الخط العربي بين المدارس التراثية وتحديثات العصر
قراءة في مسارات الحفظ والتطوير
السبت / 6 / جمادى الأولى / 1446 هـ - 17:47 - السبت 9 نوفمبر 2024 17:47
تُعدّ الخطوط العربية من أبرز الفنون الإسلامية التي تعكس عراقة الحضارة العربية وثقافتها. في هذا الاستطلاع، نستكشف «قراءة في مسارات الحفظ والتطوير.. الخط العربي بين المدارس التراثية وتحديثات العصر»، حيث نسلط الضوء على التطورات المتعددة التي شهدتها فنون الخط العربي عبر التاريخ، من خلال المدارس المختلفة التي أسهمت في صقل هذه الفنون وتحسينها. تُعتبر المدرسة العثمانية، كما سنرى، تجسيدًا لفن الخط العربي بتنوعه وجماله، حيث استلهمت من مدارس الخطوط الشامية والمصرية والبغدادية، لتُقدم إضافة جديدة تميزت بالسلاسة والمرونة، ما جعل الحروف العربية تنبض بالحياة. كما سنناقش كيفية توثيق التراث الفني والخطوط الوظيفية، بالإضافة إلى الجوانب التعليمية التي ساهمت في ترسيخ مكانة الخط العربي. من جهة أخرى، سيتناول الاستطلاع المدرسة العربية في الخط، من خلال تسليط الضوء على جذورها وأثرها الثقافي، موضحًا كيف أن هذه المدارس لم تكن مجرد نتاج إبداع فردي، بل هي نتاج حركة تعليمية متصلة تحمل طابعًا حضاريًا مميزًا. كما سيسلط الخطاط تاج السر حسن الضوء على دور إمارة الشارقة كمركز رائد في دعم وتعليم الخط العربي، حيث نجحت في إقامة مؤسسات وفعاليات تُعنى بتعزيز هذا الفن، مقدمةً نموذجًا يُحتذى به في الحفاظ على التراث وتطوير الهوية.
في ظل الاهتمام المتزايد بفن الخط العربي بين الشباب العماني، يشير الخطاط العماني سامي بن زين الغاوي إلى أن هناك مجموعة متنامية من الشباب الواعد الذين أبدعوا في احتراف هذا الفن. ويرى الغاوي أن هؤلاء الشباب تأثروا، بلا شك، بمدارس الخط العربية والإسلامية الرائدة، حيث اكتسبوا أساليب متنوعة من أساتذة الخط في العالم العربي والإسلامي. ويعود هذا التأثر، إلى الانفتاح الكبير الذي أتاحته منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الدور البارز الذي تلعبه المسابقات والمعارض الفنية التي تقام في العديد من الدول العربية والإسلامية، مما يسهم في الحفاظ على جماليات وأصالة هذا الفن العريق.
ويؤكد «الغاوي»، ضمن إطار المدرسة العمانية الحديثة، أن الشباب العماني قد أخذ على عاتقه مسؤولية الحفاظ على هذا الموروث الحضاري العريق، سواء من خلال جهودهم الفردية أو عبر دعم المؤسسات الرسمية التي تسهم في إبراز هذا الفن عبر تنظيم مسابقات ومعارض تهدف إلى تعزيز الوعي بثقافة الخط بين أفراد المجتمع.
وعن تأثير التكنولوجيا الحديثة، يوضح «الغاوي» أن التقنية لعبت دورا مهما - بل قد تكون صاحبة الفضل الأكبر بعد الله - في نشر فن الخط العربي على نطاق واسع، بعد أن كان مقتصرا على فئات محدودة. ويوضح أن التكنولوجيا ساعدت في جعل فن الخط جزءا من حياة الناس، مؤكدا أن هذه الوسائل التقنية ليست عائقا أمام أصالة الخط العربي، بل يمكن القول: إنها وسيلة فعالة في الحفاظ عليه ونشره. غير أن الغاوي ينبه إلى أن استخدام التكنولوجيا في هذا المجال، كأي وسيلة أخرى، يعتمد على النية والغرض؛ فكما هناك من أساء استخدامها لأهداف شخصية، نجد من استثمرها في خدمة الفن ودعمه وانتشاره.
إرثٌ خالد وحضارة متجددة
يقول الأستاذ الدكتور إدهام محمد حنش، أستاذ المخطوطات والفنون الإسلامية ومدير موسوعة المخطوط العربي: إن المدرسة العثمانية لفن الخط العربي تُعد بمثابة «الوريث الحضاري» لمختلف أنواع الخطوط العربية، مستمدةً أصولها الفنية من مدارس الخط الشامية والمصرية والبغدادية، التي تشكل، وفق تعبيره، «العمود الفقري لأقلام الخط المنسوب» التي طورها أمثال ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي. ويضيف د. حنش أن المدرسة العثمانية تميزت بإضافة نوعية إلى هذه الأصول، بما قدمته من سلاسة ومرونة تتجلى في الحروف العربية، مما أضفى جمالًا «رطبًا ومتدفقًا» على أشكالها.
ويذكر حنش أن المؤرخ العثماني حاجي خليفة، صاحب موسوعة «كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون»، كان أول من تحدث عن «نظرية الأقلام الستة» وانتشارها بين الخطاطين العثمانيين، حيث يؤكد حاجي خليفة، كما ينقل عنه د. حنش، أن هذه الأقلام شملت كلًا من الثلث والنسخ والمحقق والريحان والتواقيع والرقاع. ولفت د. حنش إلى أن هذه الأنواع لم تبقَ حكرًا على الأقلام المعروفة فحسب، بل ظهرت أنواع خطية جديدة في الدولة العثمانية، مثل التعليق والديواني والدشتي، وهي خطوط أضافت طابعًا وظيفيًا للإدارة العثمانية، حيث كان حاجي خليفة نفسه يكتب بهذه الأنواع عندما كان يعمل مساعد كاتب، ويُعرف بــ«شاكرد» باللغة التركية، في ديوان «الهمايونية» المالية.
ويتابع د. حنش قائلا: إن المدرسة العثمانية شهدت تحولات فنية أدت إلى اختصار منظومة الأقلام الستة، حيث ركزت بشكل أكبر على خطي الثلث والنسخ، لا سيما بعد أن تحولت بقية الأقلام مثل المحقق والريحان والتواقيع والرقاع تدريجيًا إلى «أساليب خطية جديدة»، أسفرت عن بروز خطوطٍ فنية مثل خط الإجازة والسنبلي والطغراء. ويرى د. حنش أن «الطغراء» تعد بصمة فنية وثقافية بارزة تجسد الهوية العثمانية الفنية بامتياز.
أما عن تصنيف الخطوط العثمانية، فيوضح الدكتور إدهام محمد حنش أنها انقسمت إلى نوعين رئيسيين: الخطوط الفنية، التي يُمثلها خطا الثلث والنسخ اللذان تميزا بتخصصهما في كتابة العناوين والنصوص الرسمية، واستخدامهما البارز في تزيين العمائر الدينية والمدنية، وخاصة كتابة المصحف الشريف. وفي المقابل، يوضح د. حنش، هناك الخطوط الوظيفية التي تُقسم إلى مجموعتين؛ الأولى تشمل الخطوط الهمايونية، كخط الديواني وجلي الديواني، وتُستخدم في الوثائق السلطانية مثل الفرمانات، بينما الثانية تضم خطوط المعاملات الرسمية، مثل خط السياقة والرقعة.
ويوضح أستاذ المخطوطات والفنون الإسلامية ومدير موسوعة المخطوط العربي أن من سمات المدرسة العثمانية فاعلية مجتمع الخطاطين فيها؛ إذ ضمّت الخطاطين من مختلف الطبقات الاجتماعية، بدءًا من السلاطين والوزراء وصولا إلى الحرفيين العاديين. كما يظهر أن المنصب الرسمي للخطاطين كان جزءًا مهمًا في مؤسسات الدولة العثمانية، وهو ما أسس «لقب رئيس الخطاطين»، الذي يُمنح لذوي المكانة الاجتماعية والفنية، ومنهم الخطاط حمد الله الأماسي، الذي كان شيخًا لطريقة صوفية ومعلمًا بارعًا في الخط. ووفق ما يذكر د. حنش، فقد تقلد آخرون هذا اللقب مثل الخطاط أحمد كامل أكديك، الذي شغل منصب رئيس الخطاطين بصفة رسمية.
ومن جانب آخر، يلفت د. حنش إلى مسألة مثيرة للاهتمام لدى الخطاطين العثمانيين، وهي الحرص الكبير على توثيق أسانيدهم التعليمية والفنية، حيث يعنى هؤلاء بتتبع «سند الخطاط» وشجرة نسب الخطاطين، أو ما يعرف بطبقات الخطاطين، وهو أمر يضفي عمقًا على الانتماء الفني ويرسخ الترابط بين الأجيال في هذا الفن.
ويذكر «حنش» أن عام 1914 كان لحظة مفصلية في تاريخ الخط العربي، حيث شهد افتتاح أول مدرسة رسمية للخط العربي في إسطنبول، وتحديدًا في السادس من رجب 1332 هـ. وقد عين فيها عدد من أبرز الخطاطين للتدريس، كان منهم الحاج أحمد كامل أقديك الذي درّس خطي الثلث والنسخ، ومحمد خلوصي الذي درّس خطي التعليق وجلي التعليق، وإسماعيل حقي طغراكش مدرسا لخط جلي الثلث والطغراء، إضافة إلى نجم الدين أوقياي الذي كان مسؤولا عن تدريس صناعة الورق والحبر. وقد أتاحت هذه المدرسة الفرصة لتعليم الفنون الزخرفية المصاحبة لفن الخط، مثل التذهيب وصناعة الورق الفني، بما فيها الورق الفني الخاص المعروف بـ«الأبرو» و«الآهار».
وفي لمحة أخرى عن تطورات الخط العثماني، يوضح د. حنش أن أواخر الحقبة العثمانية شهدت طباعة أول كراسة تعليمية لفن الخط، وهو ما شكل نقلة في حفظ ونشر هذا الفن. وقد ظهرت الكراسة الأولى عام 1875 بعنوان «ترجمان خطوط عثماني»، من إعداد الخطاطين الأخوين محمد عزت والحافظ تحسين. وصدرت الكراسة لاحقًا عام 1889 بعنوان «خطوط عثمانية» واشتهرت بين أوساط الخطاطين باسم «كراسة عزت»، وشملت أنواعًا مثل الثلث، والنسخ، والتعليق، والديواني، وجلي الديواني، وخط الرقعة، وخط الإجازة.
بين الجذور الفنية والإرث
في حديثه عن «المدرسة العربية في الخط العربي»، يوضح د. محمد أحمد حسن، الباحث المتخصص في الخطوط والكتابات العربية والإسلامية بمركز دراسات الكتابات والخطوط بمكتبة الإسكندرية، أن مفهوم «المدرسة» في فن الخط، بمعناه الحديث، هو مصطلح مستحدث، مشيرًا إلى أن أول من استخدمه كان المستشرق كارل بروكلمان، الذي وضع أسس تقسيم مدارس النحو، وقد استعاره لاحقًا مؤرخو الأدب لتعريف مجمل الخبرات الفنية والسمات التصميمية للخط في فترة جغرافية وزمنية محددة، والتي تحمل طابعًا حضاريًا وآثاريًا مميزًا. ويرى د. حسن أن «المدرسة الخطية» ليست فقط نتاج إبداع فردي، بل نتاج حركة تعليمية متصلة وفلسفة جمالية ونقد فني عميق، تتجسد في مخرجاتها المتنوعة بين نساخة المخطوطات والنقوش المعمارية والزخارف التحفية.
وعند التحدث عن المدرسة العربية بمفهومها التاريخي والجغرافي، يؤكد د. حسن أن أصول المدرسة العربية للخط تمتد على مدى قرون منذ بداية العصر الإسلامي وحتى العصور الحديثة، حيث شهد الخط العربي تطورًا وتأثيرًا واضحًا من حضارات وثقافات مختلفة، ابتداءً من دخول العثمانيين إلى العالم العربي في القرن السادس عشر الميلادي وحتى نهاية حكمهم في القرن التاسع عشر. كما يشير إلى اتساع هذا المفهوم ليشمل المناطق التي تأثرت بالحضارة الإسلامية، سواء في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، بما في ذلك إسبانيا وتركيا وإيران وآسيا الوسطى، مشددًا على أن الخط العربي كان جزءًا من تلك الحضارة الممتدة، ومحمولًا بصبغتها الثقافية.
يعود د. حسن إلى الجذور، مسلطًا الضوء على أسماء بارزة أثرت في مسيرة الخط العربي، مثل ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي من العصر العباسي، ومرورًا بخطاطي العصر المملوكي مثل ابن الصائغ وابن الطيبي والزفتاوي. كما يتطرق إلى طبيعة العلاقة بين الأستاذ والتلميذ في هذا الفن، وما يعرف بـ «الإجازة الخطية»، التي تمثل ضمانًا لجودة واتساق الأساليب الخطية، حيث شكّلت هذه العلاقة نواة لقيام مدارس فنية مختلفة. ويشير د. حسن إلى التصنيف الأسلوبي الذي يعكس كيفية اعتبار اتجاه أو أسلوب خطاط كبير كمنهج مدرسي، وكمقياس تنطلق منه أجيال من الخطاطين.
في سياق متصل، يتناول د. حسن التقسيمات المتعددة لاستخدامات الخط العربي، بدءًا من الخط الحجازي، وصولا إلى الكوفي والنسخ، وهي جميعها استخدمت في نساخة المصحف الشريف، وفي كتابة الوثائق الرسمية والمخطوطات العربية. كما يبرز ظهور «علم أدب الكتابة» وتطوره، وكيف أسهم «علم الشروط» في وضع أسس صارمة تضبط وظائف الخط العربي، وتضفي عليه قيمة تعبيرية داخل الحضارة الإسلامية.
وفيما يتعلق بالجماليات التي تتميز بها المدرسة العربية، يشير د. حسن إلى أن هذه المدرسة رسخت مفاهيم للجمال في الخط العربي مستمدة من القيم الدينية والثقافية، وتحديدًا من القرآن الكريم والسنة النبوية. ويوضح أن هذه الرؤية ترتبط بالفلسفة التي ترى الكمال في التناسق والتوازن الهندسي للأشكال، مستشهدًا بكتابات الفيلسوف أبو حيان التوحيدي في جمالية الخط وتقنياته، حيث تحدث عن هذه الجماليات في رسالته «علم الكتابة». ويؤكد د. حسن أن المدرسة العربية للخط وضعت أسسًا جمالية ترتبط بفلسفة تصميمية متعددة الأبعاد، فإلى جانب المعايير الهندسية، ظهرت نظريات تعمق فهم الخط العربي من حيث فلسفته وجمالياته.
أما عن التأثير الثقافي والفني لهذه المدرسة، يرى د. حسن أن الخط العربي، بفعل تطوره عبر التاريخ الإسلامي، أصبح جزءًا من ثقافة الفنون الإسلامية، متجسدًا في أساليب تصميمية تجمع بين التقاليد الفنية الأصيلة والابتكار الفني. ويضيف أن هذا التراث الفني الثري ليس إرثًا جامدًا، بل له تأثير كبير على الفنون الحديثة والمعاصرة. ويشير د. حسن إلى أن حركة «الحروفية» التشكيلية هي نموذج حي يعكس استمرارية هذا التأثير، إذ كلما غاصت الحروفية في جذور المدرسة العربية ازدادت جاذبية وتأثيرًا في الوسط الفني.
في ختام حديثه، يؤكد د. حسن أن المدرسة العربية في الخط تمثل ركيزة أساسية لهوية الفن الإسلامي، مجسدة بذلك الهوية العربية والإسلامية في تفاصيلها الجمالية والهندسية الفريدة. ويضيف أن الحاجة إلى قراءات عميقة لهذا التراث لا تقتصر على السياقات الأكاديمية، بل تمتد إلى البحث في عناصره الحضارية، الآثارية، والفنية، مشيرًا إلى أن هذه المدرسة العريقة تبقى مصدر إلهام للحفاظ على التراث الثقافي وتطويره
الحفاظ وتطوير الهوية
في إطار دراسة دور إمارة الشارقة، في دعم فن الخط العربي، يوضح الخطاط السوداني تاج السر حسن كيف أصبحت الشارقة نموذجًا رائدًا في تعزيز تعليم الخط العربي والزخرفة، مما يضعها في مصاف أهم الحواضر العربية التي تولي عناية خاصة بهذا الفن. وقد اعتمدت الشارقة نهجًا متكاملا شمل تأسيس المؤسسات وإعداد البرامج واستضافة الفعاليات والملتقيات، بدءًا من مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة وحتى برنامج «كتاتيب»، الذي يقدّم أسلوبًا مختلفًا عبر اكتشاف المواهب في الأحياء ورعايتها داخل المساجد.
يؤكد تاج السر حسن أن الاهتمام بالخط العربي بدأ منذ تأسيس المدارس النظامية الأولى في الشارقة، إذ يشير إلى مدارس مثل المدرسة المحمودية التيمية التي أُسست عام 1907، ومدرسة الإصلاح عام 1935، وقد اهتمت هذه المدارس، بتوجيه من رواد العلم في الإمارات، بالعلوم الدينية والعربية، وجعلت الخط العربي أحد أساسيات مناهجها. ومع تولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حكم إمارة الشارقة، شهدت الإمارة طفرة ثقافية شاملة، أصبحت جزءًا منها الرعاية السامية للخط العربي، حيث انطلقت أولى معارض الخط العربي عام 1992 مع جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، مما شكل أساسًا لانطلاق سلسلة من الفعاليات، مثل بينالي الشارقة الدولي للفنون.
ويشير تاج السر حسن إلى تأسيس «ساحة الخط» عام 2002 باعتبارها إحدى الإضافات الفريدة في العالم العربي، حيث ضمت مركزًا متخصصًا في تعليم الخط والزخرفة تحت إدارة دائرة الثقافة. ويضيف حسن أن هذه المنظومة شملت أيضًا «بيوت الخطاطين»، التي تُعد محاضن إبداعية تجمع الخطاطين من مختلف الأجيال، وكذلك متحفًا للخط العربي الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة. ويرى حسن أن هذه الخطوات تعد أساسية في إرساء دعائم تعليم الخط وفق منهج «الدرج»، وهو الأسلوب الأصيل الذي يعتمد على الكراسات والتدريبات المتتالية، بما يضمن عمق المعرفة وإتقان المهارة.
من جهة أخرى، يسلط حسن الضوء على «ملتقى الشارقة للخط» الذي وصل هذا العام إلى دورته الحادية عشرة في عام 2024، مبينًا أن هذا الحدث السنوي لعب دورًا كبيرًا في تطوير فن الخط العربي على مستوى المنطقة والعالم، حيث أصبح يجذب أساتذة الخط والباحثين، كما يتيح للمهتمين والموهوبين فرصة للمشاركة والتعلم. وخلال أكثر من ثلاثة عقود، استضافت الشارقة عشرات الفعاليات والورشات الخطية، والندوات التي ساهمت في بلورة نهضة شاملة للخط العربي، مما جعل الشارقة مركز جذبٍ لعشاق هذا الفن العربي الأصيل.
وفي إطار الجهود التي ترمي للوصول إلى شريحة أكبر من المجتمع، أطلقت دائرة الثقافة عام 2015، وبمبادرة من صاحب السمو حاكم الشارقة، برنامج «كتاتيب»، الذي يهدف إلى إحياء تقليد تعليم الخط العربي داخل المساجد في الأحياء السكنية. ويرى حسن أن «كتاتيب» يمثل نقلة نوعية في مجال تعليم الخط العربي، لأنه يقترب من أفراد المجتمع ويتيح لهم فرصة اكتشاف موهبتهم وتطويرها، كما أنه يسهم في إيجاد رابط بين الفنون الإسلامية والتراث المجتمعي اليومي.
يختتم تاج السر حسن حديثه بالإشارة إلى أن الشارقة، بمبادراتها وفعالياتها، أصبحت واحدة من أهم مراكز الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، فقد قدمت جهودًا عملية وخلاقة استحقت التقدير، وأكدت مكانتها كمحافظة على التراث، وفاعلة في إحيائه وتطويره. ويرى حسن أن تجربة الشارقة لا تقدم نموذجًا لتعزيز فن الخط فقط، بل ترسيخًا للهوية الثقافية في إطار حضاري ممتد، يجمع بين التاريخ والأصالة وبين الابتكار والانفتاح على المستقبل.
في ظل الاهتمام المتزايد بفن الخط العربي بين الشباب العماني، يشير الخطاط العماني سامي بن زين الغاوي إلى أن هناك مجموعة متنامية من الشباب الواعد الذين أبدعوا في احتراف هذا الفن. ويرى الغاوي أن هؤلاء الشباب تأثروا، بلا شك، بمدارس الخط العربية والإسلامية الرائدة، حيث اكتسبوا أساليب متنوعة من أساتذة الخط في العالم العربي والإسلامي. ويعود هذا التأثر، إلى الانفتاح الكبير الذي أتاحته منصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الدور البارز الذي تلعبه المسابقات والمعارض الفنية التي تقام في العديد من الدول العربية والإسلامية، مما يسهم في الحفاظ على جماليات وأصالة هذا الفن العريق.
ويؤكد «الغاوي»، ضمن إطار المدرسة العمانية الحديثة، أن الشباب العماني قد أخذ على عاتقه مسؤولية الحفاظ على هذا الموروث الحضاري العريق، سواء من خلال جهودهم الفردية أو عبر دعم المؤسسات الرسمية التي تسهم في إبراز هذا الفن عبر تنظيم مسابقات ومعارض تهدف إلى تعزيز الوعي بثقافة الخط بين أفراد المجتمع.
وعن تأثير التكنولوجيا الحديثة، يوضح «الغاوي» أن التقنية لعبت دورا مهما - بل قد تكون صاحبة الفضل الأكبر بعد الله - في نشر فن الخط العربي على نطاق واسع، بعد أن كان مقتصرا على فئات محدودة. ويوضح أن التكنولوجيا ساعدت في جعل فن الخط جزءا من حياة الناس، مؤكدا أن هذه الوسائل التقنية ليست عائقا أمام أصالة الخط العربي، بل يمكن القول: إنها وسيلة فعالة في الحفاظ عليه ونشره. غير أن الغاوي ينبه إلى أن استخدام التكنولوجيا في هذا المجال، كأي وسيلة أخرى، يعتمد على النية والغرض؛ فكما هناك من أساء استخدامها لأهداف شخصية، نجد من استثمرها في خدمة الفن ودعمه وانتشاره.
إرثٌ خالد وحضارة متجددة
يقول الأستاذ الدكتور إدهام محمد حنش، أستاذ المخطوطات والفنون الإسلامية ومدير موسوعة المخطوط العربي: إن المدرسة العثمانية لفن الخط العربي تُعد بمثابة «الوريث الحضاري» لمختلف أنواع الخطوط العربية، مستمدةً أصولها الفنية من مدارس الخط الشامية والمصرية والبغدادية، التي تشكل، وفق تعبيره، «العمود الفقري لأقلام الخط المنسوب» التي طورها أمثال ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي. ويضيف د. حنش أن المدرسة العثمانية تميزت بإضافة نوعية إلى هذه الأصول، بما قدمته من سلاسة ومرونة تتجلى في الحروف العربية، مما أضفى جمالًا «رطبًا ومتدفقًا» على أشكالها.
ويذكر حنش أن المؤرخ العثماني حاجي خليفة، صاحب موسوعة «كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون»، كان أول من تحدث عن «نظرية الأقلام الستة» وانتشارها بين الخطاطين العثمانيين، حيث يؤكد حاجي خليفة، كما ينقل عنه د. حنش، أن هذه الأقلام شملت كلًا من الثلث والنسخ والمحقق والريحان والتواقيع والرقاع. ولفت د. حنش إلى أن هذه الأنواع لم تبقَ حكرًا على الأقلام المعروفة فحسب، بل ظهرت أنواع خطية جديدة في الدولة العثمانية، مثل التعليق والديواني والدشتي، وهي خطوط أضافت طابعًا وظيفيًا للإدارة العثمانية، حيث كان حاجي خليفة نفسه يكتب بهذه الأنواع عندما كان يعمل مساعد كاتب، ويُعرف بــ«شاكرد» باللغة التركية، في ديوان «الهمايونية» المالية.
ويتابع د. حنش قائلا: إن المدرسة العثمانية شهدت تحولات فنية أدت إلى اختصار منظومة الأقلام الستة، حيث ركزت بشكل أكبر على خطي الثلث والنسخ، لا سيما بعد أن تحولت بقية الأقلام مثل المحقق والريحان والتواقيع والرقاع تدريجيًا إلى «أساليب خطية جديدة»، أسفرت عن بروز خطوطٍ فنية مثل خط الإجازة والسنبلي والطغراء. ويرى د. حنش أن «الطغراء» تعد بصمة فنية وثقافية بارزة تجسد الهوية العثمانية الفنية بامتياز.
أما عن تصنيف الخطوط العثمانية، فيوضح الدكتور إدهام محمد حنش أنها انقسمت إلى نوعين رئيسيين: الخطوط الفنية، التي يُمثلها خطا الثلث والنسخ اللذان تميزا بتخصصهما في كتابة العناوين والنصوص الرسمية، واستخدامهما البارز في تزيين العمائر الدينية والمدنية، وخاصة كتابة المصحف الشريف. وفي المقابل، يوضح د. حنش، هناك الخطوط الوظيفية التي تُقسم إلى مجموعتين؛ الأولى تشمل الخطوط الهمايونية، كخط الديواني وجلي الديواني، وتُستخدم في الوثائق السلطانية مثل الفرمانات، بينما الثانية تضم خطوط المعاملات الرسمية، مثل خط السياقة والرقعة.
ويوضح أستاذ المخطوطات والفنون الإسلامية ومدير موسوعة المخطوط العربي أن من سمات المدرسة العثمانية فاعلية مجتمع الخطاطين فيها؛ إذ ضمّت الخطاطين من مختلف الطبقات الاجتماعية، بدءًا من السلاطين والوزراء وصولا إلى الحرفيين العاديين. كما يظهر أن المنصب الرسمي للخطاطين كان جزءًا مهمًا في مؤسسات الدولة العثمانية، وهو ما أسس «لقب رئيس الخطاطين»، الذي يُمنح لذوي المكانة الاجتماعية والفنية، ومنهم الخطاط حمد الله الأماسي، الذي كان شيخًا لطريقة صوفية ومعلمًا بارعًا في الخط. ووفق ما يذكر د. حنش، فقد تقلد آخرون هذا اللقب مثل الخطاط أحمد كامل أكديك، الذي شغل منصب رئيس الخطاطين بصفة رسمية.
ومن جانب آخر، يلفت د. حنش إلى مسألة مثيرة للاهتمام لدى الخطاطين العثمانيين، وهي الحرص الكبير على توثيق أسانيدهم التعليمية والفنية، حيث يعنى هؤلاء بتتبع «سند الخطاط» وشجرة نسب الخطاطين، أو ما يعرف بطبقات الخطاطين، وهو أمر يضفي عمقًا على الانتماء الفني ويرسخ الترابط بين الأجيال في هذا الفن.
ويذكر «حنش» أن عام 1914 كان لحظة مفصلية في تاريخ الخط العربي، حيث شهد افتتاح أول مدرسة رسمية للخط العربي في إسطنبول، وتحديدًا في السادس من رجب 1332 هـ. وقد عين فيها عدد من أبرز الخطاطين للتدريس، كان منهم الحاج أحمد كامل أقديك الذي درّس خطي الثلث والنسخ، ومحمد خلوصي الذي درّس خطي التعليق وجلي التعليق، وإسماعيل حقي طغراكش مدرسا لخط جلي الثلث والطغراء، إضافة إلى نجم الدين أوقياي الذي كان مسؤولا عن تدريس صناعة الورق والحبر. وقد أتاحت هذه المدرسة الفرصة لتعليم الفنون الزخرفية المصاحبة لفن الخط، مثل التذهيب وصناعة الورق الفني، بما فيها الورق الفني الخاص المعروف بـ«الأبرو» و«الآهار».
وفي لمحة أخرى عن تطورات الخط العثماني، يوضح د. حنش أن أواخر الحقبة العثمانية شهدت طباعة أول كراسة تعليمية لفن الخط، وهو ما شكل نقلة في حفظ ونشر هذا الفن. وقد ظهرت الكراسة الأولى عام 1875 بعنوان «ترجمان خطوط عثماني»، من إعداد الخطاطين الأخوين محمد عزت والحافظ تحسين. وصدرت الكراسة لاحقًا عام 1889 بعنوان «خطوط عثمانية» واشتهرت بين أوساط الخطاطين باسم «كراسة عزت»، وشملت أنواعًا مثل الثلث، والنسخ، والتعليق، والديواني، وجلي الديواني، وخط الرقعة، وخط الإجازة.
بين الجذور الفنية والإرث
في حديثه عن «المدرسة العربية في الخط العربي»، يوضح د. محمد أحمد حسن، الباحث المتخصص في الخطوط والكتابات العربية والإسلامية بمركز دراسات الكتابات والخطوط بمكتبة الإسكندرية، أن مفهوم «المدرسة» في فن الخط، بمعناه الحديث، هو مصطلح مستحدث، مشيرًا إلى أن أول من استخدمه كان المستشرق كارل بروكلمان، الذي وضع أسس تقسيم مدارس النحو، وقد استعاره لاحقًا مؤرخو الأدب لتعريف مجمل الخبرات الفنية والسمات التصميمية للخط في فترة جغرافية وزمنية محددة، والتي تحمل طابعًا حضاريًا وآثاريًا مميزًا. ويرى د. حسن أن «المدرسة الخطية» ليست فقط نتاج إبداع فردي، بل نتاج حركة تعليمية متصلة وفلسفة جمالية ونقد فني عميق، تتجسد في مخرجاتها المتنوعة بين نساخة المخطوطات والنقوش المعمارية والزخارف التحفية.
وعند التحدث عن المدرسة العربية بمفهومها التاريخي والجغرافي، يؤكد د. حسن أن أصول المدرسة العربية للخط تمتد على مدى قرون منذ بداية العصر الإسلامي وحتى العصور الحديثة، حيث شهد الخط العربي تطورًا وتأثيرًا واضحًا من حضارات وثقافات مختلفة، ابتداءً من دخول العثمانيين إلى العالم العربي في القرن السادس عشر الميلادي وحتى نهاية حكمهم في القرن التاسع عشر. كما يشير إلى اتساع هذا المفهوم ليشمل المناطق التي تأثرت بالحضارة الإسلامية، سواء في الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، بما في ذلك إسبانيا وتركيا وإيران وآسيا الوسطى، مشددًا على أن الخط العربي كان جزءًا من تلك الحضارة الممتدة، ومحمولًا بصبغتها الثقافية.
يعود د. حسن إلى الجذور، مسلطًا الضوء على أسماء بارزة أثرت في مسيرة الخط العربي، مثل ابن مقلة وابن البواب وياقوت المستعصمي من العصر العباسي، ومرورًا بخطاطي العصر المملوكي مثل ابن الصائغ وابن الطيبي والزفتاوي. كما يتطرق إلى طبيعة العلاقة بين الأستاذ والتلميذ في هذا الفن، وما يعرف بـ «الإجازة الخطية»، التي تمثل ضمانًا لجودة واتساق الأساليب الخطية، حيث شكّلت هذه العلاقة نواة لقيام مدارس فنية مختلفة. ويشير د. حسن إلى التصنيف الأسلوبي الذي يعكس كيفية اعتبار اتجاه أو أسلوب خطاط كبير كمنهج مدرسي، وكمقياس تنطلق منه أجيال من الخطاطين.
في سياق متصل، يتناول د. حسن التقسيمات المتعددة لاستخدامات الخط العربي، بدءًا من الخط الحجازي، وصولا إلى الكوفي والنسخ، وهي جميعها استخدمت في نساخة المصحف الشريف، وفي كتابة الوثائق الرسمية والمخطوطات العربية. كما يبرز ظهور «علم أدب الكتابة» وتطوره، وكيف أسهم «علم الشروط» في وضع أسس صارمة تضبط وظائف الخط العربي، وتضفي عليه قيمة تعبيرية داخل الحضارة الإسلامية.
وفيما يتعلق بالجماليات التي تتميز بها المدرسة العربية، يشير د. حسن إلى أن هذه المدرسة رسخت مفاهيم للجمال في الخط العربي مستمدة من القيم الدينية والثقافية، وتحديدًا من القرآن الكريم والسنة النبوية. ويوضح أن هذه الرؤية ترتبط بالفلسفة التي ترى الكمال في التناسق والتوازن الهندسي للأشكال، مستشهدًا بكتابات الفيلسوف أبو حيان التوحيدي في جمالية الخط وتقنياته، حيث تحدث عن هذه الجماليات في رسالته «علم الكتابة». ويؤكد د. حسن أن المدرسة العربية للخط وضعت أسسًا جمالية ترتبط بفلسفة تصميمية متعددة الأبعاد، فإلى جانب المعايير الهندسية، ظهرت نظريات تعمق فهم الخط العربي من حيث فلسفته وجمالياته.
أما عن التأثير الثقافي والفني لهذه المدرسة، يرى د. حسن أن الخط العربي، بفعل تطوره عبر التاريخ الإسلامي، أصبح جزءًا من ثقافة الفنون الإسلامية، متجسدًا في أساليب تصميمية تجمع بين التقاليد الفنية الأصيلة والابتكار الفني. ويضيف أن هذا التراث الفني الثري ليس إرثًا جامدًا، بل له تأثير كبير على الفنون الحديثة والمعاصرة. ويشير د. حسن إلى أن حركة «الحروفية» التشكيلية هي نموذج حي يعكس استمرارية هذا التأثير، إذ كلما غاصت الحروفية في جذور المدرسة العربية ازدادت جاذبية وتأثيرًا في الوسط الفني.
في ختام حديثه، يؤكد د. حسن أن المدرسة العربية في الخط تمثل ركيزة أساسية لهوية الفن الإسلامي، مجسدة بذلك الهوية العربية والإسلامية في تفاصيلها الجمالية والهندسية الفريدة. ويضيف أن الحاجة إلى قراءات عميقة لهذا التراث لا تقتصر على السياقات الأكاديمية، بل تمتد إلى البحث في عناصره الحضارية، الآثارية، والفنية، مشيرًا إلى أن هذه المدرسة العريقة تبقى مصدر إلهام للحفاظ على التراث الثقافي وتطويره
الحفاظ وتطوير الهوية
في إطار دراسة دور إمارة الشارقة، في دعم فن الخط العربي، يوضح الخطاط السوداني تاج السر حسن كيف أصبحت الشارقة نموذجًا رائدًا في تعزيز تعليم الخط العربي والزخرفة، مما يضعها في مصاف أهم الحواضر العربية التي تولي عناية خاصة بهذا الفن. وقد اعتمدت الشارقة نهجًا متكاملا شمل تأسيس المؤسسات وإعداد البرامج واستضافة الفعاليات والملتقيات، بدءًا من مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة وحتى برنامج «كتاتيب»، الذي يقدّم أسلوبًا مختلفًا عبر اكتشاف المواهب في الأحياء ورعايتها داخل المساجد.
يؤكد تاج السر حسن أن الاهتمام بالخط العربي بدأ منذ تأسيس المدارس النظامية الأولى في الشارقة، إذ يشير إلى مدارس مثل المدرسة المحمودية التيمية التي أُسست عام 1907، ومدرسة الإصلاح عام 1935، وقد اهتمت هذه المدارس، بتوجيه من رواد العلم في الإمارات، بالعلوم الدينية والعربية، وجعلت الخط العربي أحد أساسيات مناهجها. ومع تولي الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حكم إمارة الشارقة، شهدت الإمارة طفرة ثقافية شاملة، أصبحت جزءًا منها الرعاية السامية للخط العربي، حيث انطلقت أولى معارض الخط العربي عام 1992 مع جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، مما شكل أساسًا لانطلاق سلسلة من الفعاليات، مثل بينالي الشارقة الدولي للفنون.
ويشير تاج السر حسن إلى تأسيس «ساحة الخط» عام 2002 باعتبارها إحدى الإضافات الفريدة في العالم العربي، حيث ضمت مركزًا متخصصًا في تعليم الخط والزخرفة تحت إدارة دائرة الثقافة. ويضيف حسن أن هذه المنظومة شملت أيضًا «بيوت الخطاطين»، التي تُعد محاضن إبداعية تجمع الخطاطين من مختلف الأجيال، وكذلك متحفًا للخط العربي الذي يعد الأول من نوعه في المنطقة. ويرى حسن أن هذه الخطوات تعد أساسية في إرساء دعائم تعليم الخط وفق منهج «الدرج»، وهو الأسلوب الأصيل الذي يعتمد على الكراسات والتدريبات المتتالية، بما يضمن عمق المعرفة وإتقان المهارة.
من جهة أخرى، يسلط حسن الضوء على «ملتقى الشارقة للخط» الذي وصل هذا العام إلى دورته الحادية عشرة في عام 2024، مبينًا أن هذا الحدث السنوي لعب دورًا كبيرًا في تطوير فن الخط العربي على مستوى المنطقة والعالم، حيث أصبح يجذب أساتذة الخط والباحثين، كما يتيح للمهتمين والموهوبين فرصة للمشاركة والتعلم. وخلال أكثر من ثلاثة عقود، استضافت الشارقة عشرات الفعاليات والورشات الخطية، والندوات التي ساهمت في بلورة نهضة شاملة للخط العربي، مما جعل الشارقة مركز جذبٍ لعشاق هذا الفن العربي الأصيل.
وفي إطار الجهود التي ترمي للوصول إلى شريحة أكبر من المجتمع، أطلقت دائرة الثقافة عام 2015، وبمبادرة من صاحب السمو حاكم الشارقة، برنامج «كتاتيب»، الذي يهدف إلى إحياء تقليد تعليم الخط العربي داخل المساجد في الأحياء السكنية. ويرى حسن أن «كتاتيب» يمثل نقلة نوعية في مجال تعليم الخط العربي، لأنه يقترب من أفراد المجتمع ويتيح لهم فرصة اكتشاف موهبتهم وتطويرها، كما أنه يسهم في إيجاد رابط بين الفنون الإسلامية والتراث المجتمعي اليومي.
يختتم تاج السر حسن حديثه بالإشارة إلى أن الشارقة، بمبادراتها وفعالياتها، أصبحت واحدة من أهم مراكز الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية، فقد قدمت جهودًا عملية وخلاقة استحقت التقدير، وأكدت مكانتها كمحافظة على التراث، وفاعلة في إحيائه وتطويره. ويرى حسن أن تجربة الشارقة لا تقدم نموذجًا لتعزيز فن الخط فقط، بل ترسيخًا للهوية الثقافية في إطار حضاري ممتد، يجمع بين التاريخ والأصالة وبين الابتكار والانفتاح على المستقبل.