رأي عُمان

الحروب لا تؤسس للسلام أبدا

 
منذ أكثر من عام يعيش العالم على وقع أخبار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتي تمددت الأشهر الماضية إلى لبنان، فهذه أفظع حرب إبادة فـي القرن الحادي والعشرين ومن بين أفظع الإبادات عبر التاريخ، وما يزيدها فظاعة أنها تقع فـي العقد الثالث من الألفـية الجديدة التي يفترض أن تكون الإنسانية قد وصلت إلى مرحلة تجاوزت فـيها حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، لكن هذه المرحلة التي وصلت لها الإنسانية من التقدم التكنولوجي لم تشفع للشعب الفلسطيني، بل إنها -مع الأسف الشديد- ساهمت فـي تبلد الحس الإنساني وتحول ضحايا الحرب إلى مجرد أرقام رغم المشاهد المؤلمة للأطفال والنساء التي نراها كل يوم.

لكن وحشية الحرب لا يمكن قراءتها فـي سياق اللحظة التي تحدث فـيها وكأن تأثيرها ينتهي بانتهاء اللحظة أو بانتهاء الحرب، إن أثر وحشية الحروب والإبادات الجماعية ومشاعر الظلم التي تقع على بعض الشعوب والمجتمعات لها تأثيرات بعيدة المدى.. إنها تسهم بشكل واضح فـي بناء دورات متتالية من الحروب ومن العنف ومن التشدد، وإذا كانت القوانين الدولية تعطي الشعب الفلسطيني حق مقاومة المحتل فـي ظل فشل المجتمع الدولي عبر عقود طويلة من إعطاء الشعب الفلسطيني أبسط حقوقه المتمثلة فـي دولة مستقلة وفـي حياة هادئة بكرامة وإنسانية فإن هناك آلافا من العرب والمسلمين الذين يشعرون أن كرامتهم تجرح وإنسانيتهم تنتهك حينما يشاهدون أن عملية قتل الأطفال والأبرياء فـي غزة هي بدافع الانتقام للقيام بعمليات استشهادية وأعمال «عنف» فـي إطار الانتقام أو الرغبة فـي الضغط على المجتمع الدولي للتدخل من أجل وقف الحرب. وهذا الأمر ليس مجرد توقعات إنه يحدث الآن وقد يتفاقم مع استمرار الحرب. ورغم خطورة مثل هذه العمليات خاصة إذا كانت خارج فلسطين المحتلة إلا أن الخطر الأكبر يكمن فـي تشكل تنظيم «متطرف» يحاكي تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش فـي العنف خاصة وأن بعض الشعوب العربية ساخطة من أنظمتها بسبب مواقفها من الحرب.. ويمكن تذكر بعض سياقات تشكل تنظيم «داعش» فـي أعقاب ما حدث فـي العراق بعد عام 2003.

تذكر دراسة أجراها مجلس العلاقات الخارجية ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن أحد أسباب ظهور التطرف فـي العراق فـي مرحلة من المراحل يعود إلى الدمار الكبير الذي أحدثه الغزو الأمريكي للعراق وإلى الفراغ فـي السلطة الأمر الذي ساهم فـي تأجيج الاستياء العراقي وخلق بيئة مهيأة لظهور تنظيم مثل تنظيم «داعش» دون إغفال لأدوار أساسية أخرى فـي ظهور مثل هذا التنظيم.

إن الوحشية التي شاهدها العالم فـي حرب الاحتلال على قطاع غزة سواء عبر الإبادة الجماعية أم التدمير الممنهج لكل البنى الأساسية فـي القطاع والآن فـي لبنان من شأنها أن تنسف أي أفكار قد تظهر فـي خلال عقد من الزمن حول سلام محتمل مع إسرائيل ويجعل احتمالات تكرار ما حدث فـي السابع من أكتوبر قائمة متى ما كانت المقاومة تستطيع تكرارها مرة ثانية وثالثة.. ولا يمكن أن يتلاشى شعور الرغبة فـي الانتقام الذي يتشكل فـي عمق الفلسطينيين خصوصا، متى ما كان ذلك ممكنا.. وبهذا المعنى أن هذه الحرب لا يمكن أن تكون بأي معنى من المعاني بهدف حماية إسرائيل ولكنها فـي الحقيقة ترسخ بعيدا عن السياق السياسي لحقيقة مآل إسرائيل الحتمي.

إن فكرة السلام التي يتحدث عنها بعض السياسيين مهمة من حيث النظرية وأساسية لترسيخ استقرار المنطقة لكن لا يمكن فهمها فـي معزل عن معالجة الجذور الأساسية وخاصة جذور الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني طوال أكثر من سبعة عقود من الزمن.. هذه المعالجة رغم تعقيدها يمكن وحدها أن تسقط مظالم الشعب الفلسطيني إلا أنها قد لا تنسيه مشاهد الإبادة على المدى المتوسط فـيما لو تحقق السلام وتم معالجة المظالم.