رأس المال الثقافي وإنتاجاته البينثقافية
الاثنين / 3 / ربيع الثاني / 1438 هـ - 19:22 - الاثنين 2 يناير 2017 19:22
أحمد ضياء -
لغرابة المصطلح في الدراسات الجديدة تأكد أن رأس مال الثقافة الشعبية يكمن في تيار مهم قابع تحت يافطة المسكوت عنه منتجاً خطاباً هلامياً خارجاً عن كافة القيم والمتطلبات القويمة لذا نجد مثل هذه العناوين تنعدم في المضمار اللعبي الذي تكونه الدراسات المابيعدية فهو يحاول أن يؤكد هويته الإشهارية عبر الكثير من الأداءات وأن يتيح تياراً خطابياً مختلفاً عمّا موجود في الساحة الفكرية، وقد علق بيير بورديو يافطته الأساس ضمن اشتغالاته والتي كونت منتجاً سلعياً مغايراً لكل ما موجود في الرصيد الثقافي وعليه أخذ الأمر بعداً تداولياً أثث مناخاً ريطورياً ذو بهجة صاغها الوضع الراهن ضمن سجالات وتلاعبات رأس المال المتحكم بكل الأفعال المتواجدة لأن الفعل الإشهارية للمنتج الثقافي لا يمكن أن يتمظهر الا عن طريقه أي (رأس المال). وتؤكد الطاحونة الأكثر عمقاً ونفاذاً في هذا الشيء مجالات جمّه لكونها تبني ثمراً مختلفاً وتسهم في نضوج قوالب كيفما تشاء وهذه السلطة هي الأهم والأنجع بالوقت الراهن لأن كل تداعياتها تعطي تحولاً بنتاج وحياة الشخص.
التراكم المعرفي ليس هو الحل الأمثل لبروز الكاتب ولكن رأس المال هو الداعي الحق في بناء المؤسسة الشخصية ومنها البعد التجييري / الثقافي الذي يكون نظاماً حجاجياً بمكانه بلورة العناصر الإعلامية لتسلط الضوء على تجربته ولتدين له بإنتاج نمط كتابي أكثر وعياً وجمالية مما هو سائد أي أن مرحلة التسويق هي رأس المال الثقافي الذي بالإمكان تدشينه وتأثيث قوالبه لتحاكي ما هو رئيس ومقبول لدى المجتمع.
تتأخذ السلع مفتاحاً مهماً بالإعلان الثقافي الذي من واجبه التشهير بها لتكون مجالاً أكثر رصانة ومقبولية لدى المتسوق / المشاهد لما يعرض, وهذه الثقافة الاحلالية (الإعلانية) تهيء دعماً لوجستياً لأن اللائحة تتضمن يافطات فنية / جمالية تروج لما سيطرح في القادم أي أن هذا الشيء هو المبشر الجديد وله الحق بالتحكم بسلوكيات الموضة المختلفة فلكل مرحلة تبشيرات وإنتاجات مغايرة تساعد على إبراز دلالات بونية.
إن الأيديولوجيا لها تمظهراتها الرئيسة بشأن هذا المفهوم لذا تسهم في بيان دعائمه الأساسية وتعالج هذه المكونات عبر سيستم سياسي / اقتصادي موجه يخدم تطلعاتها التوسعية وهي تفيد من كل الأوجه الخطابية العرضة لما يحفز رغبة الآخر بالشروع لاقتناء المنجز أو السلعة. وفي المسرح تجري مرحلة التشهير هذه لتؤكد إلحاحها لحضور الناس ومشاهدة ما يجول في خطاب العرض، وهذا الإقبال يسهم في قياس وحدة الإيرادات في شباك التذاكر حتى يستطيع المنتج دفع المتراتبات المالية للممثلين وكذلك الديكور وغيره من المستلزمات والإكسسورات العامة ويكون «رأس المال الثقافي قابل للتحويل في ظروف معينة إلى رأس المال الاقتصادي ويمكن أن يؤسس في شكل مؤهلات تعليمية» سهير محمد حواله، رأس المال الاجتماعي، ص516. ومن هنا يتضح وجود مد ثقافي ذي أصول براغماتية يجمع كافة المقومات ويعالجها عبر سلسلة من التموجات الصاعدة والهابطة سوقياً لتؤدي أي دور قطاعي جديد.
يسهم العطب الثقافي في خمول رأس المال هذا لذا يعمد المنتمون لعالم الأموال أن يهيئ الدفة الأصلح لكسب أرزاقهم والتي من الممكن تشكيلها عبر التلفاز كونها الناقل الأكثر تبلوراً ومقبولية لدى الآخرين وهذا يتيح مجالاً لعبياً أكثر وتبلوراً لما يدور تحت هذه الطائلة «إن الثقافة هي ليست ما يكون عليه المرء، بل ما يملكه، أو بالأحرى ما صار يملكه، وأن نتذكر أن الظروف الاجتماعية التي تجعل من الخبرة الجمالية ممكنةً، وتمكن من وجود تلك الكينونات – عشاق الفن، أو أصحاب الذوق» بورديو، الذوق الفني ورأس المال الثقافي، ص127.
من حيث انه نفوذ يقوم على العنف الرمزي ويمارس ضمن علاقة لا يمكنها أن تنتج أثرها الخاص أي الرمز تخصيصا بقدر ما لا يظهر النفوذ التعسفي الذي يجعل الفرض ممكنا (فرض التعسف) على حقيقته (بالمعنى الوارد في القضية ومن حيث انه أيضا ترسيخ لتعسف ثقافي يمارس في إطار علاقة اتصال تربوية لا تنتج أثرها الخاص إلا بقدر ما لا يظهر تعسف مضمون ما يرسخ على حقيقته) يستتبع النشاط التربوي بالضرورة وكشرط اجتماعي لممارسته وجود سلطة تربوية واستقلالية نسبية تتمتع بها المرجعية التي تمارسها. «تتبدى أحدى نقائض الفن الحديث بوصفه فناً خالصاً في واقعة ملموسة: فبمقدار تزايد استقلال الإنتاج الثقافي نرى كذلك الفاصل الزمني الضروري لكي تصل الأعمال إلى أن تفرض على الجمهور (وذلك ضد النقاد في معظم الوقت) معايير إدراكها الخاصة التي تأتي بها معها وهذه الفجوة الزمنية بين العرض والطلب تميل نحو أن تصير سمة مميزة بنيوية لمجال الإنتاج المحدود» بورديو، قواعد الفن، ص127. إن أي تعسف ثقافي يستدعي تعريفا اجتماعيا محددا للنمط الشرعي الذي يتم على أساس فرض نموذج التعسف الثقافي وخاصة لدرجة التمويه والانحجاب التي يمكنا دون أن يبدد ما لهذا النشاط من اثر مخصوص. وهكذا فيما يكفي في بعض المجتمعات أن يلجا المربي إلى التقنيات الواعزة لتنزع عن أهليته تبدو ببساطة العقوبات الجسدية في ثقافة تقليدية حيث لا تخدش مثل هذه الممارسات حقيقة النشاط التربوي الموضوعية الذي يشكل استخدام هذه الوسائل نمطا شرعيا لفرض معاييره.
تتضح العلائق الثقافية من خلال التشتت الواضح لرأس المال المتعالي والمتحكم في التكوينات الإنسانية ذي الحساب الطاغي على الفئات الأخرى لذا نجده متحركاً قائماً على الكثير من الأداءات فأن «رأس المال اللغوي لا يكف يومياً عن مزاولة تأثيره: إن الأسلوب دوماً مأخوذ بالحسبان في كل مستويات المسيرة وفي الدروب الجامعية كلها، وحتى العلمية بدرجات شتى» بورديو، إعادة الإنتاج، ص188. وهذا الأمر يبرز العلائق الثقافية بمنتجات رأس المال مهما اختلفت المكونات التحليلية المفترضة والتي يصعب التعامل معها ضمن أحادية من المفاهيم.
إن مفاعيل أي عمل تربوي ثانوي ينتج ممارسات لا يمكن اختزالها تحت أي ذريعة كانت وتسهم في فضح الإطار المنهجي العام وتمييع المحاصيل الثقافية التي يؤمن بها بنفس القدرة على التحكم رمزياً بعنفها، ولعل الممارسة التربوية هذه تشكل خطاباً سريراً غير معلن عنه لكنه متكشف لدى الجميع فالعنف الرمزي الذي يمارسه التدرسي يكون بمثابة الحلقة الفاصلة بين الشكلين فانتاجاته تقاس بدرجة انتظام نسق الوسائل الضرورية لانجاز العمل التربوي الخاص هو المولد الآخر لسلطة رأس المال ونمطية الترسيخ من الناحية الموضوعية تبرز من خلال ثيمته مبادئ المجموعة المرمزة ومضاعفتها شكلياً لأجل تـأمين صيغ شكلية لقابلية التطبع على الانتشار.
المحاور الأساسية لدى بيير بوريديو
1.العنف الرمزي.
2.مفهوم السلطة الرمزية.
3.التميز.
4.مفهوم الحقل.
5.الهابيتوس.
6.رأس المال الثقافي.
* كاتب من العراق