الشعر العربي بين الثبات والتحول .. ندوة فكرية بمهرجان الشارقة للشعر العربي "21"
الجمعة / 9 / رجب / 1446 هـ - 17:35 - الجمعة 10 يناير 2025 17:35
شهد مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الحادية والعشرين ندوة فكرية حملت عنوان 'الشعر العربي من الثبات إلى التحول'، والتي أُقيمت على جلستين في قصر الثقافة بالشارقة. تناولت الندوة قضايا نقدية متنوعة وسلطت الضوء على تطور الشعر العربي وأبعاده الحضارية، بحضور عدد كبير من الشعراء والمهتمين بالشعر والنقد.
ففي الجلسة الأولى التي ترأستها الناقدة التونسية الدكتورة سماح حمدي، شارك كل من الدكتور محمد أبو الشوارب (مصر)، والدكتور سلطان الزغول (الأردن)، واطتور ولد متالي لمرابط (موريتانيا),
وافتتح الدكتور محمد أبو الشوارب النقاش بورقة بحثية حملت عنوان 'أوّلية الشعر العربي'، تناول فيها رحلة الشعر العربي منذ بداياته الأولى، واستعرض تاريخ نشأة القصيدة العربية وتطور بنيتها الفنية، محللاً العناصر اللغوية والصورية والشكلية التي شكلت أساسها. خلص أبو الشوارب إلى أن القيم الخلقية والاجتماعية كانت ركيزة أساسية لإنتاج الخطاب الشعري العربي منذ مراحله الأولى، مما أسهم في بروز هذه السمات في مرحلة مبكرة من تاريخ الأدب العربي.
ثم قدم الدكتور سلطان الزغول ورقته البحثية بعنوان 'التناص الشعري بين القديم والحديث'، حيث استعرض تأثير النصوص الشعرية القديمة في التجارب المعاصرة. وأشار إلى أهمية التناص بوصفه آلية إبداعية استلهم من خلالها الشعراء المعاصرون التراث الشعري العربي لإعادة إنتاجه في سياقات جديدة تعكس هموم العصر وتحدياته. وأكد الزغول على ضرورة وعي الشاعر بالتاريخ الأدبي لتطوير نصوص تحمل طابعاً أصيلاً ومتجدداً.
أما الباحث الموريتاني الدكتور ولد متالي لمرابط، فقد تناول في ورقته 'الرمز وتحوّل الدلالات' دور الرمزية في الشعر العربي المعاصر. استعرض قيمة الانزياح والغموض والمفارقة في إثراء النصوص الشعرية، وأوضح أن الرمزية باتت سمة بارزة في تجارب الشعراء العرب المعاصرين نتيجة لعوامل فنية وثقافية وتجريبية متعددة.
وفي الجلسة الثانية، التي أدارها الشاعر العماني عبدالرزاق الربيعي، شارك كل من الدكتور عبدالله الخضير (السعودية) والدكتورة إيمان عصام خلف (مصر).
واستهل الدكتور عبدالله الخضير النقاش بورقة بعنوان 'العتبات النصية من التقليد إلى التجديد'، حيث تناول مفهوم العتبات النصية ودورها كمدخل لفهم النصوص الأدبية. وأشار إلى أن النقاد العرب القدامى اهتموا بما يُعرف بالرؤوس الثمانية في مؤلفاتهم، والتي تُعادل مفهوم العتبات في النقد الحديث. وبيّن الخضير أن العتبات النصية في الدراسات النقدية المعاصرة تُعد امتداداً لدراسات ما بعد البنيوية، حيث يُنظر إلى النصوص كبنى مفتوحة قابلة للتأويل والقراءة المتعددة.
ثم قدمت الدكتورة إيمان عصام خلف ورقتها البحثية بعنوان 'القصيدة وتحولات وسائط النشر والتلقي'، حيث ركزت على المراحل المختلفة التي مر بها الشعر العربي، بدءاً من الشفاهية وصولاً إلى النشر الرقمي. وأوضحت أن التحولات التكنولوجية أسهمت في إعادة تشكيل العلاقة بين الشاعر والجمهور، حيث أتاح الفضاء الرقمي للشعراء الوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تفاعلاً. كما أكدت أن النشر الرقمي أضاف أبعاداً جديدة للقصيدة العربية، مما جعلها أكثر تفاعلاً وحيوية مع مستجدات العصر.
ناقش المشاركون في الندوة عدة محاور رئيسية، من بينها تأثير التراث العربي القديم في تشكيل النصوص الشعرية المعاصرة، ودور الرمزية والدلالات في إضفاء العمق على النصوص الشعرية، وأهمية العتبات النصية في الدراسات النقدية الحديثة.، إضافة إلى التحولات التي طرأت على القصيدة العربية بفعل التكنولوجيا، بدءاً من الشفاهية وصولاً إلى العصر الرقمي.
أكد الباحثون أن الشعر العربي ظل عبر العصور قادراً على تحقيق توازن بين ثباته على القيم الجمالية والأخلاقية، وبين تحوله استجابة للتطورات الثقافية والاجتماعية. كما أشاروا إلى أن التكنولوجيا الحديثة فتحت آفاقاً غير مسبوقة لنشر الشعر وتلقيه، مما أسهم في تعزيز التفاعل بين النصوص وجمهورها.
واختتمت الندوة بتفاعل الحضور الذين أبدوا اهتماماً كبيراً بالمداخلات القيمة التي قدمها الباحثون. وقد عكست الندوة حرص مهرجان الشارقة للشعر العربي على تعزيز الحوار النقدي والإبداعي حول الشعر العربي وقضاياه المختلفة، بما يعزز مكانته كرافد أساسي للحضارة الإنسانية.