أفكار وآراء

إسرائيل على هاوية السقوط.. مؤشرات الهزيمة

سيتصور بعضُ القرّاءِ عبر عنوان المقال أن الحرب وضعت أوزارها، وأن الكيان الصهيوني دفع ثمن حماقاته التي أودت إلى خسارته، ولكن كل ما في الأمر أننا نضع تصورًا لمستقبل قريب قادم يحمل في طيّاته شيئا من التوقعات القادمة التي تنبؤها أحداث الحاضر وتستدل عليها في وضع تصور للأحداث القادمة.

توشك أحداث الحرب الحالية التي يشنّها الكيان الصهيوني على فلسطين ولبنان أن تؤكد تحقق حدوث خسارة غير مسبوقة للكيان الصهيوني لا يُستبعد أن تكون خسارته النهائية التي ستقصيه من ساحة الشرق الأوسط وتعيده إلى الساحة الغربية التي تستميت في ضمان بقائه البعيد عنها وتأمين كيانه الذي يقبع على أراضٍ مسلوبة. يمكن التعويل على مؤشرات تساعدنا في قراءة مشهد الحرب الحالية التي ستقرّبنا إلى فرضية شبه محققة في خسارة إسرائيل للحرب وهزيمتها من قبل جبهات المقاومة وبتصاعد موجات الغضب العالمية، وستقرّبنا إلى تصوّر المشهد القادم بعد الحرب وخسارة إسرائيل.

تأتي هذه المؤشرات في أشكال ملحوظة منها زمن الحرب ودلالات طول مدته غير المسبوقة، والاستماتة الأمريكية والغربية في دعم الكيان، والمواجهة الجريئة التي يقودها الكيان الصهيوني ضد منظمات الأمم المتحدة وتحديها للقوانين الدولية بشكل علني، والمواجهة الإسرائيلية الإيرانية المباشرة وسقوط ورقة «إسرائيل القوة الأكبر في المنطقة»، وصمود المقاومة رغم الجراح النازفة.

يستدعي إصرار الكيان الصهيوني على استمرار الحرب رغم ما يواجهه من تحديات تساؤلات كثيرة نربط بعضها بالتجارب السابقة للحروب بين الكيان الصهيوني والعرب بشكل عام، وتحاول أذهاننا فرز هذه الحروب وأبعادها ونتائجها؛ فنستوعب بشكل جلي أن هذه الحرب الحالية ليس مثل سابقاتها من الحروب؛ فتظهر إرادة عالية للكيان الصهيوني للانتصار وهزيمة قوى المقاومة أجمعها عبر مغامرته في مواجهة جميع قوى المقاومة في المنطقة الذي يشمل حماس وحزب الله؛ لتستفرد بنفوذ عسكري وسياسي وجغرافي في المنطقة أكثر اتساعا من أيّ زمن سابق، ونستحضر هنا ما سبق أن ألمحنا إليه في مقالنا السابق عن الأهداف التوراتية التي يعمل الكيان الصهيوني على تحقيقها في حربه الحالية التي يمكن أن نستدل عليها بواسطة تضاعف ترديد الكيان وقادته للمفردات العنصرية المستقاة من المصادر الصهيونية الدافعة لاستمرار الحرب والقتل وتوسيع الرقعة الجغرافية للكيان، وكذلك تصريح نتنياهو بخطته لإعادة تشكيل الشرق الأوسط تحقيقا للحلم الصهيوني، وفي خضمِّ معمعة الظاهرة الصهيونية وجرائمها، نجدُ حضورَ الوعي العربي والإسلامي والعالمي بالمسار الصهيوني، ونجد تفاعل هذا الوعي على جميع المستويات بمن فيهم أفراد المجتمعات ومنظمات المقاومة والمجتمعات وبعض المؤسسات الحكومية مثل الحكومة التركية على لسان رئيسها الذي صرّح بهذا الخطر التوسّعي للكيان الصهيوني وحذّر منه، ويتضح حينها عبر هذا المؤشر الأول تحقق الوعي السياسي والمجتمعي بحقيقة الخطر الصهيوني، وحدوث التحوّل من مستوى العقل الجمعي الراضخ لفكرة قبول الكيان إلى مستوى الرفض القاطع لهذا الكيان، ويمكن أن نعتبر هذا أول المؤشرات التي تُنبىء بحدوث الهزيمة للكيان الصهيوني الذي لم تعد مخططاته الإجرامية مخفيّة عن الجميع.

تنطلق المبررات الأمريكية المعلنة في حماية الكيان الصهيوني ومدّه بالسلاح والمال لأسباب تتعلق بحماية أمن إسرائيل وكيانها وبقائها، ولكن في حقيقة الأمر تتفرّع من هذا المبرر الرئيس تفاصيل أخرى منها ذات جذور دينية تعتقدها طائفةٌ من المسيحيين -أكثر من اليهود أنفسهم- الذين يؤمنون بالصهيونية باعتبارها أيديولوجية ذات بعد ديني تتعلق بضرورة قيام دولة إسرائيل وتحقق المعركة النهائية «هرمجدون» التي ستكون حتمية لظهور المسيح -وفق اعتقادهم-، وتتبين من هذه السردية جذور تأسس الصهيونية فكرةً وكيانًا، ويأتي في سياق هذا النقاش تساؤلٌ مهم: من يسيطر على الآخر، أمريكا أم إسرائيل؟ فمن اليسير أن نجيب أن إسرائيل هي من تتحكم بالقرار السياسي لأمريكا عبر مجموعات الضغط الصهيونية ذات النفوذ المالي، وذلك عبر تمويلهم القوي لحملات الانتخابات للنواب الأمريكيين والانتخابات الرئاسية بعد أخذ تعهدات تضمن الولاء المطلق للكيان الصهيوني، ولكن رغم وجود هذا الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الصهيوني؛ فإن نهضة الوعي العالمي بالصهيونية وخطرها على الإنسانية تتصاعد بشكل غير مسبوق؛ فباتت مجموعات الضغط الصهيونية في موقف أضعف من أيّ وقت مضى رغم نفوذهم المالي والإعلامي؛ فلم يعد تأثيرهم المالي والإعلامي في ظل تصاعد الإعلام الرقمي الحر وارتفاع معدلات الوعي المجتمعي ذا مفعول، وهذا ما سنراه يُشكِّل أداة ضغط مضادة لمؤسسات صناعة القرار السياسية والعسكرية في أمريكا مما يجعلهم أمام خيارات ضعيفة لا تضمن بقاء الدعم أو على الأقل تقلّصه؛ فهذا مؤشر آخر سيقود الصهيونية إلى خسارة غير معهودة.

في مؤشر آخر، بفضل الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود للكيان الصهيوني ومدّه بكل مستجدات العلم والسلاح، أظهر الكيان نفسه قوةً لا تهزم ولا منافس له على الأقل في منطقة الشرق الأوسط؛ ليكون بمثابة الفزاعة التي لا يجرؤ أحد على إسخاطها، ولكن كشفت هذه الحرب مدى هشاشة هذا الكيان وضعف نظامه السياسي والاقتصادي، بل وضعفه العسكري الذي أيقن بعض الخبراء عدم قدرته على خوض حرب لمدة أكثر من 6 أشهر إلا بوجود دعم مكتمل الأركان من أمريكا والغرب يشمل السلاح والمال والخبراء والجنود، وهذا ما كانت تخشاه الولايات المتحدة الأمريكية من توسّع هذه الحرب التي ستكون شرارة تهدد الوجود الإسرائيلي والمصالح الأمريكية خصوصا حال المواجهة الشاملة مع قوة بحجم حزب الله التي لم تكن أمريكا ترغب بحدوثها كما جاء في كتاب «الحرب» لـ«بوب وودورد»، وأكد هذه المخاوف المواجهة المباشرة التي جرت بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي حدثت في هذه الحرب ولأول مرة في تاريخ الصراع الصهيوني العربي والإسلامي؛ فأثبتت الضربات الإيرانية على الأراضي المحتلة قدرات صاروخية إيرانية عالية القوة والدقة، وفي المقابل أثبتت ضعف منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية في محاولة مواجهة الهجمات الصاروخية الإيرانية وصدها، وكذلك أثبتت محاولة الكيان الصهيوني المترددة على ضرب بعض الأهداف الإيرانية قوة منظومة الدفاعات الجوية الإيرانية التي استطاعت وبشهادة عدد من الخبراء والمحللين وعبر ما أظهرته المقاطع المرئية الملتقطة أن تصد معظم هذه الضربات الإسرائيلية؛ لتعلن بعدها الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمسّكها بحق الرد والدفاع، ولترسل رسالة مفادها أنها سيدة الموقف وصاحبة القرار العسكري الأقوى في وضع حد للغرور الصهيوني، ويتضح لنا بسقوط أسطورة «إسرائيل الدولة التي لا تهزم» المؤشر الثالث الذي يدلنا على تحقق الهزيمة المرتقبة للكيان الصهيوني الذي أثبت للعالم أجمع كرهه للتعايش مع البشرية ونبذه لأدنى حقوق الإنسان وحقه في الحياة، ولعلّ مشهد جنازة أحد الحاخامات العسكريين الذي قُتِلَ في جنوب لبنان دليلا من بين آلاف الأدلة التي تثبت جرائم هذه الكيان ودناءته؛ إذ ظهر شقيقُ الحاخام المقتول وهو ينعى شقيقَه ويطلب من الرب -حسب وصفه- الانتقام وأن أخاه المقتول أسهم في قتل النساء والأطفال في غزة دون أيّ مبالاة للرأي العام ولأيّ اعتبارات أخلاقية. ستثبت لنا الأيام المقبلة حجم المأزق الذي يواجه الكيان الصهيوني، والذي يقوده إلى النهاية والهزيمة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني