ذى المشعار الهمدانى «لمخلاف خارف.. وأهل جناب الهضب»
الخميس / 24 / رمضان / 1440 هـ - 23:00 - الخميس 30 مايو 2019 23:00
إعـــــــداد: مـــــــيرفت عزت -
يقول الدكتور مصطفى الشكعة، فى كتاب «البيان المحمدية»،كانت قبيلة خارف من القبائل اليمنية السباقة في الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم. وتنقسم قبيلة خارف إلى خمسة أخماس، الواحد منها خميس، يتزعم كل خميس منهم شيخ، وفى النهاية يتزعم الجميع شيخ واحد هو أبو شوارب. ومن أعلام قبيلة خارف، أبو شوارب، يتزعمون خميس بنى جُبر. هراش، وهم أسرة عريقة، ويتزعمون خميس هراش وتنقسم خارف إلى عُزل، هي عزلة بنى جبر، عزلة خميس القديمى، عزلة خميس القائفى، عزلة خميس حرمل، عزلة خميس هراش، عزلة ثلث الزودى، عزلة ثلث ضحيان، عزلة ثلث الواسط، عزلة خميس أبو ذيبة.
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجع من تبوك وفد همدان، يضم فريقا من رؤوسهم، منهم: ذو المشعار مالك بن نمط، ومالك بن أيفع، وضمام بن مالك السلماني، وعميرة بن مالك الخارفي، فلقوا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وعليهم مقطعات الحبرات والعمائم العدنية- طبقا لرواية ابن هشام- برجال الميس على المهرية والأرحبية، وذو المشعار ورجل أخر يرتجزان:
همدان خير سُوقة وأقيال ليس لها في العالمين أمثال
محلها الهضب ومنها الأبطال لها إطابات بها وآكال
ويقول الآخر:
إليك جاوزن سواد الريف
في هبوات الصيف والخريف
مًخطمات بحبال الليف..
عند ذلك قام ذو المشعار بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
«يا رسول الله نصية من همدان من كل حاضر وباد، أتوك على قلص نواج متصلة بحبائل الإسلام، لا تأخذهم في الله لومة لائم من مخلاف خارف، ويام وشاكر، أهل السواد والقود، أجابوا دعوة الرسول، وفارقوا الآلهات والأنصاب، عهدهم لا ينقض عن سنة ماحل، ولا سوداء عنقفير ما أقام لعلع، وما جرى اليعفور بصيلع» .
فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً فيه: « بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمخلاف خارف، وأهل جناب الهضب، وحقاف الرمل، مع وافدها ذى المشعار مالك بن نمط، ومن أسلم من قومه، أن لهم فراعها ووهاطها وعزازها ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، يأكلون علافها ويرعون عفاءها، لنا من دفائهم وصرامهم ما سلموا بالميثاق والأمانة، ولهم من الصدقة الثلب والثاب والفصيل والفارض الداجن والكبش الحوريّ، وعليهم الصالغ والقارح، لكم بذلك عهد الله وذمام رسوله وشاهدكم المهاجرون والأنصار».
يضيف الدكتور مصطفى الشكعة، لعلنا نلاحظ هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خاطب القوم بلغتهم التي يفهمونها مع كونها مشحونة بالغريب من الألفاظ، وغير المأنوس من الكلمات عند غيرهم، وقد جرى هذا الغريب في أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يسر وانتثال وكأنه واحد منهم، مع كمال البلاغة وتمام الإحاطة وشمول البيان.
وكان الرسول سخياً معهم، مغدقاً عليهم حين أعطاهم عهدا بالسيادة على أرضهم ما بقى إسلامهم حسناً، ولا يحسن إسلامهم إلا بإقام الصلاة التي هي عماد الدين، وإيتاء الزكاة التي هي الركيزة الأساسية في نظام التكافل الذي انفرد به الإسلام، فضلا عن كونها الركن الثاني في العبادات، والركن الثالث في بنية الإسلام، ولعل أبا بكر رضى الله عنه قد اعتمد في حربه المرتدين على هذا النص من منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم العهد لله، والذمة له، والشهادة للمهاجرين والأنصار تكريما لهم ورفعة لشأنهم.
وفى شرح بعض المفردات الواردة في الكتاب:
فراعها : الفراع ما على من الأرض وارتفع والضمير عائد للأرض وهي ضد وهاطها، عزازها : ما اشتد من الأرض وصلب، و إنما يكون في أطرافها علافها : جمع علف وهو ما تأكله الماشية ، عفاءها : أي مواتها وهو ما لا ملك لأحد فيه ، دفئهم : أي إبلهم وغنمهم والدفء نتاج الإبل وما ينتفع به منها ، وقيل سماها دفئا لأنها يتخذ من أوبارها و أصوافها ما يتدفؤون به وأدفأت الإبل على مائة زادت صرامهم : أي نخلهم ، الثلب : هو الجمل الهرم الذي تكسرت أسنانه، والناب : هي الناقة الهرمة التي طال نابها وذلك من أمارات هرمها ، الفصيل : ولد الناقة الصغير، الفارض : المسن من الإبل، الداجن : ما يألف البيوت من الحيوان، الكبش الحوري : منسوب إلى الحور وهي جلود تتخذ من جلود الضأن وقيل ما دبغ من الجلود بغير القرظ وهو أحد ما جاء على أصله ولم يعل، الصالغ : ما كمل من البقر والغنم السنة السادسة، القارح : إذ ادخل الفرس في السادسة واستتم الخامسة فقد قرح.
والمراد أن ما ذكر يحسب في عدد النصاب ولا تؤخذ الزكاة منه إما لنفاسته أو لخسته وإنما تؤخذ من الوسط.
وهذا الموقف الجليل في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استولى على مجامع ذي المشعار، فجاشت عاطفته، وفاضت شاعريته، فنطق بهذه الأبيات النفيسة:
ذكرت رسول الله في فخمة الدجى
ونحن بأعلى رحرحان وصلدد
وهن بنا خوص طلائح تغتلى
بركبانها في لاحب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة
تمر بنا مر الهجف الخفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى
صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق
رسول أتى من عند ذي العرش مهتد
فما حملت من ناقة فوق رحلها
أبر وأوفى ذمة من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه
وأمضى بحد المشرفي المهند