معضلة اليوم التالي
الثلاثاء / 13 / رجب / 1446 هـ - 22:08 - الثلاثاء 14 يناير 2025 22:08
لوزير خارجية سلطنة عُمان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي تصريح لافت ومتقدم ويتناغم بشكل أو بآخر مع آمال وتطلعات الشعوب العربية والفلسطينيين بشكل خاص.. تصريح معالي السيد جاء بعد سؤال حول اليوم التالي في غزة؟ وقال: إن سلطنة عمان تؤمن بأن فلسطين هي للفلسطينيين، أولًا وثانيًا وثالثًا وأخيرًا. ويرى بأنه لا حاجة لإرسال قوات خارجية إلى غزة أو لغير غزة وأن فلسطين فيها من الكفاءات والقدرات والإمكانيات التي تمكنها من إدارة أراضيها.
اليوم التالي، يكاد يكون أكثر الجمل تداولًا منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو كالعديد من المصطلحات الجديدة التي أدخلتها غزة إلى قواميس العالم. عمليا يأتي اليوم التالي بعد حدث جلل أو تغيير جوهري أو بعد كارثة أو تحول استراتيجي، وهو اليوم الذي تعود فيه الأمور إلى سابقها وهو في الحقيقة قد يشكل مشكلة عويصة غير محسوبة يقع فيها الكثيرون. وغالباً ما يتم ترسيم الخطط بالتفصيل الدقيق والممل أيضًا، إلا أن التنفيذ غالبًا لا يكون ضمن الخطط أو يتم التغافل عنه أو نسيانه أو حتى يؤكل لجهات أخرى غير التي نفذت العملية أو المهمة، وتلك معضلة بحد ذاتها يقع فيها الكثيرون: أفرادا أو مؤسسات أو منظمات وحتى دول. معضلة اليوم التالي تقع دائمًا بعد كل مغامرة غير محسوبة النتائج أو قد تأتي لعمل يأتي غفلة أو بشكل مفاجئ، وأذكر في هذا الصدد تلك المعضلة التي وقعت فيها أمريكا عندما غزت العراق عام ٢٠٠٣ معتقدين أن العراقيين سيستقبلونهم بالورود، إذ لم تكن قد وضعت خطط لما بعد الحرب، لذلك كانت متخبطة في القرارات التي اتخذتها مثل تسريح الجيش العراقي أو قانون اجتزاز البعث وإدارة الدولة عن طريق مغامر أمريكي وكانت كارثية على العراق والمنطقة بأجمعها.
في حرب الإبادة على غزة يفترض أن يكون اليوم التالي اليوم الذي يأتي بعد وقف المذابح والمجازر والإبادة الإسرائيلية في حق أهل غزة. ونظرًا إلى سهولة شن الحرب والمجازر، إلا أن التساؤل الذي بات يطرح ماذا بعد تلك المجازر؟
تتمثل معضلة اليوم التالي وتتمحور حول الوضع السياسي لإدارة غزة ومستقبل حماس. ما بين المجتمع الدولي بشكل وإسرائيل وداعميها وعلى رأسهم أمريكا تصورات وخطط وبرامج.
العدو الصهيوني وكعادته يبدو أنه لا يوجد في قاموسه اليوم التالي وإن كان يتحدث به بعض الأحيان لكن ذلك لم يكن إلا ذر الرماد في العيون، وفي الحقيقة هو يبيت ليس فقط لضم غزة وحدها ولكن الضفة الغربية وربما أجزاء من دول عربية أخرى وذلك ما يظهر على فترات من خلال التصريحات أو مؤخرًا نشرة بعض الخرائط التي تضم أجزاء كبيرة من الدول العربية ويتم ترويج ما يسمى بإسرائيل الكبرى وقد يبدو ذلك يتناغم مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وربما بتحريض ودعم منه ومؤيديه الأشرار. أنتوني بلينكن وزير خارجية أمريكا يصف خطة اليوم بأنها «أسرع طريقة لإنهاء الحرب على غزة»، وقال: «عمِلنا على خطة اليوم التالي لحرب غزة مع عدد من الشركاء».
وتقوم هذه الخطة بحسب ما تريده أمريكا بأن تنطلق من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، دون التطرق إلى نهاية الحرب بشكل كامل أو عودة النازحين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مع التركيز على إيجاد بديل لحكم «حماس»، وهو الجانب المخفي من الخطة، التي تهدف إلى إزاحة حماس من غزة ومن المشهد الفلسطيني بشكل عام وتسعى إلى عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع. كل ذلك تحت عنوان: «لا مكان لـ(حماس) في حكم غزة»، بينما تتضمن السيناريوهات المطروحة عودةَ السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع، أو تسليمَ الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى الإشراف المصري المشترك مع قوة سلام دولية. بينما يصرح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنه سيفتح الجحيم في الشرق الأوسط ما لم يطلق سراح الرهائن. هكذا بدون أي شوط أو مقدمات.
أين الدول العربية من كل هذا؟ للإجابة على هذا السؤال قد لا نحتاج إلى تفكير وبحث واستخلاص، فالعرب وللأسف لم يقدموا شيئا وارتضوا أن يتقمصوا الدور الوظيفي الذي أوكل لهم. واليوم التالي لدى بعض العرب، هو ما يتم تداوله عن قوات عربية تُرسل لغزة لضبط الأمن ومن ذلك ما يتسرب بموافقة بعض دول الخليج العربي على ابتعاث قوات لضبط الأمن في القطاع. رغم أن بعض المسؤولين العرب صرحوا بأنه ليس من مهمتهم تنظيف ما تخلفه إسرائيل من دمار. فيما أعلنت وسائل إعلام عبرية عن دولة خليجية صاغت خطة لإدارة قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل تتضمن إنشاء مجلس انتقالي يضم ٢٠ عضوا.
واعتبر معالي السيد بدر البوسعيدي بأن الدول المحبة لفلسطين والسلام تستطيع أن تساعد الفلسطينيين عبر تمويل وتوفير الإمكانيات وعبر القيام بعمل دبلوماسي وسياسي كبير. وأكد قائلا: محصلة القول النهائية هي أن فلسطين للفلسطينيين، وأن الحل الأمثل لهذه القضية هو الحل القائم على إرادة الشعب الفلسطيني وعلى قواعد الشرعية الدولية التي حددت في الكثير من قرارات مجلس الأمن وفي مبادرة السلام العربي.
معضلة الغرب بقيادة أمريكا ما زالت تسيطر على عقليته نظرية الاستعلاء ولا ينظر للعرب إلا باحتقار وبأنهم شعوب لا تستطيع تدبير أنفسهم وإن تركوا هكذا فإنهم قد يشكلون خطراً على الحضارة الإنسانية، لذلك لابد من حكمهم مباشرة باحتلال أراضيهم أو غير مباشر بواسطة عملاء، فهم بالأحرى لا يستطيعون رسم سياسة مستقبلية لحكم غزة، لذلك تم الترويج لنظرية اليوم التالي وقد شارك بعض العرب للأمانة، في ترسيخ هذه النظرية إدراكاً منهم بأن ما يسمى بالمجتمع الدولي هو منبع الإنسانية والأخلاق والتعاون الذي يهدف إلى إرساء السلم والأمن الدولي ومساندة الشعوب المقهورة. لكن في الحقيقة حرب غزة وقبلها الكثير كشفت الغرب بأكمله وكشفت كذلك مدى التواطؤ من البعض فيما يتعرض له الفلسطينيون. الغرب ما زال تهيمن عليه عقلية المنتصر والمتفوق، ينظر لنا نحن العرب بأننا لم نتجاوز سن الرشد. ويحتاج من يأخذ بأيدينا ويرشدنا.
بينما يقف العرب كعادتهم مختلفين لا يقدمون حلولا وإن قدموا لا مجيب لهم. كلنا يدرك أن المسؤولين العرب لا يملكون غير التنظير والتصريحات، لكن هذا التنظير العربي يحتاج إلى أفعال تترجم على أرض الواقع، والخوف كل الخوف من أن هذه التصريحات فقط تطلق للاستهلاك الإعلامي وتمرير أجندات أخرى من تحت الطاولات. ومن مفارقات القدر والعجائب أن تطالب دول عربية السلطة الفلسطينية بالإصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد والمشاركة المجتمعية.
الخروج من ذلك المأزق ومن تلك المعضلة يتطلب الكثير من العمل والمصداقية وإحقاق الحق والمساواة بين أبناء البشر والبعد كل البعد عن محاباة إسرائيل كدولة فوق القانون، يجب أن يعود الغرب إلى رشده ويتبنى القيم الإنسانية وحقوق الإنسان كما هي واردة في دساتيره وكما هي شعاراته. أما نحن العرب فتلك حكاية أخرى.
اليوم التالي، يكاد يكون أكثر الجمل تداولًا منذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو كالعديد من المصطلحات الجديدة التي أدخلتها غزة إلى قواميس العالم. عمليا يأتي اليوم التالي بعد حدث جلل أو تغيير جوهري أو بعد كارثة أو تحول استراتيجي، وهو اليوم الذي تعود فيه الأمور إلى سابقها وهو في الحقيقة قد يشكل مشكلة عويصة غير محسوبة يقع فيها الكثيرون. وغالباً ما يتم ترسيم الخطط بالتفصيل الدقيق والممل أيضًا، إلا أن التنفيذ غالبًا لا يكون ضمن الخطط أو يتم التغافل عنه أو نسيانه أو حتى يؤكل لجهات أخرى غير التي نفذت العملية أو المهمة، وتلك معضلة بحد ذاتها يقع فيها الكثيرون: أفرادا أو مؤسسات أو منظمات وحتى دول. معضلة اليوم التالي تقع دائمًا بعد كل مغامرة غير محسوبة النتائج أو قد تأتي لعمل يأتي غفلة أو بشكل مفاجئ، وأذكر في هذا الصدد تلك المعضلة التي وقعت فيها أمريكا عندما غزت العراق عام ٢٠٠٣ معتقدين أن العراقيين سيستقبلونهم بالورود، إذ لم تكن قد وضعت خطط لما بعد الحرب، لذلك كانت متخبطة في القرارات التي اتخذتها مثل تسريح الجيش العراقي أو قانون اجتزاز البعث وإدارة الدولة عن طريق مغامر أمريكي وكانت كارثية على العراق والمنطقة بأجمعها.
في حرب الإبادة على غزة يفترض أن يكون اليوم التالي اليوم الذي يأتي بعد وقف المذابح والمجازر والإبادة الإسرائيلية في حق أهل غزة. ونظرًا إلى سهولة شن الحرب والمجازر، إلا أن التساؤل الذي بات يطرح ماذا بعد تلك المجازر؟
تتمثل معضلة اليوم التالي وتتمحور حول الوضع السياسي لإدارة غزة ومستقبل حماس. ما بين المجتمع الدولي بشكل وإسرائيل وداعميها وعلى رأسهم أمريكا تصورات وخطط وبرامج.
العدو الصهيوني وكعادته يبدو أنه لا يوجد في قاموسه اليوم التالي وإن كان يتحدث به بعض الأحيان لكن ذلك لم يكن إلا ذر الرماد في العيون، وفي الحقيقة هو يبيت ليس فقط لضم غزة وحدها ولكن الضفة الغربية وربما أجزاء من دول عربية أخرى وذلك ما يظهر على فترات من خلال التصريحات أو مؤخرًا نشرة بعض الخرائط التي تضم أجزاء كبيرة من الدول العربية ويتم ترويج ما يسمى بإسرائيل الكبرى وقد يبدو ذلك يتناغم مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وربما بتحريض ودعم منه ومؤيديه الأشرار. أنتوني بلينكن وزير خارجية أمريكا يصف خطة اليوم بأنها «أسرع طريقة لإنهاء الحرب على غزة»، وقال: «عمِلنا على خطة اليوم التالي لحرب غزة مع عدد من الشركاء».
وتقوم هذه الخطة بحسب ما تريده أمريكا بأن تنطلق من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة بين إسرائيل وحركة «حماس»، دون التطرق إلى نهاية الحرب بشكل كامل أو عودة النازحين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مع التركيز على إيجاد بديل لحكم «حماس»، وهو الجانب المخفي من الخطة، التي تهدف إلى إزاحة حماس من غزة ومن المشهد الفلسطيني بشكل عام وتسعى إلى عودة السلطة الفلسطينية لحكم القطاع. كل ذلك تحت عنوان: «لا مكان لـ(حماس) في حكم غزة»، بينما تتضمن السيناريوهات المطروحة عودةَ السلطة الفلسطينية إلى حكم القطاع، أو تسليمَ الحكم لحكومة تكنوقراط، أو حتى الإشراف المصري المشترك مع قوة سلام دولية. بينما يصرح الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنه سيفتح الجحيم في الشرق الأوسط ما لم يطلق سراح الرهائن. هكذا بدون أي شوط أو مقدمات.
أين الدول العربية من كل هذا؟ للإجابة على هذا السؤال قد لا نحتاج إلى تفكير وبحث واستخلاص، فالعرب وللأسف لم يقدموا شيئا وارتضوا أن يتقمصوا الدور الوظيفي الذي أوكل لهم. واليوم التالي لدى بعض العرب، هو ما يتم تداوله عن قوات عربية تُرسل لغزة لضبط الأمن ومن ذلك ما يتسرب بموافقة بعض دول الخليج العربي على ابتعاث قوات لضبط الأمن في القطاع. رغم أن بعض المسؤولين العرب صرحوا بأنه ليس من مهمتهم تنظيف ما تخلفه إسرائيل من دمار. فيما أعلنت وسائل إعلام عبرية عن دولة خليجية صاغت خطة لإدارة قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل تتضمن إنشاء مجلس انتقالي يضم ٢٠ عضوا.
واعتبر معالي السيد بدر البوسعيدي بأن الدول المحبة لفلسطين والسلام تستطيع أن تساعد الفلسطينيين عبر تمويل وتوفير الإمكانيات وعبر القيام بعمل دبلوماسي وسياسي كبير. وأكد قائلا: محصلة القول النهائية هي أن فلسطين للفلسطينيين، وأن الحل الأمثل لهذه القضية هو الحل القائم على إرادة الشعب الفلسطيني وعلى قواعد الشرعية الدولية التي حددت في الكثير من قرارات مجلس الأمن وفي مبادرة السلام العربي.
معضلة الغرب بقيادة أمريكا ما زالت تسيطر على عقليته نظرية الاستعلاء ولا ينظر للعرب إلا باحتقار وبأنهم شعوب لا تستطيع تدبير أنفسهم وإن تركوا هكذا فإنهم قد يشكلون خطراً على الحضارة الإنسانية، لذلك لابد من حكمهم مباشرة باحتلال أراضيهم أو غير مباشر بواسطة عملاء، فهم بالأحرى لا يستطيعون رسم سياسة مستقبلية لحكم غزة، لذلك تم الترويج لنظرية اليوم التالي وقد شارك بعض العرب للأمانة، في ترسيخ هذه النظرية إدراكاً منهم بأن ما يسمى بالمجتمع الدولي هو منبع الإنسانية والأخلاق والتعاون الذي يهدف إلى إرساء السلم والأمن الدولي ومساندة الشعوب المقهورة. لكن في الحقيقة حرب غزة وقبلها الكثير كشفت الغرب بأكمله وكشفت كذلك مدى التواطؤ من البعض فيما يتعرض له الفلسطينيون. الغرب ما زال تهيمن عليه عقلية المنتصر والمتفوق، ينظر لنا نحن العرب بأننا لم نتجاوز سن الرشد. ويحتاج من يأخذ بأيدينا ويرشدنا.
بينما يقف العرب كعادتهم مختلفين لا يقدمون حلولا وإن قدموا لا مجيب لهم. كلنا يدرك أن المسؤولين العرب لا يملكون غير التنظير والتصريحات، لكن هذا التنظير العربي يحتاج إلى أفعال تترجم على أرض الواقع، والخوف كل الخوف من أن هذه التصريحات فقط تطلق للاستهلاك الإعلامي وتمرير أجندات أخرى من تحت الطاولات. ومن مفارقات القدر والعجائب أن تطالب دول عربية السلطة الفلسطينية بالإصلاح والديمقراطية ومحاربة الفساد والمشاركة المجتمعية.
الخروج من ذلك المأزق ومن تلك المعضلة يتطلب الكثير من العمل والمصداقية وإحقاق الحق والمساواة بين أبناء البشر والبعد كل البعد عن محاباة إسرائيل كدولة فوق القانون، يجب أن يعود الغرب إلى رشده ويتبنى القيم الإنسانية وحقوق الإنسان كما هي واردة في دساتيره وكما هي شعاراته. أما نحن العرب فتلك حكاية أخرى.