د. ناصر بن علي الندابي - إن الله جميل يحب الجمال، نظيف يحب النظافة، وإذا كان رب الكون وخالقه على هذه الصفات فحتمًا سائر مخلوقاته تسير على هديه ونهجه، فالقارئ مهما بلغ نهمه من القراءة والغوص في غمار الكتب والمخطوطات، فإن نفسه تتوق إلى اقتناء كتاب جميل يسره أن نظر إليه ويحببه إلى القراءة حين يمسك به. كما أن الاهتمام بجمال الكتاب دليل على الاهتمام بالقراءة والعلم والمعرفة، فمن أحب الكتاب أحب العلم، ومن احترم الكتاب أحترم العلم وأهل العلم، ومن هذا يأتي مصطلحنا لهذا اليوم وهو متعلق تعلقًا كبيرًا بجمال الكتاب الخارجي وحسن مظهره وهيئته . فمفهوم التحجير مصطلح يستخدمه عادة المجلدون للكتب، فإن كان التجليد عنصرًا مهمًا للحفاظ على الكتاب من التلف والتمزق وما يمكن أن يعتريه من عوارض الحياة فإن التحجير هو ترف في ذلك، وزيادة في الاهتمام وجانب مشرق من الإبداع، فالتحجير هو زيادة تجميل الغلاف وإضافة بعض اللمسات الجمالية بمادة الزري في الكثير من الأحيان، والزري هو تلك الخيوط الذهبية التي تطرز بها الأقمشة، وهذا ينهض دليل على استخدام القماش في عملية التحجير. ونورد هنا نص يوضح هذا المفهوم المتداول في الأوساط العمانية قديما، فقد جاء في مخطوط الدلائل للشيخ المحروقي (خزانة الشيخ أحمد بن محمد بن عيسى الحارثي) رسالة من الإمام السالمي إلى مجلد الكتب جاء فيها: (أيها الأخ سعيد بن حميد الدغيشي، واصلك هذان الكتابان، وهما كتاب مختصر العدل، وكتاب المعالم، على يد شيخنا أحمد بن سعيد الخليلي، والمرجو منك أن تجلد عليهما تجليدا حسنا كتجليدك على الكتابين السابقين، وعجّل في ردهما عليّ، وعرفني بقيمة التجليد يصلك حالًا إن شاء الله، واحرص على الحواشي من القطع إلا ما لا بد منه، والسلام عليك من الفقير إلى مولاه عبدالله بن حميد السالمي». وهذا نص الجواب من المجلِّد: كتابك الكريم وصل، ومحبّك اجتهد في تجليد هذين الكتابين، وقد جعلنا في جلودهما تحجير زري، و الأجرة فيها زيادة لأجل ذلك، فما كان على هذا الوضع أجرته 86 بيسة بغير زري، وأنت جعلنا عليك الأجرة قرش و48 بيسة إجلالا لجنابك، وكن مسامحا في طول المدة، وعليك السلام من محبك الفقير سعيد بن حميد بن سعيد الدغيشي بيده».