المحافظات

الحارة القديمة بولاية الحمراء .. فرصة استثمارية لإحياء التراث العماني والجذب السياحي

 
تُعد الحارة القديمة بولاية الحمراء معلمًا ثقافيًا وتاريخيًا غنيًا ينتظر من يعيد إحياءه، فهي ليست مجرد مجموعة من المنازل الأثرية، بل تُمثل شاهدًا حيًا على براعة العمارة العمانية، ومع تزايد أهمية السياحة الثقافية في تعزيز الاقتصاد المحلي، تبرز ضرورة استغلال هذه المعالم التاريخية بشكل فعّال. إن إعادة تأهيل الحارة وتنميتها ليست مسؤولية الجهات الحكومية فحسب، بل هي دعوة للمجتمع المحلي للمساهمة في إحياء هذا الإرث، ليصبح نقطة جذب سياحي تسهم في تعزيز الهُوية الثقافية لسلطنة عمان، وتوفر فرصًا اقتصاديةً جديدةً. في هذا السياق، نبحث في الفرص المتاحة لتطوير الحارة القديمة والتحديات التي يجب التغلب عليها لتحقيق هذا الهدف، من خلال حوار مع عبدالله بن حمدان الناعبي، العضو السابق بمجلس الشورى بولاية الحمراء.

تاريخ الحارة القديمة وأهميتها الثقافية؟

يستهل عبدالله بن حمدان الناعبي كلامه بالحديث عن تاريخ الحارة القديمة بولاية الحمراء، مشيرًا إلى أنها تعود جذورها إلى ما قبل عام 1066هـ، حيث كانت المنطقة تتكون من مجموعة من القرى والواحات المتناثرة المعروفة باسم «كدم». في تلك الفترة، شهدت المنطقة تعاونًا بين أهالي الحمراء، في عهد الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي. هذا التعاون أفضى إلى إنشاء فلج الحمراء، الذي أسهم في تأسيس الحارة القديمة.

المعالم الأثرية في الحارة القديم

وعند سؤالنا عن أهمية الحارة القديمة وأبرز معالمها الأثرية؟ يؤكد الناعبي أن الحارة تُمثل جزءًا حيويا من التراث العُماني، حيث تضم منازل أثرية تُظهر براعة العمارة التقليدية، وتعكس هذه المنازل الترابط الاجتماعي والثقافي بين سكانها، مما يسهم في تعزيز الهُوية الثقافية لسلطنة عمان. مشيرًا إلى أبرز المعالم الأثرية في الحارة، مثل: بيت الصفاة، وبيت العالي، وبيت الجبل، وبيت النعمة، بالإضافة إلى حصن مال الداخل. كما يُشير إلى وجود الأبراج الدفاعية والمداخل المعروفة بالصباحات كصباح النُعب وصباح العالي. هذه المعالم تعكس الإبداع الهندسي وحضور الحس الأمني لدى العُمانيين في تلك الفترة، مما يجعل الحارة مثالًا حيًا للعمارة التقليدية.

الحالة الحالية للحارة والتحديات

وعن حالة الحارة القديمة حاليا؛ يُوضح الناعبي أنها تعاني من الإهمال، فبعد النهضة العمرانية الحديثة، انتقل الكثيرون لبناء مساكن جديدة، مما أدى إلى تهدُّم أجزاء كبيرة من المنازل الأثرية. ومن أبرز التحديات التي تواجه الحارة عدم اهتمام المواطنين بترميم منازلهم، حيث يرتبط ذلك بالتكاليف العالية وغياب المردود المادي، اللذين يثنيان الكثيرين عن القيام بعمليات الترميم.

جهود الحفاظ والتطوير

رغم التحديات، يُشير الناعبي إلى وجود بعض الجهود المبذولة للحفاظ على الحارة، وتتضمن هذه الجهود مبادرات بسيطة لترميم المنازل، مثل تحويل بعض منها إلى نُزل سياحية، كما تشير الجهود إلى وجود لجنة خاصة بالولاية تقوم بصيانة بعض المعالم والطرق الرئيسية للحارة، ويُظهر الناعبي تقديره للجهود التي يقوم بها المهتمون بالتراث، مثل: بيت الصفاة ومتحف النقود ومتحف بيت البرج والقرية التراثية والنزل التراثية، مما يعكس الرغبة في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي.

دور المجتمع المحلي

يؤكد الناعبي على أهمية دور المجتمع المحلي في الحفاظ على الحارة القديمة، مشيرًا إلى إمكانية مشاركة الأفراد في ورش العمل والدورات التدريبية المتعلقة بالتراث. فبات من الضروري أن يُشجع المجتمع على دعم مشاريع الترميم والصيانة، كما أن التحفيز عبر تقديم الحوافز والمكافآت سيكون له تأثير إيجابي على هذه الجهود.

تعزيز السياحة الثقافية

يُبرز الناعبي أهمية تعزيز السياحة الثقافية في الحارة القديمة، ويتطلب تحقيق هذا الهدف تحسين البنية الأساسية، مثل: الطرق والإنارة، وإزالة المشوهات بين البيوت المتهدمة. وبإمكان السياحة الثقافية أن تسلط الضوء على التراث العماني وتجذب الزوار والسياح، مما يعزز من الاستفادة الاقتصادية للمنطقة. وعند سؤالنا حول تحسين تجربة الزوار في الحارة القديمة؛ يقترح الناعبي عدة خطوات، مثل: تحسين البنية الأساسية، وتوفير مرافق مثل مراكز المعلومات بالإضافة إلى إنشاء مطاعم ومتاجر للحرف اليدوية. هذه المرافق ستجعل الزيارة أكثر جذبًا وفائدةً.

مستقبل الحارة القديمة والتوجهات الحكومية

يضيف الناعبي: إن مستقبل الحارة القديمة سيكون واعدًا، إذا تم التخطيط بشكل سليم وبدعم من الحكومة، ويُشير إلى أن الحكومة تقوم بدور حاسم من خلال توفير التمويل اللازم، وتنفيذ مشاريع الترميم، وزيادة الوعي بأهمية التراث. ففي العهد الزاهر والنهضة العمرانية الحديثة بدأ المواطنون في بناء المساكن الحديثة وتركوا البيوت الأثرية القديمة وتسببت هذه الهجرة إلى تهدم أجزاء كبيرة من هذه البيوت، ومن أكبر التحديات هو عدم اهتمام المواطنين بترميم وصيانة منازلهم. ويتحدث الناعبي عن وجود حراك حكومي ممثل في مكتب والي الحمراء ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني. حيث تمت إقامة ورشة عمل مؤخرًا لتخطيط وتطوير الحارة. هذا التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المحلي سيكون له بالغ الأهمية في إنجاح هذه الجهود.

عقبات الترميم وتجارب ناجحة

يتناول الناعبي العقبات التي تواجه المجتمع في تنفيذ مشاريع الترميم، مثل: نقص التمويل، والحاجة إلى خبراء في مجال التراث. كما يُشير إلى أنه توجد دراسات جدوى سابقة تم إعدادها لدعم هذه المشاريع، مما يستدعي ضرورة متابعة وتفعيل هذه الدراسات.

ويختتم الناعبي حديثه بالإشارة إلى تجارب ناجحة مثل: حارة العقر في ولاية نزوى ومسفاة العبريين، التي أصبحت وجهات سياحية بارزة. ويُعتبر أن الاستفادة من هذه التجارب يمكن أن تعزز الجهود في الحارة القديمة وتسهم في إحيائها.