في السجون وأدبها
الثلاثاء / 22 / جمادى الآخرة / 1446 هـ - 21:48 - الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 21:48
اقترنت كلمة السجن بالخطيئة والذنب، وعلى مرّ التاريخ أصبحت السجون مرادفًا للعقاب والقمع والتعذيب فـي كثير من دول العالم لا سيما الدول التي تحوي أنظمتها السياسية القليل من الحريات والكثير من القمع والتعذيب والوحشية، وللفت انتباه القارئ هنا فإنني لن أتحدث عن السجون الطبيعية التي يحاكم فـيها المجرمون والخارجون عن القانون حتى وإن كانت قسوتها قد بلغت حدًّا بعيدًا، لكنني هنا سأسلّط بعض الضوء على السجون التي شهدت الكثير من الأحداث العسكرية والسياسية وعرفها الناس من خلال ما كُتب عن هذه السجون من كتابات وثّقت لشناعة وفظاعة تلك السجون، وأصبحت مثالًا للوحشية التي تنتهجها الحكومات الديكتاتورية فـي سبيل قمعها لخصومها من السياسيين والعسكريين وممن يشتبه بهم فـي الوقوف فـي وجه تلك الأنظمة الديكتاتورية.
سأبدأ بالحديث من نهاية السلسلة وتحديدا من السجون السورية التي باتت اليوم حديث العالم ومثالا على القسوة والشناعة وارتبطت بسمعتها السيئة فـي الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان من خلال شهادات قدمها بعض المعتقلين السياسيين ممن كُتبت لهم النجاة والخروج من تلك السجون فأصبحت شهاداتهم شاهدًا على المجازر الوحشية التي ارتكبها النظام الراحل من قتل وتعذيب لا إنساني للمعتقلين وعائلاتهم وارتكاب لجرائم قتل متعمد وإعدامات للمعتقلين بسبب كثرة التعذيب أو لأسباب كما ذكرها بعض الناجين إنما هي لمجرد إقامة حفلات للإعدام يتسلى بها السجان نفسه.
«القوقعة، يوميات متلصص» تعَد من أشهر الروايات التي كُتبت عن السجون السورية وتحديدا سجنَي تدمر وصيدنايا، ويتحدث فـيها كاتبها مصطفى خليفة وهو الناجي من الموت المحقق قصته مع تلك السجون بعد أن قضى ما يربو على الـ13 عامًا سجينًا فـي تلك السجون بتهمة انتمائه لتنظيم إسلامي محظور رغم أنه مسيحي ولا يمتُّ للإسلام بصلة.
الرواية تدور حول شاب درس السينما فـي فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقل فـي المطار ليقضي ثلاثة عشر عاما من عمره فـي سجن تدمر الصحراوي وتعرض الرواية تفاصيل التعذيب فـي سجون النظام السوري فـي ذلك الوقت ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي، والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.
لست بصدد سرد كثير من تفاصيل الرواية وأحداثها المؤلمة ويمكن الرجوع إليها وقراءتها كبرهان على دموية ووحشية التعذيب الذي تعرّض له الكاتب وباقي المعتقلين، وهذا أيضا ما يتقاسمه معه زميله الكاتب والروائي محمد برو فـي كتابه الرائع «ناجٍ من المقصلة: ثمانية أعوام فـي سجن تدمر» والذي سطر فـيه تجربته فـي ذلك السجن حين دخله وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة بتهمة اطّلاعه على منشور إسلامي كما يقول فـي كتابه. ويوثق برو فـي كتابه بعضًا من الحكايات المخفـية أو المسكوت عنها عن أهوال التعذيب فـي السجون السورية وتجربته الشخصية فـي الاعتقال والظروف السيئة التي عاشها فـي سجن تدمر وأساليب التعذيب الوحشي التي كانت تمارَس ضدهم وحتى مع كونهم أطفالا صغارًا لم يشفع لهم ذلك فـي تخفـيف بعضٍ من العذاب عليهم. ومن الكتب التي وثّقت أدب السجون رواية «قضبان الربيع» لعبدالله اليبرودي والصادرة مؤخرا عن الدار العربية للعلوم يستعرض فـيها رحلته فـي المعتقلات السورية، حيث تنقّل خلالها بين فروع سجون المخابرات والأمن إلى سجن صيدنايا بعد أن ألقي القبض عليه عائدًا إلى بلاده من الخارج وتوجيه تهم المشاركة فـي التظاهر ضد النظام القائم وهو ما أودى به إلى السجن بتهم الخيانة وتعرّضه للكثير من أنواع التعذيب تتشابه مع ما ذكره الكاتبان السابقان فـي روايتيهما من حيث الفظاعة والقسوة وعدم احترام للإنسانية.
الحديث عن السجون وآدابها يحتاج إلى مؤلفات كثيرة وقد كتب عنها الكثير خصوصًا فـي عالمنا العربي فهنالك الكثير من الأدباء والشعراء والروائيين ممن كتبوا فـي أدب السجون نذكر منهم رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف تناول فـيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس الذي تعرّض للسجن والتعذيب على مدار خمس سنوات تحطَّمت فـيها روحه. كذلك أيضا هنالك كتاب «مذكراتي فـي سجن النساء» للدكتورة نوال السعداوي حيث تروي تجربتها فـي سجن القناطر المصري بعد إلقاء القبض عليها فـي موجة اعتقالات واسعة فـيما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات فـي الشهور الأخيرة من حكمه.
فـي الأدب العالمي يبرز سجن الباستيل كرمز على القمع الوحشي الملكي فـي فرنسا قبل أن يتحول إلى أيقونة للثورة الفرنسية وسجّل الفـيلسوف الفرنسي فولتير تجربته فـي ذلك السجن حين كان أحد نزلائه ووصفه بأنه رمز لطغيان النظام الملكي الفرنسي.
هنالك سجون اكتسبت شهرة سيئة بفعل ممارساتها الوحشية ضد السجناء أبرزها فـي العصر الحديث «سجن أبو غريب» فـي العراق حيث أصبح رمزًا عالميًّا للوحشية والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، خاصة خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003. وأيضا سجن جوانتنامو الواقع فـي خليج جوانتنامو بكوبا، هو واحد من أكثر السجون إثارة للجدل فـي العصر الحديث. أُنشئ السجن عام 2002 فـي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، كجزء من «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة. أصبح السجن رمزًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
تعداد السجون سيئة السمعة يحتاج إلى مجلدات وما يرويه من خرجوا منها أحياء ما هي إلا غيض من فيض من الممارسات الوحشية التي يمارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان، وتبقى التدوينات الإنسانية فـي أدب السجون شاهدًا على فظاعة ما تقوم به الدول من انتهاكات لحرم الإنسان الذي كرمه الله.
سأبدأ بالحديث من نهاية السلسلة وتحديدا من السجون السورية التي باتت اليوم حديث العالم ومثالا على القسوة والشناعة وارتبطت بسمعتها السيئة فـي الوحشية وانتهاك حقوق الإنسان من خلال شهادات قدمها بعض المعتقلين السياسيين ممن كُتبت لهم النجاة والخروج من تلك السجون فأصبحت شهاداتهم شاهدًا على المجازر الوحشية التي ارتكبها النظام الراحل من قتل وتعذيب لا إنساني للمعتقلين وعائلاتهم وارتكاب لجرائم قتل متعمد وإعدامات للمعتقلين بسبب كثرة التعذيب أو لأسباب كما ذكرها بعض الناجين إنما هي لمجرد إقامة حفلات للإعدام يتسلى بها السجان نفسه.
«القوقعة، يوميات متلصص» تعَد من أشهر الروايات التي كُتبت عن السجون السورية وتحديدا سجنَي تدمر وصيدنايا، ويتحدث فـيها كاتبها مصطفى خليفة وهو الناجي من الموت المحقق قصته مع تلك السجون بعد أن قضى ما يربو على الـ13 عامًا سجينًا فـي تلك السجون بتهمة انتمائه لتنظيم إسلامي محظور رغم أنه مسيحي ولا يمتُّ للإسلام بصلة.
الرواية تدور حول شاب درس السينما فـي فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقل فـي المطار ليقضي ثلاثة عشر عاما من عمره فـي سجن تدمر الصحراوي وتعرض الرواية تفاصيل التعذيب فـي سجون النظام السوري فـي ذلك الوقت ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي، والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.
لست بصدد سرد كثير من تفاصيل الرواية وأحداثها المؤلمة ويمكن الرجوع إليها وقراءتها كبرهان على دموية ووحشية التعذيب الذي تعرّض له الكاتب وباقي المعتقلين، وهذا أيضا ما يتقاسمه معه زميله الكاتب والروائي محمد برو فـي كتابه الرائع «ناجٍ من المقصلة: ثمانية أعوام فـي سجن تدمر» والذي سطر فـيه تجربته فـي ذلك السجن حين دخله وعمره لا يتجاوز السابعة عشرة بتهمة اطّلاعه على منشور إسلامي كما يقول فـي كتابه. ويوثق برو فـي كتابه بعضًا من الحكايات المخفـية أو المسكوت عنها عن أهوال التعذيب فـي السجون السورية وتجربته الشخصية فـي الاعتقال والظروف السيئة التي عاشها فـي سجن تدمر وأساليب التعذيب الوحشي التي كانت تمارَس ضدهم وحتى مع كونهم أطفالا صغارًا لم يشفع لهم ذلك فـي تخفـيف بعضٍ من العذاب عليهم. ومن الكتب التي وثّقت أدب السجون رواية «قضبان الربيع» لعبدالله اليبرودي والصادرة مؤخرا عن الدار العربية للعلوم يستعرض فـيها رحلته فـي المعتقلات السورية، حيث تنقّل خلالها بين فروع سجون المخابرات والأمن إلى سجن صيدنايا بعد أن ألقي القبض عليه عائدًا إلى بلاده من الخارج وتوجيه تهم المشاركة فـي التظاهر ضد النظام القائم وهو ما أودى به إلى السجن بتهم الخيانة وتعرّضه للكثير من أنواع التعذيب تتشابه مع ما ذكره الكاتبان السابقان فـي روايتيهما من حيث الفظاعة والقسوة وعدم احترام للإنسانية.
الحديث عن السجون وآدابها يحتاج إلى مؤلفات كثيرة وقد كتب عنها الكثير خصوصًا فـي عالمنا العربي فهنالك الكثير من الأدباء والشعراء والروائيين ممن كتبوا فـي أدب السجون نذكر منهم رواية شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف تناول فـيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس الذي تعرّض للسجن والتعذيب على مدار خمس سنوات تحطَّمت فـيها روحه. كذلك أيضا هنالك كتاب «مذكراتي فـي سجن النساء» للدكتورة نوال السعداوي حيث تروي تجربتها فـي سجن القناطر المصري بعد إلقاء القبض عليها فـي موجة اعتقالات واسعة فـيما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات فـي الشهور الأخيرة من حكمه.
فـي الأدب العالمي يبرز سجن الباستيل كرمز على القمع الوحشي الملكي فـي فرنسا قبل أن يتحول إلى أيقونة للثورة الفرنسية وسجّل الفـيلسوف الفرنسي فولتير تجربته فـي ذلك السجن حين كان أحد نزلائه ووصفه بأنه رمز لطغيان النظام الملكي الفرنسي.
هنالك سجون اكتسبت شهرة سيئة بفعل ممارساتها الوحشية ضد السجناء أبرزها فـي العصر الحديث «سجن أبو غريب» فـي العراق حيث أصبح رمزًا عالميًّا للوحشية والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، خاصة خلال فترة الاحتلال الأمريكي للعراق بعد عام 2003. وأيضا سجن جوانتنامو الواقع فـي خليج جوانتنامو بكوبا، هو واحد من أكثر السجون إثارة للجدل فـي العصر الحديث. أُنشئ السجن عام 2002 فـي أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001، كجزء من «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة. أصبح السجن رمزًا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
تعداد السجون سيئة السمعة يحتاج إلى مجلدات وما يرويه من خرجوا منها أحياء ما هي إلا غيض من فيض من الممارسات الوحشية التي يمارسها الإنسان ضد أخيه الإنسان، وتبقى التدوينات الإنسانية فـي أدب السجون شاهدًا على فظاعة ما تقوم به الدول من انتهاكات لحرم الإنسان الذي كرمه الله.