزي وقد كانت تجربتنا إيجابية جدًا. حيث أن هناك مفهوما خاطئا ينص على أن التشريعات الموضوعة أمام هذا القطاع تثقل كاهل المشاريع الصغيرة والناشئة ولكنني أرى عكس ذلك تمامًا، فمشاريع الفنتك حساسة جدًا، تتطلب حماية أمنية عالية لمعلومات وبيانات الزبائن وأموالهم بلاشك، والقوانين المنظمة لهذا الأمر ماهي إلا لحماية جميع الأطراف. وقد لمسنا تشجيعا كبيرا من قبل هذه الجهات المشرعة.