مضامين خطاب جلالته: الحفاظ على المكتسبات والتمسك بالهوية الوطنية
الأربعاء / 14 / رجب / 1446 هـ - 21:21 - الأربعاء 15 يناير 2025 21:21
في خطاب جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ في ذكرى مرور 5 أعوام على تولي جلالته مقاليد الحكم، استهل - أعزه الله - هذا الخطاب المهم بسعادته عما تحقق من إنجازات عديدة على مختلف الأصعدة، على الأرض العمانية خلال هذه السنوات، التي عمت كافة المحافظات ، سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، أو في مجال التنمية الاجتماعية، إلى جانب استثمارات مهمة في الطرق والمشاريع في البنية الأساسية في العديد من الولايات، والمسيرة منطلقة إلى آفاق رحبة ومتجددة، في النهوض بالتنمية، وتأسيس الكثير من النظم والقوانين التي تكون سياجا لحركة العمل وانسيابها في كل المناشط والفعاليات التي يتم استحداثها، وأهمها تنمية الإنسان العماني في تعليمه وتأهيله وتدريبه على أسس علمية صحيحة مع كل جديد في العلم والتكنولوجيا. وقال جلالته في هذا الخطاب المهم: «إنّه لمن دواعي سُرورِنا أن نحتفلَ معكم في هذا اليومِ من أيامِ عُمانَ المجيدة بالعديدِ من الإنجازاتِ التي تحقّقت في بلادِنا العزيزة خلالَ الأعـوامِ الخمســةِ المــاضية مــن عُمــرِ نهضتِنا المتجدّدة بفضلِ اللهِ تعالى وبجهودِكـــم جـمـيـعًـا. لقد منَّ اللهُ تعالى على هذا البلدِ الطيّبِ - وله عز وجل الحمد والشكر- بنِعَم لا تُعد ولا تُحصـى «وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم»، صدق الله العظيم، وإنَّ مِن شُكْرِ النِّعَم الحفاظَ عليها وصونَها ومن أعظمِ هـذه النِّعــم الأمنُ والأمان فـلا يستقيمُ لأمّـةٍ دونَهُما أمرٌ ولا يَصِـحُّ لدولــةٍ دونَهُـــما اسـتقرارٌ وازدهارٌ. ولقد أثبتَ أبناءُ هذا الوطنِ العزيــزِ عبرَ العصورِ أنهم صفٌّ واحدٌ كالبنيانِ المرصوص يَسيرونَ على بصيرةٍ مصدرُها العقيدةُ السّمحةُ، نابذينَ كلَّ تعصّبٍ رافضينَ كلَّ استقطابٍ يُجزِّئُ الأمّةَ ويَفُتُّ في عَضُدِها مَتمسّكينَ بكلِّ ما يجمعُهُم على الحقِّ مُبادرينَ للخيرِ وثَّـابِـينَ لبناءِ وطنِهم وأمَّتِهم».
وأشاد جلالته بالدور الذي لعبه الأجداد الأفذاذ في فترة تاريخهم التليد، الذين حافظوا على مكانة عُمان واستقلالها كدولة ذات سيادة ، يشار إليها بالبنان بين دول العالم في عصور متعددة، بما تمثله هذه الدولة التاريخية العريقة، من مكانة حضارية وقوة لها تقديرها واحترامها بين دول العالم، وهذا لم يتأت إلا بالجهد والبذل والعطاء، وذكر المؤرخون ما كانت تتمتع به عُمان من قوة عسكرية ضاربة، وإرث تاريخي ممتد الجذور في الجزيرة العربية، وامتدادها في النفوذ إلى مناطق أخرى، وقال جلالته حفظه الله في هذا الصدد: «لقد حافظتْ بلادُنَا العزيزةُ على كَيْنُونَتِها كدولةٍ مستقلةٍ ذاتَ سِيادةٍ عبرَ العصور وقد تعاقبتْ عليها أنماطُ حُكمٍ عديدةٍ أدَّى كلٌّ منها دورَهُ الحضاريّ وأمانتَــهُ التاريخيّةَ وإننا نستذكرُ في هذا اليومِ الأغرِّ قادةَ عُمانَ الأفذاذ على مر التاريخ، قادةً حملوا رايةَ هذا الوطنِ ووحَّدوا أُمَّتَه وصانُوا أرضَه الطاهرةَ ودافعوا عن سيادتِه، ونحمِلُها من بعدهِم على الطريقِ ذاتِـه، معاهدينَ الله عزّ وجــل ألا يُـثـنـيـنــــا عــن عزمِنــــا عــــزمٌ ولا تُشغِلُنا عن مصلحةِ وطنِنا مصلحةٌ، تعضُدُنا في ذلك أمّةٌ مباركةٌ بفضلِ اللهِ مشرَّفَةٌ بدعاءِ نـبـيِّهِ الـكـريـم. إنّهُ لمن دواعي سُرورِنا وتكريمًا لأسلافِنا من السلاطين واستحضارًا ليومٍ مجيدٍ من تاريخِ عمانَ الحافلِ بالأيامِ المشرقةِ أن نُعْلِنَ في هذا المقام بأن يكونَ يومُ العشرينَ من نوفمبر من كلِّ عامٍ يومًا وطنيًّا لسلطنةِ عُمان وهو اليومُ الذي تشرَّفتْ فيه الأسرةُ البوسعيديّة بخدمةِ هذا الوطنِ العزيز منذُ عامِ (1744) ألفٍ وسبعمائةٍ وأربعةٍ وأربعينَ للميلاد على يدِ الإمامِ المؤسّسِ السّيِّد أحمدَ بنِ سعيدٍ البوسعيدي الذي وحَّدَ رايةَ الأمَّــةِ العُمانيــةِ وقـادَ نضالَهـا وتضحياتِهـا الجليلةِ في سبيلِ السّيادةِ الكاملةِ على أرضِ عُمان والحريّةِ والكرامةِ لأبنائِها الكرام وجاءَ من بعدِهِ سلاطينٌ عِظام حملوا رايَتَها بكلِ شجاعةٍ واِقتدار وأكملُوا مسيرَتَها الظافرة بكلِ عزمٍ وإصرار». وتطرق جلالته ـ أعزه الله ـ إلى أهمية هذا الاحتفال، أو الوقفة أو المحطة للاستذكار والفهم العميق لما وضعه الأجداد في سيرتهم المجيدة، وما تركوه من مآثر ناصعة تستحق تخليدها والأخذ من قيمها وسلوكها في العطاء في تلك العصور من تحولات وتغيرات، وكيف تعاملوا مع كل ما يخالف ثقافتهم وقيمهم، وفي الوقت نفسه، أدى أسلوب التعامل الحضاري دورا إيجابيا في قبولهم لما هو جدير بالأخذ والاستيعاب، وأسلم الآلاف من الشعوب بسبب التعامل الراقي، لكن الأخذ بسيرتهم لا يعني أن نكون كما كانوا في حياتهم وطرق معيشتهم، وإنما نستلهم القيم والمبادئ التي ساروا عليها والمثل الجليلة التي تمسكوا بها، وحققوا تقدما ونهضة وردعا للأعداء للدفاع عن استقلالهم، وهذا ما ينبغي الاستفادة منه من أجيالنا الحالية والمستقبلية»، وقال جلالته في هذا الخطاب عن تخليد سير الأسلاف من الأجداد: «إن احتفاءَنا بهذا اليومِ إنما هو تخليدٌ لسِيَرِهم النبيلة ومآثرِهم الجليلة والتزامٌ أكيدٌ منّا بالمبادئ والقِيَمِ التي شَكَّلتْ نسيجَ أُمَّتِنا العُمانية نصونُ وحدَتَها وتماسكَها ونسهرُ على رعايةِ مصالحِ أبنائِها رافضينَ أيَّ مساسٍ بثوابتِها ومقدَّساتِها».
ولا شك أن «رؤية 2040»، التي تم تطبيقها منذ سنوات قليلة، بمقاييس الخطط والبرامج، حققت الكثير من الإنجازات التي وُضعت لها سواء ضمن الخطط الخمسية المنضوية تحتها، أو الخطط كاملة كما حُدد لها، وهي الرؤية التي شارك فيها العمانيون بأنفسهم ومن خلال أفكارهم وأطروحاتهم، وهذا من المقومات اللازمة للنجاح، والعمل مستمر لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الدولة ضمن الخطط والبرامج... وقال جلالته ـ حفظه الله: «شهدت الأعـوامُ المـاضيةُ انطلاقةَ «رؤيةِ عُمان 2040» رؤيةِ العُمانيين جميعًا وطريقِهم الواضحِ نحو المستقبل ولقد حققنا- بحمدِ الله وتوفيقه- أهدافَ هذه المرحلةِ من عُمرِ النهضةِ المتجدِّدة حيث شهدنا- بفضله تعالى- التحسُّنَ المستمرَّ في العديدِ من المـؤشّراتِ الوطنيةِ والدولية التي ما كانت لتتحقّقَ لولا تكاتُفُ الجميعِ ومساندةُ أبناءِ هذا الوطنِ جميعًا لجهودِ الحكومةِ ومساعيها. وسنعمل على مواصلةِ هذا التقدمِ في الأعوامِ القادمةِ- بإذن الله تعالى- بما يُحسِّنُ الخدماتِ المقدّمةِ للمواطنين لتصبحَ في مستوى الجودةِ والكفاءةِ التي يتطلّعون إليها وبما يتيحُ لهم المجال للإسهامِ في تطويرِ منظومةِ الخدماتِ العامة التي نريدُ لها أن تكونَ مجالًا حيويًّا للتميُّزِ الحكومي وركيزةً من ركائزِ التنافسيةِ، وقـد حَرصْنَــا على أنْ يترافقَ هذا التحسّنُ مع التوسّعِ في خدمات البنيةِ الأساسيةِ والمرافقِ الصحيةِ والتعليميةِ وتطويرِ المدنِ المتكاملةِ والمشاريـعِ الاستثماريـةِ الكبرى كلما أتاحتْ لنا الإمكانياتُ الماليةُ ذلك، كما وضعنا الأسسَ لنظامِ إدارةٍ محليّة يُسهِمُ في تسريعِ تنميةِ المحافظات وبناءِ قاعدةٍ اقتصاديّةٍ واعدةٍ فيها وتطويرِ شراكةٍ شـاملةٍ مع الـمجتمع». وأشاد جلالته في هذا الخطاب، بما تحقق من إنجازات وبرامج في المحافظات، منها مشروعات عديدة ونشاطات في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأهداف التي تم اتخاذها ضمن الأولويات لكل محافظة، وأن جلالته كما جاء في هذا الخطاب أكد العزم على منح المحافظات المزيد من الصلاحيات، كما أشاد جلالته بالدور الذي تقوم به الحكومة في مجال التنمية وفتح المجال أمام طاقات الشباب، ومجال الاستثمار وتحريك الأنشطة الاقتصادية والتنموية، وغيرها من الأهداف ، وقال جلالته ـ حفظه الله: «إننا إذ نُشيدُ بما تحقّقَ في هذه المحافظاتِ من مشاريعَ تنمويّة وحَراكٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ لنؤكّدُ عَزْمَنا على مواصلةِ منحِ المحافظاتِ المزيدَ من الصلاحيّاتِ والدّعمِ في مختلفِ القطاعاتِ لتصبحَ مراكزَ اقتصاديّةً تقُودُ النموَّ الاقتصاديّ بالبلادِ، كما أرسينا منظومةً شاملةً للحمايةِ الاجتماعيةِ والتي باشرتْ حكومتُنا العملَ بها ووجّهنا بأن تَتِمَّ مراجعةُ آلياتِها وبرامجِها بين فترةٍ وأخرى لينعمَ الجميعُ بالعيشِ الكريمِ ولتحقيقِ العدالةِ المنشودةِ منها. كما تابعْنا خلالَ الفترةِ المـاضيـة جهودَ الحكومةِ الراميةِ لاستيعابِ طاقاتِ أبنائِنا الشبابِ وفتحِ آفاقِ العملِ والإبداعِ أمامهم، ووجّهْنا مؤسساتِ الدولةِ المعنيةِ بمراجعةِ منظومةِ التشغيلِ وربطِها بالقطاعاتِ الاقـتصــاديةِ والاجتماعيةِ، كما أكّدنا على الحكومةِ بالعملِ الحثيثِ على مواءمةِ مسارِ التنميةِ الاقتصادية في البلادِ وأنظمةِ التعليمِ والتدريبِ مع متطلّباتِ الشّبابِ وتهيئَتِهِم لفرصِ العملِ المناسبةِ لهم بما يخدمُ حاضرَهُم ومستقبلَهُم».
وأشار جلالته في خطابه إلى أهمية تطوير البيئة الاستثمارية والتجارية، باعتبارهما من الضرورات لتحريك الاقتصاد، كما قال جلالته بهدف تهيئة مناخ دافع للتنمية وتعزيزها، وهذا ما سوف تقوم به الدولة وقال جلالته في هذا الصدد: «إِنّ تطويرَ البيئةِ الاستثماريةِ والتجاريةِ تُعدُّ ضرورةً أساسيّةً لدفعِ عجلةِ التنميةِ بالبلاد ولذلك فقد وجّهنا الحكومةَ بتقديمِ المزيدِ من التسهيلاتِ اللازمة والحوافزِ التنافسية والبيئةِ الداعمةِ للاستثمار بما يسهل ممارسةَ الأعمالِ التجاريةِ لضمانِ تنويعِ اقتصادِنا الوطنيِ وتحقيقِ نموٍّ مستدامٍ ولتوفيرِ المزيدِ من فرصِ العملِ في القطاعاتِ الاقتصاديّةِ والخدميّةِ المـختلفة وبما يجعلُ البلادَ وجهةً استثماريّةً جاذبةً وأكثرَ اندماجـًا في منظومةِ الاقتصادِ العالمي ولتحقيقِ هذا الاندماجِ فقد سعتْ حكومتُنا لبناءِ شبكةٍ واسعةٍ من المـوانئ والمناطقِ الحرّةِ والمناطقِ الاقتصاديةِ الخاصةِ والمناطقِ الصناعيةِ المتكاملةِ وتقديمِ الدّعمِ لبرامجِ الابتكارِ وريادةِ الأعمال وصناديقِ الاستثمار الوطنيةِ منها والمشتركة مـع الدولِ الشّقيقةِ والصّديقـة». وتحدث جلالته عن التحديات التي نعيشها ويعيشها العالم في عصرنا الراهن، وتحتم الإدراك الذاتي والصمود أمام هذه التحديات لتعزيز القدرات والإمكانيات للمواجهة وقال جلالته: «إن إدراكَنا لحجمِ التحدّياتِ المحليَّةِ والعالميّة ومعرفتَنا بخارطةِ الصراعاتِ والمصالحِ في العالم وفهمِ طبيعتِها وحدودِ تأثيرِها يُعزِّزُ قدرتَنـا على التّعاملِ معها كفرصٍ مواتيةٍ لتبنِّي سياساتٍ فاعلةٍ لإرساءِ السّلامِ وتنميةِ الاقتصادِ وتعميقِ الشراكاتِ الاستراتيجيةِ القائمةِ على التعاونِ والتكاملِ الاقتصاديِ انطلاقًا من ثوابتِنا ومصالِحنا الـوطنية العُليا. ومِنْ هذا المنطلقِ فإننا ندعو كافةَ دولِ العالم للتضافرِ من أجلِ بناءِ عَالَمٍ تسودُهُ قيمُ الإنسانيةِ والعدالةِ، تُحترَمُ فيهِ مُقدَّساتُ كـلِّ أمَّةٍ وهُويَّتُها ودينُها ومعتقداتُها وأخلاقُها، وكرامةُ الإنسانِ فيه مُصانةٌ وحقوقُهُ مكفولةٌ في عالَمٍ ينشأُ شبابُه في توازنٍ وانسجامٍ بين أساسهِ الروحيِ ومتطلّباتِهِ المـاديـّةِ، وفي هذا الجانبِ فإنّنا نولي أبنـاءَنا مــن الأطفالِ والناشئةِ والشبابِ العنايةَ الكاملةَ والاهـتمامَ المـتـواصلَ».
وأشاد جلالته بالدور الذي لعبه الأجداد الأفذاذ في فترة تاريخهم التليد، الذين حافظوا على مكانة عُمان واستقلالها كدولة ذات سيادة ، يشار إليها بالبنان بين دول العالم في عصور متعددة، بما تمثله هذه الدولة التاريخية العريقة، من مكانة حضارية وقوة لها تقديرها واحترامها بين دول العالم، وهذا لم يتأت إلا بالجهد والبذل والعطاء، وذكر المؤرخون ما كانت تتمتع به عُمان من قوة عسكرية ضاربة، وإرث تاريخي ممتد الجذور في الجزيرة العربية، وامتدادها في النفوذ إلى مناطق أخرى، وقال جلالته حفظه الله في هذا الصدد: «لقد حافظتْ بلادُنَا العزيزةُ على كَيْنُونَتِها كدولةٍ مستقلةٍ ذاتَ سِيادةٍ عبرَ العصور وقد تعاقبتْ عليها أنماطُ حُكمٍ عديدةٍ أدَّى كلٌّ منها دورَهُ الحضاريّ وأمانتَــهُ التاريخيّةَ وإننا نستذكرُ في هذا اليومِ الأغرِّ قادةَ عُمانَ الأفذاذ على مر التاريخ، قادةً حملوا رايةَ هذا الوطنِ ووحَّدوا أُمَّتَه وصانُوا أرضَه الطاهرةَ ودافعوا عن سيادتِه، ونحمِلُها من بعدهِم على الطريقِ ذاتِـه، معاهدينَ الله عزّ وجــل ألا يُـثـنـيـنــــا عــن عزمِنــــا عــــزمٌ ولا تُشغِلُنا عن مصلحةِ وطنِنا مصلحةٌ، تعضُدُنا في ذلك أمّةٌ مباركةٌ بفضلِ اللهِ مشرَّفَةٌ بدعاءِ نـبـيِّهِ الـكـريـم. إنّهُ لمن دواعي سُرورِنا وتكريمًا لأسلافِنا من السلاطين واستحضارًا ليومٍ مجيدٍ من تاريخِ عمانَ الحافلِ بالأيامِ المشرقةِ أن نُعْلِنَ في هذا المقام بأن يكونَ يومُ العشرينَ من نوفمبر من كلِّ عامٍ يومًا وطنيًّا لسلطنةِ عُمان وهو اليومُ الذي تشرَّفتْ فيه الأسرةُ البوسعيديّة بخدمةِ هذا الوطنِ العزيز منذُ عامِ (1744) ألفٍ وسبعمائةٍ وأربعةٍ وأربعينَ للميلاد على يدِ الإمامِ المؤسّسِ السّيِّد أحمدَ بنِ سعيدٍ البوسعيدي الذي وحَّدَ رايةَ الأمَّــةِ العُمانيــةِ وقـادَ نضالَهـا وتضحياتِهـا الجليلةِ في سبيلِ السّيادةِ الكاملةِ على أرضِ عُمان والحريّةِ والكرامةِ لأبنائِها الكرام وجاءَ من بعدِهِ سلاطينٌ عِظام حملوا رايَتَها بكلِ شجاعةٍ واِقتدار وأكملُوا مسيرَتَها الظافرة بكلِ عزمٍ وإصرار». وتطرق جلالته ـ أعزه الله ـ إلى أهمية هذا الاحتفال، أو الوقفة أو المحطة للاستذكار والفهم العميق لما وضعه الأجداد في سيرتهم المجيدة، وما تركوه من مآثر ناصعة تستحق تخليدها والأخذ من قيمها وسلوكها في العطاء في تلك العصور من تحولات وتغيرات، وكيف تعاملوا مع كل ما يخالف ثقافتهم وقيمهم، وفي الوقت نفسه، أدى أسلوب التعامل الحضاري دورا إيجابيا في قبولهم لما هو جدير بالأخذ والاستيعاب، وأسلم الآلاف من الشعوب بسبب التعامل الراقي، لكن الأخذ بسيرتهم لا يعني أن نكون كما كانوا في حياتهم وطرق معيشتهم، وإنما نستلهم القيم والمبادئ التي ساروا عليها والمثل الجليلة التي تمسكوا بها، وحققوا تقدما ونهضة وردعا للأعداء للدفاع عن استقلالهم، وهذا ما ينبغي الاستفادة منه من أجيالنا الحالية والمستقبلية»، وقال جلالته في هذا الخطاب عن تخليد سير الأسلاف من الأجداد: «إن احتفاءَنا بهذا اليومِ إنما هو تخليدٌ لسِيَرِهم النبيلة ومآثرِهم الجليلة والتزامٌ أكيدٌ منّا بالمبادئ والقِيَمِ التي شَكَّلتْ نسيجَ أُمَّتِنا العُمانية نصونُ وحدَتَها وتماسكَها ونسهرُ على رعايةِ مصالحِ أبنائِها رافضينَ أيَّ مساسٍ بثوابتِها ومقدَّساتِها».
ولا شك أن «رؤية 2040»، التي تم تطبيقها منذ سنوات قليلة، بمقاييس الخطط والبرامج، حققت الكثير من الإنجازات التي وُضعت لها سواء ضمن الخطط الخمسية المنضوية تحتها، أو الخطط كاملة كما حُدد لها، وهي الرؤية التي شارك فيها العمانيون بأنفسهم ومن خلال أفكارهم وأطروحاتهم، وهذا من المقومات اللازمة للنجاح، والعمل مستمر لتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الدولة ضمن الخطط والبرامج... وقال جلالته ـ حفظه الله: «شهدت الأعـوامُ المـاضيةُ انطلاقةَ «رؤيةِ عُمان 2040» رؤيةِ العُمانيين جميعًا وطريقِهم الواضحِ نحو المستقبل ولقد حققنا- بحمدِ الله وتوفيقه- أهدافَ هذه المرحلةِ من عُمرِ النهضةِ المتجدِّدة حيث شهدنا- بفضله تعالى- التحسُّنَ المستمرَّ في العديدِ من المـؤشّراتِ الوطنيةِ والدولية التي ما كانت لتتحقّقَ لولا تكاتُفُ الجميعِ ومساندةُ أبناءِ هذا الوطنِ جميعًا لجهودِ الحكومةِ ومساعيها. وسنعمل على مواصلةِ هذا التقدمِ في الأعوامِ القادمةِ- بإذن الله تعالى- بما يُحسِّنُ الخدماتِ المقدّمةِ للمواطنين لتصبحَ في مستوى الجودةِ والكفاءةِ التي يتطلّعون إليها وبما يتيحُ لهم المجال للإسهامِ في تطويرِ منظومةِ الخدماتِ العامة التي نريدُ لها أن تكونَ مجالًا حيويًّا للتميُّزِ الحكومي وركيزةً من ركائزِ التنافسيةِ، وقـد حَرصْنَــا على أنْ يترافقَ هذا التحسّنُ مع التوسّعِ في خدمات البنيةِ الأساسيةِ والمرافقِ الصحيةِ والتعليميةِ وتطويرِ المدنِ المتكاملةِ والمشاريـعِ الاستثماريـةِ الكبرى كلما أتاحتْ لنا الإمكانياتُ الماليةُ ذلك، كما وضعنا الأسسَ لنظامِ إدارةٍ محليّة يُسهِمُ في تسريعِ تنميةِ المحافظات وبناءِ قاعدةٍ اقتصاديّةٍ واعدةٍ فيها وتطويرِ شراكةٍ شـاملةٍ مع الـمجتمع». وأشاد جلالته في هذا الخطاب، بما تحقق من إنجازات وبرامج في المحافظات، منها مشروعات عديدة ونشاطات في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأهداف التي تم اتخاذها ضمن الأولويات لكل محافظة، وأن جلالته كما جاء في هذا الخطاب أكد العزم على منح المحافظات المزيد من الصلاحيات، كما أشاد جلالته بالدور الذي تقوم به الحكومة في مجال التنمية وفتح المجال أمام طاقات الشباب، ومجال الاستثمار وتحريك الأنشطة الاقتصادية والتنموية، وغيرها من الأهداف ، وقال جلالته ـ حفظه الله: «إننا إذ نُشيدُ بما تحقّقَ في هذه المحافظاتِ من مشاريعَ تنمويّة وحَراكٍ اقتصاديٍّ واجتماعيٍّ لنؤكّدُ عَزْمَنا على مواصلةِ منحِ المحافظاتِ المزيدَ من الصلاحيّاتِ والدّعمِ في مختلفِ القطاعاتِ لتصبحَ مراكزَ اقتصاديّةً تقُودُ النموَّ الاقتصاديّ بالبلادِ، كما أرسينا منظومةً شاملةً للحمايةِ الاجتماعيةِ والتي باشرتْ حكومتُنا العملَ بها ووجّهنا بأن تَتِمَّ مراجعةُ آلياتِها وبرامجِها بين فترةٍ وأخرى لينعمَ الجميعُ بالعيشِ الكريمِ ولتحقيقِ العدالةِ المنشودةِ منها. كما تابعْنا خلالَ الفترةِ المـاضيـة جهودَ الحكومةِ الراميةِ لاستيعابِ طاقاتِ أبنائِنا الشبابِ وفتحِ آفاقِ العملِ والإبداعِ أمامهم، ووجّهْنا مؤسساتِ الدولةِ المعنيةِ بمراجعةِ منظومةِ التشغيلِ وربطِها بالقطاعاتِ الاقـتصــاديةِ والاجتماعيةِ، كما أكّدنا على الحكومةِ بالعملِ الحثيثِ على مواءمةِ مسارِ التنميةِ الاقتصادية في البلادِ وأنظمةِ التعليمِ والتدريبِ مع متطلّباتِ الشّبابِ وتهيئَتِهِم لفرصِ العملِ المناسبةِ لهم بما يخدمُ حاضرَهُم ومستقبلَهُم».
وأشار جلالته في خطابه إلى أهمية تطوير البيئة الاستثمارية والتجارية، باعتبارهما من الضرورات لتحريك الاقتصاد، كما قال جلالته بهدف تهيئة مناخ دافع للتنمية وتعزيزها، وهذا ما سوف تقوم به الدولة وقال جلالته في هذا الصدد: «إِنّ تطويرَ البيئةِ الاستثماريةِ والتجاريةِ تُعدُّ ضرورةً أساسيّةً لدفعِ عجلةِ التنميةِ بالبلاد ولذلك فقد وجّهنا الحكومةَ بتقديمِ المزيدِ من التسهيلاتِ اللازمة والحوافزِ التنافسية والبيئةِ الداعمةِ للاستثمار بما يسهل ممارسةَ الأعمالِ التجاريةِ لضمانِ تنويعِ اقتصادِنا الوطنيِ وتحقيقِ نموٍّ مستدامٍ ولتوفيرِ المزيدِ من فرصِ العملِ في القطاعاتِ الاقتصاديّةِ والخدميّةِ المـختلفة وبما يجعلُ البلادَ وجهةً استثماريّةً جاذبةً وأكثرَ اندماجـًا في منظومةِ الاقتصادِ العالمي ولتحقيقِ هذا الاندماجِ فقد سعتْ حكومتُنا لبناءِ شبكةٍ واسعةٍ من المـوانئ والمناطقِ الحرّةِ والمناطقِ الاقتصاديةِ الخاصةِ والمناطقِ الصناعيةِ المتكاملةِ وتقديمِ الدّعمِ لبرامجِ الابتكارِ وريادةِ الأعمال وصناديقِ الاستثمار الوطنيةِ منها والمشتركة مـع الدولِ الشّقيقةِ والصّديقـة». وتحدث جلالته عن التحديات التي نعيشها ويعيشها العالم في عصرنا الراهن، وتحتم الإدراك الذاتي والصمود أمام هذه التحديات لتعزيز القدرات والإمكانيات للمواجهة وقال جلالته: «إن إدراكَنا لحجمِ التحدّياتِ المحليَّةِ والعالميّة ومعرفتَنا بخارطةِ الصراعاتِ والمصالحِ في العالم وفهمِ طبيعتِها وحدودِ تأثيرِها يُعزِّزُ قدرتَنـا على التّعاملِ معها كفرصٍ مواتيةٍ لتبنِّي سياساتٍ فاعلةٍ لإرساءِ السّلامِ وتنميةِ الاقتصادِ وتعميقِ الشراكاتِ الاستراتيجيةِ القائمةِ على التعاونِ والتكاملِ الاقتصاديِ انطلاقًا من ثوابتِنا ومصالِحنا الـوطنية العُليا. ومِنْ هذا المنطلقِ فإننا ندعو كافةَ دولِ العالم للتضافرِ من أجلِ بناءِ عَالَمٍ تسودُهُ قيمُ الإنسانيةِ والعدالةِ، تُحترَمُ فيهِ مُقدَّساتُ كـلِّ أمَّةٍ وهُويَّتُها ودينُها ومعتقداتُها وأخلاقُها، وكرامةُ الإنسانِ فيه مُصانةٌ وحقوقُهُ مكفولةٌ في عالَمٍ ينشأُ شبابُه في توازنٍ وانسجامٍ بين أساسهِ الروحيِ ومتطلّباتِهِ المـاديـّةِ، وفي هذا الجانبِ فإنّنا نولي أبنـاءَنا مــن الأطفالِ والناشئةِ والشبابِ العنايةَ الكاملةَ والاهـتمامَ المـتـواصلَ».