روضة الصائم

الدعاوى الحدية «9»

فضيلة الشيخ زهران بن ناصر البراشدي - قاضي المحكمــــة العــليا - وفي النيل وشرحه: و إن ادعى وارث منهم أي من الورثة أو شريك الشركاء بعد القسمة أو بعد الإجابة إليها والإذعان إليها أن له في الأصل أو العرَض أو كليهما المقسوم أو الذي أريد قسمه عطية أو شراء أو دينا بمعنى أن بعضه أعطاه إياه الموروث أو الشركاء أو غيرهم ممن كان له قبل الشركة، أو اشتراه ممن ذكر، أو كان له دينا على الميت، ومعلوم أن الدين الذي على الميت متعلق بكل ماله، أو تباعة ما متعلقة بذلك المشترك، أو أن يعطيه مورثه شيئا من ذلك المشترك، أو يعطيه هو أو الشريك في دينه أو تباعته شيئا من المشترك وبين ذلك الذي قاله لم يقبل بيانه عند الربيع - رحمه الله - بشرط انفصال الادعاء عن الإذعان، وإلا اشتغل به. ووجهه كما قال الشيخ: إن قسمته أو إصابته تكذيب لدعواه بعد في ذلك المال ولشهوده، سواء علم ببينته قبل القسمة أو الإجابة أو لم يعلم إلا بعد إذ قامت البينة بأنه قد علم بعدها أو لم يتبين أنه علم ولا أنه لم يعلم، هذا ظاهر الإطلاق. والأولى أنه إن قامت البينة أنه لم يعلم بها، مثل أن يعلم الناس أنه يبحث فلم يجد فإنه تقبل بينته بعد، وإلا تقم له بينة أنه لم يعلم بها بل قامت بينة أنه عالم بها أو لم تقم له على العلم بها ولا على ما يدل على عدم العلم بها فلا تقبل. ويدل على ذلك قول الشيخ: تكذيب لدعواه، فإن التكذيب يكون مع العلم، لأن التكذيب نسبة إلى الكذب، والكذب الإخبار عمدا بخلاف الواقع. اللهم إلا أن يقال: التكذيب نسبة إلى عدم موافقة الواقع ولو بلا عمد كما هو قول في الكذب أنه الإخبار بخلاف الواقع ولو بلا عمد. وجوز قبول بيانه أي وأجازه بعض مشايخنا أي لم يمنعه وعدم المنع صادق بالواجب وبمستوى الطرفين، والمراد هنا الواجب، وقول هذا الشيخ أحوط وجهة عقده أن قسمته أو إجابته إليها لا تكون تكذيبا لدعواه ولا لشهوده لأن الشيء قد يكون فيما بينه وبين الله له ولا يكون له في الحكم الظاهر لذهوله عن القيام ببيانه أو نسيانه أو لخطئه في الدعوى أو لإجابته للقسمة ولم يقدم الدعوى، أو لعدم علمه بأن له بيانا، وقد ثبت له في الواقع، فإذا قام بالبيان لم يزد ما في الواقع إلا ثبوتا، وأيضا قسمته أو إجابته إليها ليست تصريحا بأنه لا شيء له في ذلك بل يفهم منه فهما أنه ليس له شيء، وذلك دليل الخطاب فيما قيل، ودليل الخطاب مختلف في كونه حجة، وكونه حجة ضعيف عند بعض، ولا سيما ما يلزم منه إبطال الحق مع إقامة البينة عليه، وفي مختصر العدل منع دليل الخطاب كثير (وكذا لا شغل بدعوى طالب قسمة بعد) أي بعد طلبه بأن طلبها ثم ادعى أن له في الأصل أو العرض أو كليهما عطية أو ما ذكر بعدها كالمسألة الأولى وهي ادعاؤه ذلك بعد القسمة أو الإجابة، فعلى قول أبي الربيع أنه لا تقبل بينته، وعلى قول بعض الشيوخ تقبل وهو أحوط. وكذلك لو ادعى قبل أن يدعى للقسمة أو بعد ذلك في الأصل أو في العَرَض أو كليهما دعوة وبين عليها ولم تتم دعوته بوجه كتجريح في شهادة الشهود أو أحد الشاهدين وكونهما يجران نفعا لأنفسهما أو يدفعان ضرا أو أحدهما كذلك ثم أجاب لها وتجابروا أي أو لم يتجابروا لأنه لا يجد الرجوع بعد الإجابة، سواء رجع قبل التجابر أو بعد التجابر. وإن باع مرابحة غالط أراد غلط اللسان أو غلط اشتباه الشيء بالشيء أو النسيان، أي غالط غلطا ما بأقل مما اشترى به مثل أن يشتري بعشرة فيقول غلطا: اشتريت بثمانية فباع مرابحة بتسعة أو باع مرابحة بمساو أو كان ذلك بلا مرابحة، ومثل أن يشتري بعشرة فيقول: اشتريت بتسعة فباع مرابحة، بعشرة لم يدرك على المشتري رد المبيع ولا أن يزيد له ما نقص عما اشترى به وربح ذلك، بل مضى البيع على غلطه وإن بين بيانا صحيحا مجزيا أنه غلط وأنه اشترى بكذا لأنه قد كذب بينته إذ باع مرابحة على خلاف ما اقتضته بينته، وإن قلت: إن علم أن له بينة وتعمد البيع مرابحة على خلاف مقتضاها فلا يخفى أنه تركها وأبطلها، وذلك كالتكذيب، أو أنه كذبها ولا غلط في ذلك، وإن لم يعلم بها وباع غلطا فكيف يقال: إنه كذبها مع أنه لم يعلم حال البيع بمقتضاها فضلا عن أن يكذبها، وكذا إن علم بها ونسيها وباع غلطا على خلاف مقتضاها، وتكذيب الشيء يقتضي القصد إليه. قلت: نعني بالتكذيب هنا ترك العمل بمقتضاها ومخالفتها إذا باع على خلاف مقتضاها وهي موجودة حال البيع في نفس الأمر ولو لم يعلم بها، يقال: كذب الشيء إذا خالف الصواب أو ما أريد به ولو كان غير عاقل أو عاقلا لا قصد له في تلك المخالفة هذا ما ظهر لي في الجواب ثم رأيت للوراني ما يقرب منه إذ قال: جوابه أن المعنى لما أقر بشيء، وشهدت البينة بخلاف ذلك: كان في ذلك تكذيب لها في الظاهر، ولا يبطل التكذيب بدعوى الغلط حيث جاء بها بعد ذلك لأنه لا يصدق فيها، هذا ما ظهر في توجيه القول الأول، ا.هـ ويؤخذ من عدم إدراكه ولو بيَّن الغلطَ أنه لو ادعى إنسان على إنسان فكلفه الحاكم البينة فقال: لا بينة لي، ثم حلفه الخصم ثم أقام بينة بعد ذلك لا يلتفت إليها لأنه كذبها بقوله: لا بينة لي، والله أعلم، كما قاله السدويكشي. وإن قلت: الأولى أن يترك السدويكشي قوله: ثم حلف الخصم لأن اليمين عند بعض تقطع الحق ولا تقبل له بينة، وإن لم يقل: لا بينة لي، وقوله: لا بينة لي كاف في أنه لا يلتفت إليه ولو لم يحلف الخصم، قلت: إنما ذكرت وذكر تحليف الخصم جريا في الكلام على قول من قال: إن اليمين لا تقطع الحق ولا تبطل البينة فكان الموجب لعدم الالتفات إلى بينته هو قوله: لا بينة لي لا اليمين ويؤخذ من تعليق عدم الإدراك بتكذيبه بنية نفسه أنه لو بين، وأجاز المشتري تلك البينة على نفسه أو أقر المشتري بمقتضاها أو بأنه شاهد البيع الأول ووجد كما وقعت البينة بعد ذلك لكان له رد البيع. وانظر إن شاهد المشتري الثاني البيع الأول فتحقق عنده أن الذي اشترى أولا وباع له بالمرابحة قد غلط فذكر أقل مما اشترى به، فالظاهر أنه يدرك عليه لأنه ولو كان يكذب بينته، لكن كيف يكذب ما عاينه المشتري الثاني ووافق، بل التصديق كذلك، لكن التصديق لا يصدق لا يحكم عليه به إذا أقر به. وقيل: يحكم: وأما إذا أقر بالمشاهدة ووافقت دعوى المشتري الأول أو بينته فإنه يحكم عليه بحكمها وقيل: إن بيَّن البائعُ على الغلط خُيِّر البائع في إمضاء البيع على غلطه وفي الرد وهو الظاهر كتخيير المشتري فيما إذا باع له بالأكثر.