المنوعات

هواية المسارات الجبلية.. نحو خطى الأجداد واكتشاف القدرات والآثار!

1553757
 
1553757
تجربة برفقة فريق «المغامرون» من العامرات إلى الحمرية - كتب : عامر بن عبدالله الأنصاري:- طالما ألهمني المصور الضوئي ماجد العامري بصور كثيرة وليدة رحلات بين الجبال وعلى قممها، صور تعكس تفاصيل الجبال والطرق والحياة من زوايا لم نعتد عليها كثيرا، لأكرر له الطلب مرارًا أن يخبرني عن المسير الجبلي القادم لأرافقه في تلك الرياضة التي تبدو صعبة ومنهكة لكل من لم يعتد عليها، تلك المسارات التي سلكها الآباء والأجداد بشكل يومي قديما وأصبحت اليوم رياضة أحببت خوض غمارها، فهناك مجموعة من الخدع ساهمت في أن أقع في فخ التجربة التي لم تكن في الحسبان، أولها المظهر العام للمصور ماجد العامري –وليعذرني على الوصف التالي والواضح للعيان- فهو سمين البنية لا تبدو عليه ملامح أدنى لياقة، ليتبادر سؤال في ذهني «إذا كان ماجد العامري يستطيع تسلق الجبال والوصول إلى قممها، بل وبعد الوصول يبدع في التقاط صور رائعة تعكس صفاء ذهنه وراحة باله،، إذًا أنا استطيع بكل جدارة أن أكون ندًا للعامري»، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك، فهو يملك لياقة عالية فاقت توقعاتي المتواضعة، ومما خدعني أنني اعتدت المشي لمسافة 8 كيلومترات وأني خسرت من وزني قرابة 14 كيلو جرامًا كان ذلك دافعًا معنويًا مخادعًا أوقعني في الفخ، ومن العامرات إلى الحمرية ينطلق المشي في المسار الجبلي! رياضة تحتاج إلى لياقة وخبرة وقياس الطاقة بمعية مجموعة.. والأخطاء قد تكون خطرة - التجهيزات الفردية بعد أن استجاب العامري لطلبي، فاجأني ذات يوم لم تغب شمسه بعد برسالة لتسجيل الأسماء في قائمة ستجتمع في ولاية العامرات، وتحديدا تحت أحد جسور طريق «وادي عدي - العامرات»، حيث الانطلاق نحو منطقة الحمرية متبعين مسارًا جبليًا. قبل الانطلاق، شدتني تجهيزات المشاركين، قفازات سميكة، وحقائب مزودة بأنابيب مياه، وأحذية ليست كالحذاء الذي أرتديه المخصص للمشي، فهي أحذية خاصة للطرق الوعرة، وفي الأثناء يربط المغامر محمود القاسمي حبال نظارته الرياضية الشمسية خلف رأسه ليشد وثاقها، أحسست بتلك الوهلة أنني مبتدئ لا أرقى لهذه التجهيزات، طلبت من القاسمي أن يعطينا نبذة عن تلك التجهيزات، وعاتبت العامري لأنه لم يخبرني بأن هناك عدة وعتاد يجب أن يتسلح بها كل مغامر، كان رد العامري ساخرًا «لا تستعجل، قد تكون تلك رحلتك التي لن تنوي تكرارها مرة أخرى، فلماذا الخسائر!»، كان كلامه صحيحًا نوعًا ما! بداية المسار الساعة الثالثة ظهرًا، أو عصرًا إن صح التعبير بدأ شباب فريق «المغامرون»، وهو فريق يضم مجموعة كبيرة اجتمعوا في هواية واحدة وهي رياضة المسارات الجبلية، بالتوافد واحدًا تلو الآخر، ومن شدة الحماس كنتُ من أوائل الواصلين، بدأت الانطلاقة بكلمات من قائد المسير الكابتن عبدالرحمن الصبحي، بمشاركة 14 شخصًا، لنبدأ المسير، الحماس كان مسيطرًا عليَّ، خطوات سريعة غير مدروسة متبعًا خطوات المجموعة التي تسير واحدًا تلو الآخر، ويَتَذَّيل المجموعة «قيادة خلفية» أو كما يسمونه «باك ليدر» محمود القاسمي وناصر الدروشي، ليكونان الصديقين الباقيين معي حتى النهاية غير المتوقعة. العلامات الإرشادية للطريق المسير الجبلي ممتع إلى حد كبير، واحترافي، حيث توجد علامات على صخور ذات ألوان ملفتة «برتقالي وأبيض ثم أحمر»، تدل على المسار واتباعه، بحيث تكون كل علامة والتالية متصلة بصريا، ما إن تصل إلى علامة حتى تبدو العلامة التالية واضحة، وهكذا حتى نهاية المسار. تلك العلامات يتم تجديدها بين فترة وأخرى من قبل المغامرين حتى تبقى واضحة لكل مجموعة لاحقة تنوي اتباع المسار. آثار وكتابات يسير الفريق بانتظام، واحدا تلو الآخر، يخبرني المصور ماجد العامري أن المسار يحوي العديد من الآثار القديمة، ولكنها غير موثقة، منها كتابات مسمارية تعود لعقود قديمة جدا، ومنها ما يبدو أنها مقابر إذ الصخور كالأسوار الدائرية فوق بعضها، في تلك الأثناء انشغلت بالتصوير وتوثيق تلك المشاهد، ينبهني العامري بأن لا أتوقف عن المسير لأنني سأتسبب في تأخير أفراد الفريق، وكان ردي جاهلا بقوانين الفريق، فسمحت أن يتجاوزني الشباب، ليتضح لي أن القائدين الخلفيين لا يجوز لهما أن يتجاوزا أي أحد من الشباب، بل هم مثابة صمام الأمان لكل ما قد يطرأ من حوادث. صار البون شاسعًا بيني وبين بقية الشباب المتقدمين، ولُمْت نفسي بأنني من تسبب في هذا البون، فصرت أجري بين الصخور سريعًا محاولًا الوصول إلى المجموعة المتقدمة، وكان ذلك سببًا في مضاعفة الإرهاق. خارج التوقعات بدأ الإرهاق يسيطر علي، لم أعد أشعر بقدمي، وما أن ارفع رأسي حتى أشعر بالدوار، لم أكن قد أخذت كفايتي من الأكل، ولا من الطاقة، وقفت مرارا حتى استريح، واتضح لي بأن الاستراحة تضاعف الإرهاق وعدم القدرة على المواصلة، وقفت في حادثة إصابة قائد المسير، وشربت الماء وواصلت المسير، وفي استراحة أخرى بعد الأولى بقليل شربت زجاجة ماء أخرى فامتلأت معدتي بالماء وشعرت بالغثيان، هنا بدأت تتغير النوايا، لا زال أمامنا قمم جبلية أخرى يجب أن نصعدها بعد القمم التي صعدناها واستنفذت طاقتي، فقررت أنني إن وصلت إلى الحمرية ولامست قدماي الشارع المسفلت فلن أرجع مرة أخرى نحو ذات المسار، بل سأستقل سيارة أجرة تأخذني إلى العامرات! الإصابات الإصابات في الرحلات الجبلية بل وفي أية رياضة أمر متوقع، فقد قدّر المولى أن يتعرض قائد الرحلة إلى التواء في الكاحل في منتصف طريق الذهاب، وكان من الفريق من هو مجهز بأدوات الإسعافات الأولية، تم لف قدم القائد بشكل محكم، وقرر ماجد العامري الرجوع مع الصبحي إلى حيث الانطلاقة، فلم يكملا المسير المحدد لهذا الطارئ، الذي لن يوقف الفريق عن مواصلة المسير. ليست بالأعمار ولا الأوزان حقيقة وأنا اكتب عن تلك التجربة ما زلت أشعر باللوم والخجل من نفسي، قرار عدم إكمال الطريق لم يكن قراري وحدي، فقد أصر كل من القائدين الخلفيين محمود القاسمي وناصر الدروشي على البقاء معي حتى تصل سيارة ماجد العامري وتأخذنا إلى العامرات، مقدرين أن التجربة الأولى بالنسبة لي تجربة متوقعة بهذه الصورة، ودار في تلك الأثناء حديث طويل عن أمور كثيرة، منها أن رياضة المشي الجبلي ليست بالأوزان ولا بالأعمار ولا تشبهها رياضة أخرى، فقد كان معنا مجموعة من المتقاعدين من جاوزوا الخمسين من العمر، فكانوا أصحاب لياقة فواصلوا المسير حتى النهاية لحوالي 8 كيلومترات، مجموع المسافة المقطوعة ذهابا وإيابًا. وصل ماجد العامري، وفي نفسي ضحكة مدفونة -بعد أن جمعت قواي- تُرى كيف سيقابلني، وضعني القاسمي والدرويشي في وجه المدفع لأجلس في المقعد الأمامي بجانب ماجد الذي ما إن رآني حتى قال مازحًا «هل عرفت الآن لماذا لا نأخذك معنا في تلك الرحلة»، وتواصل الحديث وتلقيني نصائح مهمة لاكتساب لياقة تلائم المشي الجبلي، ومن أبرزها تقوية عضلات الساقين وغيرها من النصائح الضرورية. شبكة الإرسال متأسفًا أقول، كنا ما بين العامرات والحمرية، لم تكن شبكة الإرسال متوفرة، هنا تبادر في ذهني إعلان إذاعي لأحدى شركتي الاتصالات في السلطنة، حيث يصور الإعلان أن إرسال الشبكة من فرط قوته وصل إلى أحد الكواكب!، للأسف ما تلك الإعلانات إلا شعارات زائفة، فالإرسال كان معدوما في كلا الشبكتين العاملتين في السلطنة، ليس في الطريق الجبلي فحسب، بل وحتى عند الوصول إلى الشارع المعبد الرابط بين منطقة الحمرية ومنطقة يتي، الإرسال معدوم، فلم نتمكن من الاتصال إلا بعد أن اعتلى محمود القاسمي قمة مرتفعة ليلتقط من حسنات الإرسال، الحال مؤسف ونحن في العاصمة، فكيف بالقرى النائية، وكيف تطبق الدراسة عن بعد، البنية الأساسية للاتصالات تحتاج إلى عمل حقيقي لا إعلانات زائفة دون جدوى. وقد تتجلى أهمية أجهزة اللاسلكي وهواتف ثريا في تلك الظروف التي تغيب فيها خدمة أساسية تستنزف من أموال المشتركين. المواصلة بعد التدريب في الأثناء التي كنت أجاهد نفسي بها للوصول إلى النهاية –منتصف الطريق- عقدت العزم بأنها المرة الأولى والأخيرة، ولكن ما أن جمعت قواي، واستمعت إلى نصائح المغامرين المتمرسين، وعرفت الأخطاء التي ارتكبتها اعتقد أنها لن تكون المرة الأخيرة، بل ربما تكون البداية الحقيقية لمواصلة تلك الرياضة الجميلة التي لا تخلو من الحماس والمتعة والتحدي الجميل برفقة أصدقاء رائعين، يزرعون في النفس الحماس والإصرار بعبارات ترفع من الإدرينالين في الدم، لم يقابلني بقية الفريق بسخرية أبدًا، بل الجميع كان بجانبي متفهمين ما مررت به، وأن موقفي متوقع كونها المرة الأولى، حتى تمت إضافة في مجموعة «واتس أب» لأكون أحد الأعضاء، فكل الشكر لنبل الأخلاق وتلك الروح الرياضية، شكرا فريق «المغامرون» فردا فردا، فشعاركم كافٍ لبث روح الحماس «بالعزيمة والإصرار نتحدى الصعاب»، وكذلك شعار محمود القاسمي الذي يعتبر بصمة من بصماته «خسران بو ما جاي»، واحسب أنها خسارة فعلًا أن لا تتمتع بجمال التضاريس الجبلية في عُمان.