«فقدان الإشارة» على شاشة «البلاك بيري»
الثلاثاء / 23 / جمادى الأولى / 1446 هـ - 20:07 - الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 20:07
في عام 2015م صدر كتاب «فقدان الإشارة: القصة غير المروية وراء الصعود الاستثنائي، والسقوط المذهل لبلاك بيري»، وهو من تأليف الصحفيين جاكي ماكنيش، وشون سيلكوف، تضمن الكتاب تحليلًا استراتيجيًا لرحلة الابتكار لشركة البلاك بيري (BlackBerry) والتي انتهت بتراجعها أمام المنافسة الشديدة من شركات التكنولوجيا الأسرع نموًا، ووفقًا للتحليل في هذا الكتاب، فإن الرؤساء التنفيذيين للشركة فقدوا القدرة على استشعار المخاطر الحقيقية التي كانت تواجه منتجاتهم بعد أن طرحت شركة آبل جهاز الآيفون في عام 2007م، وهو أول هاتف بشاشة تعمل باللمس، وكانت تلك هي اللحظة المِفْصَلية التي فقدت فيها شركة البلاك بيري بوصلة القيادة في عالم التكنولوجيا الرقمية، وتخلفت عن ركب التطوير التكنولوجي، وتحولت الشركة التي تربعت يومًا على عرش النجاح والشهرة وإليها ينسب الفضل في ابتكار أول هاتف ذكي في تاريخ البشرية إلى مزود لخدمات الأمن السيبراني، وإنترنت الأشياء، ولكن السؤال الأهم هو: كيف فقدت شركة البلاك بيري قيادة الابتكار التكنولوجي لقطاع الهواتف الذكية؟
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه في عام 2023م، تم إنتاج فيلم بعنوان «بلاك بيري» وعرض في دور السينما الكندية، وهو عبارة عن إعادة سرد لرحلة صعود وسقوط الشركة بالعودة إلى حيثيات كتاب «فقدان الإشارة»، ولكن الضجيج الذي رافق فترة الإعلان الترويجي للفيلم لم يأخذه لأبعد من ذلك؛ حيث إن الفيلم واجه انتقادات بسبب الطابع الساخر الذي طغى على الأحداث مما أفقده الإقبال المتوقع، إذ تعد قصة شركة البلاك بيري للهواتف الذكية من أبرز الأمثلة المعاصرة للمخاطر الكبيرة المرتبطة بابتكارات قطاع التكنولوجيا عالية الديناميكية، وهذا ما يعزز من أهمية دراسة قصص الابتكار الفاشلة بكثير من الجدية والتركيز والتعمق، والابتعاد عن وضع الافتراضات الضحلة؛ لأن الدروس المستفادة من مثل هذه الحالات تكون أكثر نفعًا في توسيع فهم وإدراك المبتكرين وشركات التكنولوجيا بالمخاطر التي تواجه ريادة الأعمال العلمية، وأهمية اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت الملائم لها.
وعلى الرغم من أن الاستنتاجات السائدة عن قصة شركة البلاك بيري تدور حول محاور التراجع أمام المنافسين، إلا أن فقدان الإشارة لرحلة شركة البلاك بيري لم يحدث بسبب إطلاق هواتف آيفون، وهواتف أندرويد بشاشات تعمل باللمس، وبتطبيقات ذكية متعددة المصادر، ولكن التحدي الحقيقي كان في غياب الرؤية الاستشرافية لمستقبل استخدامات الهواتف المحمولة بعكس المنافسين الآخرين، وهذا يعيدنا إلى البدايات، إذ كان أول منتج يحمل اسم بلاك بيري هو جهاز استدعاء تم إصداره في عام 1999م، واكتسب الشهرة من اسمه الذي كان جذابًا وغير مألوف في ذلك الحين، فهو جهاز يحمل اسم فاكهة، وجاءت هذه التسمية لأن لوحة المفاتيح تم تصميمها ليتمكن المستخدم من تشغيلها عن طريق الضغط بإصبع الإبهام على الأزرار ذات الشكل الكروي الذي يشبه ثمار التوت الأسود، وبعد ثلاث سنوات، أطلقت الشركة أول هاتف ذكي لها في عام 2002م، ولكن تعود الجهود الابتكارية والتطويرية لهذا الهاتف إلى عام 1984م، أي قبل (18) عامًا من إطلاق الهاتف رسميًا، وكان هذا المنتج يستهدف رجال الأعمال بسبب ميزة إتاحة تصفح البريد الإلكتروني على الهاتف المحمول، ونظرًا لقدراته التكنولوجية بجانب مظهره الأنيق أصبح هاتف البلاك بيري من المكملات الضرورية لقيادات الأعمال، والمصرفيين، والمستثمرين، وغيرهم من المهنيين، ومع توالي المنتجات حققت الشركة مبيعات عالية من ابتكاراتها التي غيرت معالم قطاع الاتصالات اللاسلكية، واستحوذت على القيمة السوقية محققة نموًا مذهلًا، ثم بدأت الشركات المنافسة في التطوير الابتكاري لأجيال حديثة من الهواتف الذكية في الوقت الذي كانت شركة البلاك بيري تجني عوائد ابتكاراتها بثقة كاملة بأنه أمام المنافسين درب طويل للحاق بها، وعزز من هذه الثقة العمياء ظهور صعوبات تقنية في الجيل الأول من هاتف آيفون، وبناء على ذلك اتخذت شركة البلاك بيري قرار عدم التحول إلى شاشات اللمس، خصوصًا وأن عملية التحول كانت مؤلمة للشركة بسبب الارتباط العاطفي مع الشاشة ذات الأزرار، ولكن البيئة الابتكارية آنذاك قد أسهمت في تسريع رحلة تطوير وتسويق الاختراعات الرقمية، وهذا ما زحزح شركة البلاك بيري من مكانتها.
وبذلك فإن ضعف صناعة القرار في شركة البلاك بيري كان سببه غياب الإلمام بجميع المعلومات التي لها قيمة استراتيجية، وقصور عملية تقييم البيئة المحيطة وتحليل المنافسين عن استقراء الأبعاد المستقبلية لابتكارات شاشات اللمس، إذ إن التعقيد والديناميكية في منظومات البحث العلمي، والتطوير التكنولوجي، والابتكار وريادة الأعمال يضع عبئًا إضافيًا على شركات الابتكار من أجل تحديد الاتجاهات والتحولات بشكل استباقي، واكتشاف التهديدات ومنعها، وتحديد الفرص واغتنامها، ففي عالم الابتكار لا يأتي التهديد من الشركات المنافسة وحسب، إذ أنه من البديهي أن هذه الشركات لا توظف لديها جميع المهندسين والمبتكرين الأكفاء، كما أن الإنتاج العلمي والمعرفة التقنية تتوزع على طيف واسع من المخرجات، مثل النشر العلمي، وبراءات الاختراع، ومختلف أشكال الملكية الفكرية والتي يمكنها أن تعزز الابتكار المفتوح بأشكاله المتعددة، مما يعني بأن قوة عمليات الابتكار المنافسة ليست داخل وحدات البحث والتطوير في الشركات لوحدها، ولكنها قد نشأ في أي نقطة من المنظومة الكلية للابتكار، ولذلك تولي شركات التكنولوجيا أهمية كبيرة بالذكاء التنافسي بعد أن تم إدراجه من قبل المفكرين في المرتبة الرابعة ضمن ركائز بقاء المؤسسات الناشئة والقائمة على الابتكار، وذلك بعد رأس المال، والتكنولوجيا، والكفاءات العلمية والمواهب.
إن إدارة الابتكارات الناجحة أصعب بكثير من إنتاج الابتكارات التحويلية الخارقة، وبذلك فإن الذكاء التنافسي ليس مدخلًا لصناعة القرار وحسب، ولكنه حجر الأساس في صون الابتكار من التقادم والزوال، وتعزيز الاستجابة المرنة للتحديات والفرص الجديدة في البيئة التنافسية، مما يستوجب الالتفات وبشكل استراتيجي إلى أهمية تأسيس ثقافة وممارسات الذكاء التنافسي الذي يدعم الكشف المبكر عن التغييرات، ومعالجتها وتحويلها إلى معرفة وأصل غير ملموس لتمكين اكتساب واستدامة الميزة التنافسية، واتخاذ القرارات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية على المدى المستقبلي القريب والبعيد.
في البدء لا بد من الإشارة إلى أنه في عام 2023م، تم إنتاج فيلم بعنوان «بلاك بيري» وعرض في دور السينما الكندية، وهو عبارة عن إعادة سرد لرحلة صعود وسقوط الشركة بالعودة إلى حيثيات كتاب «فقدان الإشارة»، ولكن الضجيج الذي رافق فترة الإعلان الترويجي للفيلم لم يأخذه لأبعد من ذلك؛ حيث إن الفيلم واجه انتقادات بسبب الطابع الساخر الذي طغى على الأحداث مما أفقده الإقبال المتوقع، إذ تعد قصة شركة البلاك بيري للهواتف الذكية من أبرز الأمثلة المعاصرة للمخاطر الكبيرة المرتبطة بابتكارات قطاع التكنولوجيا عالية الديناميكية، وهذا ما يعزز من أهمية دراسة قصص الابتكار الفاشلة بكثير من الجدية والتركيز والتعمق، والابتعاد عن وضع الافتراضات الضحلة؛ لأن الدروس المستفادة من مثل هذه الحالات تكون أكثر نفعًا في توسيع فهم وإدراك المبتكرين وشركات التكنولوجيا بالمخاطر التي تواجه ريادة الأعمال العلمية، وأهمية اتخاذ القرارات المناسبة في التوقيت الملائم لها.
وعلى الرغم من أن الاستنتاجات السائدة عن قصة شركة البلاك بيري تدور حول محاور التراجع أمام المنافسين، إلا أن فقدان الإشارة لرحلة شركة البلاك بيري لم يحدث بسبب إطلاق هواتف آيفون، وهواتف أندرويد بشاشات تعمل باللمس، وبتطبيقات ذكية متعددة المصادر، ولكن التحدي الحقيقي كان في غياب الرؤية الاستشرافية لمستقبل استخدامات الهواتف المحمولة بعكس المنافسين الآخرين، وهذا يعيدنا إلى البدايات، إذ كان أول منتج يحمل اسم بلاك بيري هو جهاز استدعاء تم إصداره في عام 1999م، واكتسب الشهرة من اسمه الذي كان جذابًا وغير مألوف في ذلك الحين، فهو جهاز يحمل اسم فاكهة، وجاءت هذه التسمية لأن لوحة المفاتيح تم تصميمها ليتمكن المستخدم من تشغيلها عن طريق الضغط بإصبع الإبهام على الأزرار ذات الشكل الكروي الذي يشبه ثمار التوت الأسود، وبعد ثلاث سنوات، أطلقت الشركة أول هاتف ذكي لها في عام 2002م، ولكن تعود الجهود الابتكارية والتطويرية لهذا الهاتف إلى عام 1984م، أي قبل (18) عامًا من إطلاق الهاتف رسميًا، وكان هذا المنتج يستهدف رجال الأعمال بسبب ميزة إتاحة تصفح البريد الإلكتروني على الهاتف المحمول، ونظرًا لقدراته التكنولوجية بجانب مظهره الأنيق أصبح هاتف البلاك بيري من المكملات الضرورية لقيادات الأعمال، والمصرفيين، والمستثمرين، وغيرهم من المهنيين، ومع توالي المنتجات حققت الشركة مبيعات عالية من ابتكاراتها التي غيرت معالم قطاع الاتصالات اللاسلكية، واستحوذت على القيمة السوقية محققة نموًا مذهلًا، ثم بدأت الشركات المنافسة في التطوير الابتكاري لأجيال حديثة من الهواتف الذكية في الوقت الذي كانت شركة البلاك بيري تجني عوائد ابتكاراتها بثقة كاملة بأنه أمام المنافسين درب طويل للحاق بها، وعزز من هذه الثقة العمياء ظهور صعوبات تقنية في الجيل الأول من هاتف آيفون، وبناء على ذلك اتخذت شركة البلاك بيري قرار عدم التحول إلى شاشات اللمس، خصوصًا وأن عملية التحول كانت مؤلمة للشركة بسبب الارتباط العاطفي مع الشاشة ذات الأزرار، ولكن البيئة الابتكارية آنذاك قد أسهمت في تسريع رحلة تطوير وتسويق الاختراعات الرقمية، وهذا ما زحزح شركة البلاك بيري من مكانتها.
وبذلك فإن ضعف صناعة القرار في شركة البلاك بيري كان سببه غياب الإلمام بجميع المعلومات التي لها قيمة استراتيجية، وقصور عملية تقييم البيئة المحيطة وتحليل المنافسين عن استقراء الأبعاد المستقبلية لابتكارات شاشات اللمس، إذ إن التعقيد والديناميكية في منظومات البحث العلمي، والتطوير التكنولوجي، والابتكار وريادة الأعمال يضع عبئًا إضافيًا على شركات الابتكار من أجل تحديد الاتجاهات والتحولات بشكل استباقي، واكتشاف التهديدات ومنعها، وتحديد الفرص واغتنامها، ففي عالم الابتكار لا يأتي التهديد من الشركات المنافسة وحسب، إذ أنه من البديهي أن هذه الشركات لا توظف لديها جميع المهندسين والمبتكرين الأكفاء، كما أن الإنتاج العلمي والمعرفة التقنية تتوزع على طيف واسع من المخرجات، مثل النشر العلمي، وبراءات الاختراع، ومختلف أشكال الملكية الفكرية والتي يمكنها أن تعزز الابتكار المفتوح بأشكاله المتعددة، مما يعني بأن قوة عمليات الابتكار المنافسة ليست داخل وحدات البحث والتطوير في الشركات لوحدها، ولكنها قد نشأ في أي نقطة من المنظومة الكلية للابتكار، ولذلك تولي شركات التكنولوجيا أهمية كبيرة بالذكاء التنافسي بعد أن تم إدراجه من قبل المفكرين في المرتبة الرابعة ضمن ركائز بقاء المؤسسات الناشئة والقائمة على الابتكار، وذلك بعد رأس المال، والتكنولوجيا، والكفاءات العلمية والمواهب.
إن إدارة الابتكارات الناجحة أصعب بكثير من إنتاج الابتكارات التحويلية الخارقة، وبذلك فإن الذكاء التنافسي ليس مدخلًا لصناعة القرار وحسب، ولكنه حجر الأساس في صون الابتكار من التقادم والزوال، وتعزيز الاستجابة المرنة للتحديات والفرص الجديدة في البيئة التنافسية، مما يستوجب الالتفات وبشكل استراتيجي إلى أهمية تأسيس ثقافة وممارسات الذكاء التنافسي الذي يدعم الكشف المبكر عن التغييرات، ومعالجتها وتحويلها إلى معرفة وأصل غير ملموس لتمكين اكتساب واستدامة الميزة التنافسية، واتخاذ القرارات الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية على المدى المستقبلي القريب والبعيد.