حرفيّون: تعزيز حرفة الحدادة خطوة نحو اقتصاد محلي مستدام
الثلاثاء / 1 / جمادى الآخرة / 1446 هـ - 13:37 - الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 13:37
يتمسك الشباب في ولاية بهلا بمهن وحرف آبائهم وأجدادهم، حيث تتوزع الحرف والصناعات التقليدية في مختلف أرجاء هذه الولاية العريقة التي يمتزج فيها تراثها العريق مع حاضرها المشرق.
وعرفت ولاية بهلا التاريخية الحرف التقليدية منذ القدم، وبرزت حرفة الحدادة بشكل خاص بفضل الموقع الجغرافي الذي ساعد على الوصول إلى المعادن والمواد الخام المتوفرة في هذه الولاية، بالإضافة إلى مرور القوافل التجارية عبرها وبفضل هذه العوامل، ازدهرت الحدادة في الولاية لتصبح واحدة من أبرز الحرف التي اعتمد عليها سكان الولاية في حياتهم اليومية.
وتعد حرفة الحدادة والصفارة في ولاية بهلا جزءًا مهما من الهُوية الثقافية والتراثية للولاية، وتجسيدا للإبداع والعمل اليدوي المتقن الذي ميز الإنسان العماني بالإبداع عبر العصور، ورغم التحديات التي تواجه هذه الحرفة والابتعاد الكثير عن ممارستها تظل رمزًا للماضي العريق وتعبيرًا عن التقاليد التي يسعى العمانيون للحفاظ عليها وتعليمها للأجيال القادمة، ومما يبشر بالخير وجود شباب من ولاية بهلا ما زالوا يتمسكون بها ويمارسونها.
ومن الحرف والصناعات القائمة التي تتوزع في ركن بسوق بهلا التاريخي حرفة وصناعة الحدادة أو ما يطلق عليها محليا 'الصفارة' ومما يثلج الصدر أن تجد من يعمل في هذه الحرف من الشباب إلى جانب آبائهم متمسكين بما تعلموه منهم ومحافظين على إرث تاريخي وحرفة قديمة أصبحت تمثل شغفهم في الإبداع من خلال ما تنتجه أناملهم الماهرة من مقتنيات وأوان نحاسية وغيرها تتميز بالنقوش الجميلة وفنون الإبداع في التصميم والتنفيذ.
التقت 'عمان' بشباب بهلا ممن يعملون في حرفة الحدادة التقليدية، فقال داوود بن سليمان الجديدي: 'إن ولاية بهلا تعتبر من الولايات العمانية التي تتمسك وتحافظ على تراثها وبها الكثير من الحرف والصناعات التقليدية ومن الحرف التي تشتهر بها بهلا حرفة الحدادة وهي من التراث القديم والحرف التي تعود لآلاف السنين ودخل على هذه الحرفة العديد من جوانب التطوير والتحديث مستثمرين الإمكانيات الحديثة المتاحة ومزجها مع عبق التراث التقليدي، متعلمين مهارات اكتسبناها وتوارثنها أبا عن جد لتكون مسارا ومنهجا نسير عليه حتى يومنا هذا ولتكون هذه الحرفة مصدر دخل لنا إلى جانب الشغف والتمسك بهذه الحرفة التي أصبحت جزءا منا' موضحا أن حرفة الحدادة أو 'الصفارة' تقوم على مهارة الحرفي العماني في تشكيل وتطويع العديد من المعادن أبرزها الحديد والنحاس ومن خلال هذه العملية الدقيقة المتقنة يتمكن الحرفي من إنتاج العديد من الأدوات والمعدات لمختلف الاستخدامات وإنتاج التحف الفنية المصنوعة من النحاس كالصحون والصواني والأباريق أو ما يسمى بالدلة العمانية وأواني الطبخ بمختلف أحجامها وأشكالها ومن الأواني الكبيرة كما تسمى محليا (المراجل) التي تستخدم في الطبخ للولائم الكبيرة وتمتاز بجودتها وقوتها وتحملها للحرارة الشديدة، بالإضافة إلى إنتاج التحف المزخرفة التي تشهد إقبالا وإعجابا من قبل السياح وخاصة الأجانب الزائرين لسوق بهلا فيسعون لاقتنائها خلال زيارتهم للولاية.
من جهته قال أحمد الجديدي: ' بدأت في حرفة الحدادة و'الصفارة' منذ نعومة أظفاري وتمسكت بها كجزء أساسي من حياتي اليومية وهو عملي الوحيد ودخلي يعتمد عليها في معيشتي،' موضحا أنه يعمل حاليا على إنتاج 'دلة' قهوة نحاسية الصنع مطرزة بالنقوش الجميلة والرسومات الفنية وتشكيلها على نمط 'دلة' القهوة التقليدية البارزة بفمها المتدلي وغطائها الجميل المنقوش بالزخارف والمرسوم كأنه منارة شامخة.
أما الحرفي علي بن سالم الجديدي فقال:' إن حرفة الحدادة لدينا لم تكن مجرد طريقة لكسب الرزق، بل هي حرفة تتطلب منا الكثير والعديد من المهارات الفنية العالية والمعرفة بتقنيات تشكيل المعادن، حيث لعبت الحدادة دورا مهما وأساسيا في تنشيط الزراعة منذ القدم، فقد كانت الأدوات الزراعية والأسلحة من العناصر الأساسية التي اعتمد عليها المجتمع في حياتهم اليومية، كما تُعتبر هذه الحرفة جزءًا من التراث الذي حافظ عليه الأجداد وتم نقله إلينا'. موضحا أنه بدأ في ممارسة هذه الحرفة منذ أن بلغ 12 عاما، حيث تعلمها من والده الذي نقلها من جده وهكذا حرفة متوارثة تتناقل عبر الأجيال والأبناء يتمسكون بها.
وعن أبرز ما ينتجه في هذه الحرفة أشار علي الجديدي إلى أنه يقوم بتصنيع وصيانة العديد من الأدوات الزراعية المستخدمة كالمحاريث والهيب والمناشير بأنواعها المختلفة كما يقوم بصيانة السيوف والرماح، ويقوم بتصنيع الأدوات المنزلية كالقدور والصحون النحاسية والحديدية والسكاكين.
وعن الصعوبات التي تواجهه قال علي الجديدي: إن لكل عمل صعوبات وتحديات وعلى الشخص أن يكون قادرا على تخطي كل الصعوبات ليصل إلى النجاح وأن يبتعد عن التذمر، ورغم صعوبة هذه الحرفة التي نعمل فيها مع حرارة الجو وحرارة النار التي نستخدمها في التصنيع، إلا أننا نجد المتعة في تنفيذ كافة الأعمال التي يطلبها الزبون ونشعر بأريحية تامة بعد إتمام أي عمل، كذلك لا بد للحرفي أن يواكب أي تطور ويسعى لتطوير حرفته ويستخدم التقانة الحديثة والأدوات العصرية التي تسهل له العمل. مؤكدا أن هناك إقبالا جيدا على المنتجات الحرفية، ويدعو القائمين على الحرف والصناعات التقليدية إلى بذل مزيد من الجهد للحفاظ عليها لكي لا تندثر والعمل على دعم الحرفيين وتشجيعهم على الاستمرار في حرفهم والعمل على تدريب الشباب وتأهيلهم لضمان استمرارية هذه الحرف ومشاركة الحرفيين في مختلف المحافل والمعارض لتسويق منتجاتهم وتشجيعهم.