هل تستطيع الليبرالية الانفراد بالفكر الاقتصادي دون منافس؟
الأربعاء / 9 / جمادى الآخرة / 1446 هـ - 21:07 - الأربعاء 11 ديسمبر 2024 21:07
مع وصول اليمين الغربي للحكم في بعض دول الغرب في السنوات الماضية، ومن هؤلاء وصول الرئيس «دونالد ترامب» للحكم في الفترة السابقة، ثم أعيد انتخابه هذا العام مرة ثانية، وظهور هذا أيضا مع تيارات أخرى مناقضة لليبرالية عند جنوح اليمين المتطرف باتجاه الرأسمالية العنيفة في تطبيقاتها، ومنها (الحركات الشعبوية)، ولا شك أن الليبرالية السياسية والاقتصادية في الغرب الرأسمالي، تواجه الكثير من النقد العنيف، من الداخل الغربي الليبرالي نفسه كما في خارجه، لأسباب كثيرة، منها ما يتعلق باستخدام المال في الوصول للأحزاب السياسية النشطة، أو حتى عند التصويت في الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، وهذا ما جعل الكثير من المتابعين للتغيّرات الفكرية في الممارسات الليبرالية وما تواجهه من انتقادات، ويرون أن هناك رؤى فكرية وسلوكية مغايرة عن المنهج الليبرالي كما صيغ في الدساتير الغربية، وهذا ما جلب الكثير من الانتقادات سواء من ذوي الميول الاشتراكية، أو الاتجاهات الشعوبية الجديدة، أو من هو أقرب للفكر الليبرالي المخالف للفكر الاشتراكي، وعدم القبول بالنظام الشمولي الذي لا يقبل التعدد في الممارسة وفق النظام الواحد الذي طبقته دول شرق أوروبا بعد الثورة البلشفية، ومنها ما يتعلق بالظروف الاقتصادية التي تعانيها للطبقات الصغيرة أو المتوسطة، بسبب ظهور تأثير «النيو ليبرالية» التي تقترب من الرأسمالية المتوحشة التي عانت منها الشعوب الأوروبية، مما أدى إلى ظهور فلسفات وثورات في أوروبا وحصل الكثير من التراجع للفكر الرأسمالي الجشع، ويتراجع بسبب آثاره السلبية الشعبية والنقد الموجه للحرية غير المقيّدة.
فهذه الليبرالية الجديدة التي تطل برأسها مرة أخرى بعد تولي العديد من الأحزاب اليمينية في الغرب، وتواجه رفضًا من شرائح شعبية كبيرة، ومن الدول الغربية التي بدأ اليمين في إعادة نموذج الليبرالية الجديدة، ولكن هذه المثاليات التي يطرحها الليبراليون الجدد لم تعد في الواقع، إلا شعارًا يرفع يذكرنا بالسياسات التي كانت مطبقة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر فترة «الليبرالية المتوحشة»، حيث كانت الحرية الرأسمالية مطلقة من أي قيود، وسلاحا جاهزا بيد الأقوى اقتصاديا بدون ضوابط لحركتهم؛ لأن الناس ما داموا متفاوتين في حظوظهم من المواهب الفكرية والجسدية والفرص الطبيعية، فمن الضروري أن يختلفوا في أسلوب الاستفادة من الحرية الاقتصادية الكاملة التي يوفرها المذهب الرأسمالي الليبرالي لهم، ولذلك فإن هذا الاختلاف الموجود في طبائع البشر وفي درجات قدراتهم، يمكن أن تصبح الحرية معه التعبير القانوني عن حق القوي في كل شيء بينما لا تعني بالنسبة إلى غيره شيئًا.
صحيح أن «الكينزية» كما يرى د. رمزي «استطاعت أن تقلب مفاهيم الليبرالية وأن تحقق دولة الرفاه والازدهار في أوروبا، وأثبتت أن مقولات المدرسة الليبرالية القديمة عن التوازن التلقائي أو الآلي، من خلال حرية التبادل والمبادرات الفردية والحرية الاقتصادية، غير المنضبطة وغير المقيدة لا تؤدي بشكل طبيعي وفق ما قالوه في شعارهم الشهير (دعه يعمل دعه يمر)، بل أصبحت الدولة مضطرة لأن تتدخل وأن تضع الإطار القانوني الذي يضمن تطبيق المبادرات الفردية، وتمنع الاحتكارات الكبرى. وأثبت الواقع أن الدولة لا يمكن أن تكتفي بدور الحكم فقط، إذ أن تنامي النظام الرأسمالي، وحده لمطالب العمالية، ومقتضيات اقتصاد الحرب والإعمار الخ، حتمت على الدولة أن تتدخل وأن تكون هي المحرك والمنظم لمجمل النظام الاقتصادي». وهذا ما عبّر عنه رائد المدرسة الكينزية «جون كينز» عندما قال: «ليس صحيحًا من مبادئ الاقتصاد أن المصلحة الشخصية تصب دائمًا في خانة المصلحة العامة». وهو ما دعا بعض الدول الغربية إلى التخلي عن الليبرالية الكلاسيكية، بعد اشتداد الأزمات الاقتصادية، أو ما يعرف بالكساد الكبير أو التضخم الذي عصف بالرأسمالية والأخذ بنظرية اللورد كين، لإحداث التوازن عندما عجزت الليبرالية عن تحقيقه وضبطه». ففي الولايات المتحدة معقل الرأسمالية الليبرالية قام الرئيس روزفلت بوضع «البرنامج الجديد» الذي أدخل تنظيمات اقتصادية جديدة، وتضمّن قيام الدولة بنشاطات اقتصادية مباشرة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي المنكوب بأزمة التضخم والكساد، والتخلي عن بعض الأسس الليبرالية المنفتحة، والحد من حرية العمل والتجارة رغم بقائه على الملكية الخاصة والمبادرة الفردية.
وقد ناقشت هذه القضايا بتوسع في كتابنا (في النهوض العماني الحديث)، فهذه الليبرالية المجددة، واجهت المعارضة والسهام لإقصائها، في بداية السبعينيات والثمانينيات من هذا القرن من الليبراليين المحافظين، عندما برزت بعض المشكلات الاقتصادية مثل: عجز الموازنات الحكومية، وزيادة حجم الاقتراض، وانهيار نظام النقد الدولي، وزيادة أسعار النفط. وطالبوا بإعادة الاعتبار الليبرالية التقليدية بوصفها الدواء السحري، للنظام الرأسمالي الغربي.
ولمواجهة ذلك كله -كما يرون- يتعين العودة للأصولية الرأسمالية. «وهذه العودة تحتاج إلى تغيرات أساسية في بنية وقواعد وآليات تشغيل النظام الرأسمالي. واقترح الليبراليون في هذا الخصوص جملة من السياسات الصارمة، مثل: تحجيم دور الدولة وإبعادها عن النشاط الاقتصادي، وأن تتخلى الحكومات عن هدف التوظيف الكامل ودولة الرعاية الاجتماعية، ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي وعودة الدماء لتراكم رأس المال يتعين التصدي بحزم لعجز الموازنة العامة للدولة من خلال إلغاء الدعم، وخفض المصروفات الحكومية الموجهة للخدمات الاجتماعية، وإلغاء إعانات البطالة، وزيادة أسعار الطاقة والضرائب غير المباشرة، ونقل ملكية المشروعات العامة إلى القطـاع الخــاص، وتحويل بعض الوظائف التقليدية للدولة تدريجيا للقطاع الخاص». كما طالب الليبراليون الجدد بخفض معدلات الضرائب على الدخول المرتفعة، وأرباح الشركات وعلى رؤوس الأموال حتى يمكن حفز الطبقة الرأسمالية، على زيادة الادخار والاستثمار والإنتاج، وانحصرت مطالب الليبراليين الجدد فيما يتعلق بدور الحكومة في أن تحمي حرية السوق من أية تدخلات، وأن تضع سياسة نقدية صارمة للتحكم في عرض النقود بما يتناسب وحاجة التداول». وعادوا مرة أخرى إلى مفاهيم الليبرالية الكلاسيكية في قضية التوظف الكامل من خلال المبادرة الفردية، وهي أنه إذا توفرت الحرية في المجال العملي لجميع الأفراد، فإن الإنسان في المجتمع الحر يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة، والتي تؤدي في النهاية إلى توفير المصالح العامة.
وتشاء الأقدار أن تسقط الأيديولوجية الماركسية بعد عقدين من الزمن على التحول الذي طرأ على الليبرالية التقليدية، وهلل نسور الرأسمالية يهتفون بالنصر المبين، وكان الأحرى بهؤلاء أن يتأملوا هذا السقوط ويدرسونه حق الدراسة، بعقلية النظرة الفاحصة الثاقبة، لا بنظرة التفوق والتعالي والمركزية الواحدية، وبحسب قول السيد هادي المدرسي: إن التاريخ ليس بلا ذاكرة، وأحداثه لا تستبطن صفحاته الصماء، وتموت بالتلاشي والتقادم، بل أن فعلها يستمر يسري كتيار كهربائي في أفكار الناس وأحلامهم وتمنياتهم في اختراق المستحيل، وصولا إلى ما يليق بآدميتهم التي كرمهم الخالق عزوجل، ولم يصنها المخولق دائما ـ كما يقول المدرسي: إن الشيوعية لم تكن نبتا شيطانيا جاء به الجن من كوكب آخر، بل هي بعض نتاج النظام الرأسمالي ذاته الذي يقدم للعالم كله اليوم، وكأنه طريق الخلاص، بل الخلاص ذاته».
ويرى المدرسي أنه إذا كان الصراع بين نظامين يفتقران إلى احترام إنسانية الإنسان على مستوى الكرة الأرضية قد أنهكا بشر القرن العشرين، فليس زوال أحدهما بشارة مطلقة وذلك أن عالما بلا عكازة أخرى سيكون عالمًا فاقدًا للتوازن، إنه عالم مختل، إنه عالم السيد ومليارات العبيد السعداء بكونهم قد تخلصوا من الخطر المحتمل، ليموتوا في ظل الخطر الداهم، الذي طالما ناضلوا ضده، إنه سيكون عالم اللون الواحد، وهو بالنتيجة عالم مستحيل».
فالرأسمالية الليبرالية ليست هي الكمال، حتى يمكن فرضها قسرا على أمم وحضارات مختلفة الأفكار والاتجاهات والأيديولوجيات. ولذلك ينبغي أن نمنع وقوع الكارثة التي توقع بها الاقتصادي العبقري (جوزيف شامبيتر)، قبل زهاء ستين سنة بقوله: ستطيع الرأسمالية إنجازاتها، فنجاحها قد شلّ المؤسسات الاجتماعية الحامية لها». فهل تستطيع الليبرالية قيادة العالم، ونفي التعديات الحضارية والفكرية في القرن الحادي والعشرين؟ وماذا عن الطبقة الوسطى في هذه المرحلة العولمية المقبلة؟ وهل بالإمكان فرض أفكار السوق الاستهلاكية، وقيام العولمة على تعديات حضارية وتنميط البشر والمجتمعات على منطق واحد أوحد دون مقاومة؟ هذا هو السؤال الذي سيجد الإجابة مستقبلا، لكنه لن يكون كما توقعته مؤسسات السوق وقوى الليبرالية والعولمة في الغرب لذلك لا بد من قيام نظام اقتصادي متوازن وعادل يحقق للبشرية الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمن الاجتماعي الدائم.
فهذه الليبرالية الجديدة التي تطل برأسها مرة أخرى بعد تولي العديد من الأحزاب اليمينية في الغرب، وتواجه رفضًا من شرائح شعبية كبيرة، ومن الدول الغربية التي بدأ اليمين في إعادة نموذج الليبرالية الجديدة، ولكن هذه المثاليات التي يطرحها الليبراليون الجدد لم تعد في الواقع، إلا شعارًا يرفع يذكرنا بالسياسات التي كانت مطبقة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر فترة «الليبرالية المتوحشة»، حيث كانت الحرية الرأسمالية مطلقة من أي قيود، وسلاحا جاهزا بيد الأقوى اقتصاديا بدون ضوابط لحركتهم؛ لأن الناس ما داموا متفاوتين في حظوظهم من المواهب الفكرية والجسدية والفرص الطبيعية، فمن الضروري أن يختلفوا في أسلوب الاستفادة من الحرية الاقتصادية الكاملة التي يوفرها المذهب الرأسمالي الليبرالي لهم، ولذلك فإن هذا الاختلاف الموجود في طبائع البشر وفي درجات قدراتهم، يمكن أن تصبح الحرية معه التعبير القانوني عن حق القوي في كل شيء بينما لا تعني بالنسبة إلى غيره شيئًا.
صحيح أن «الكينزية» كما يرى د. رمزي «استطاعت أن تقلب مفاهيم الليبرالية وأن تحقق دولة الرفاه والازدهار في أوروبا، وأثبتت أن مقولات المدرسة الليبرالية القديمة عن التوازن التلقائي أو الآلي، من خلال حرية التبادل والمبادرات الفردية والحرية الاقتصادية، غير المنضبطة وغير المقيدة لا تؤدي بشكل طبيعي وفق ما قالوه في شعارهم الشهير (دعه يعمل دعه يمر)، بل أصبحت الدولة مضطرة لأن تتدخل وأن تضع الإطار القانوني الذي يضمن تطبيق المبادرات الفردية، وتمنع الاحتكارات الكبرى. وأثبت الواقع أن الدولة لا يمكن أن تكتفي بدور الحكم فقط، إذ أن تنامي النظام الرأسمالي، وحده لمطالب العمالية، ومقتضيات اقتصاد الحرب والإعمار الخ، حتمت على الدولة أن تتدخل وأن تكون هي المحرك والمنظم لمجمل النظام الاقتصادي». وهذا ما عبّر عنه رائد المدرسة الكينزية «جون كينز» عندما قال: «ليس صحيحًا من مبادئ الاقتصاد أن المصلحة الشخصية تصب دائمًا في خانة المصلحة العامة». وهو ما دعا بعض الدول الغربية إلى التخلي عن الليبرالية الكلاسيكية، بعد اشتداد الأزمات الاقتصادية، أو ما يعرف بالكساد الكبير أو التضخم الذي عصف بالرأسمالية والأخذ بنظرية اللورد كين، لإحداث التوازن عندما عجزت الليبرالية عن تحقيقه وضبطه». ففي الولايات المتحدة معقل الرأسمالية الليبرالية قام الرئيس روزفلت بوضع «البرنامج الجديد» الذي أدخل تنظيمات اقتصادية جديدة، وتضمّن قيام الدولة بنشاطات اقتصادية مباشرة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي المنكوب بأزمة التضخم والكساد، والتخلي عن بعض الأسس الليبرالية المنفتحة، والحد من حرية العمل والتجارة رغم بقائه على الملكية الخاصة والمبادرة الفردية.
وقد ناقشت هذه القضايا بتوسع في كتابنا (في النهوض العماني الحديث)، فهذه الليبرالية المجددة، واجهت المعارضة والسهام لإقصائها، في بداية السبعينيات والثمانينيات من هذا القرن من الليبراليين المحافظين، عندما برزت بعض المشكلات الاقتصادية مثل: عجز الموازنات الحكومية، وزيادة حجم الاقتراض، وانهيار نظام النقد الدولي، وزيادة أسعار النفط. وطالبوا بإعادة الاعتبار الليبرالية التقليدية بوصفها الدواء السحري، للنظام الرأسمالي الغربي.
ولمواجهة ذلك كله -كما يرون- يتعين العودة للأصولية الرأسمالية. «وهذه العودة تحتاج إلى تغيرات أساسية في بنية وقواعد وآليات تشغيل النظام الرأسمالي. واقترح الليبراليون في هذا الخصوص جملة من السياسات الصارمة، مثل: تحجيم دور الدولة وإبعادها عن النشاط الاقتصادي، وأن تتخلى الحكومات عن هدف التوظيف الكامل ودولة الرعاية الاجتماعية، ولتحقيق الاستقرار الاقتصادي وعودة الدماء لتراكم رأس المال يتعين التصدي بحزم لعجز الموازنة العامة للدولة من خلال إلغاء الدعم، وخفض المصروفات الحكومية الموجهة للخدمات الاجتماعية، وإلغاء إعانات البطالة، وزيادة أسعار الطاقة والضرائب غير المباشرة، ونقل ملكية المشروعات العامة إلى القطـاع الخــاص، وتحويل بعض الوظائف التقليدية للدولة تدريجيا للقطاع الخاص». كما طالب الليبراليون الجدد بخفض معدلات الضرائب على الدخول المرتفعة، وأرباح الشركات وعلى رؤوس الأموال حتى يمكن حفز الطبقة الرأسمالية، على زيادة الادخار والاستثمار والإنتاج، وانحصرت مطالب الليبراليين الجدد فيما يتعلق بدور الحكومة في أن تحمي حرية السوق من أية تدخلات، وأن تضع سياسة نقدية صارمة للتحكم في عرض النقود بما يتناسب وحاجة التداول». وعادوا مرة أخرى إلى مفاهيم الليبرالية الكلاسيكية في قضية التوظف الكامل من خلال المبادرة الفردية، وهي أنه إذا توفرت الحرية في المجال العملي لجميع الأفراد، فإن الإنسان في المجتمع الحر يسعى إلى تحقيق مصالحه الخاصة، والتي تؤدي في النهاية إلى توفير المصالح العامة.
وتشاء الأقدار أن تسقط الأيديولوجية الماركسية بعد عقدين من الزمن على التحول الذي طرأ على الليبرالية التقليدية، وهلل نسور الرأسمالية يهتفون بالنصر المبين، وكان الأحرى بهؤلاء أن يتأملوا هذا السقوط ويدرسونه حق الدراسة، بعقلية النظرة الفاحصة الثاقبة، لا بنظرة التفوق والتعالي والمركزية الواحدية، وبحسب قول السيد هادي المدرسي: إن التاريخ ليس بلا ذاكرة، وأحداثه لا تستبطن صفحاته الصماء، وتموت بالتلاشي والتقادم، بل أن فعلها يستمر يسري كتيار كهربائي في أفكار الناس وأحلامهم وتمنياتهم في اختراق المستحيل، وصولا إلى ما يليق بآدميتهم التي كرمهم الخالق عزوجل، ولم يصنها المخولق دائما ـ كما يقول المدرسي: إن الشيوعية لم تكن نبتا شيطانيا جاء به الجن من كوكب آخر، بل هي بعض نتاج النظام الرأسمالي ذاته الذي يقدم للعالم كله اليوم، وكأنه طريق الخلاص، بل الخلاص ذاته».
ويرى المدرسي أنه إذا كان الصراع بين نظامين يفتقران إلى احترام إنسانية الإنسان على مستوى الكرة الأرضية قد أنهكا بشر القرن العشرين، فليس زوال أحدهما بشارة مطلقة وذلك أن عالما بلا عكازة أخرى سيكون عالمًا فاقدًا للتوازن، إنه عالم مختل، إنه عالم السيد ومليارات العبيد السعداء بكونهم قد تخلصوا من الخطر المحتمل، ليموتوا في ظل الخطر الداهم، الذي طالما ناضلوا ضده، إنه سيكون عالم اللون الواحد، وهو بالنتيجة عالم مستحيل».
فالرأسمالية الليبرالية ليست هي الكمال، حتى يمكن فرضها قسرا على أمم وحضارات مختلفة الأفكار والاتجاهات والأيديولوجيات. ولذلك ينبغي أن نمنع وقوع الكارثة التي توقع بها الاقتصادي العبقري (جوزيف شامبيتر)، قبل زهاء ستين سنة بقوله: ستطيع الرأسمالية إنجازاتها، فنجاحها قد شلّ المؤسسات الاجتماعية الحامية لها». فهل تستطيع الليبرالية قيادة العالم، ونفي التعديات الحضارية والفكرية في القرن الحادي والعشرين؟ وماذا عن الطبقة الوسطى في هذه المرحلة العولمية المقبلة؟ وهل بالإمكان فرض أفكار السوق الاستهلاكية، وقيام العولمة على تعديات حضارية وتنميط البشر والمجتمعات على منطق واحد أوحد دون مقاومة؟ هذا هو السؤال الذي سيجد الإجابة مستقبلا، لكنه لن يكون كما توقعته مؤسسات السوق وقوى الليبرالية والعولمة في الغرب لذلك لا بد من قيام نظام اقتصادي متوازن وعادل يحقق للبشرية الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمن الاجتماعي الدائم.