إسرائيل والهاجس الوجودي.. الديموغرافيا الفلسطينية
الأربعاء / 26 / ربيع الثاني / 1446 هـ - 20:54 - الأربعاء 30 أكتوبر 2024 20:54
رغم التوقيت الحرج الذي جاءت فيه الضربة الجوية الإسرائيلية لإيران، الأسبوع الماضي يمكن القول: إنه ليس بالإمكان معرفة نوايا نتنياهو الحقيقية حيال الموقف النهائي من النظام الإيراني، وما إذا كان الرجل يريد تدمير المشروع النووي الإيراني، أو حتى إسقاط النظام هناك باغتيال بعض رموزه، أو حتى ما إذا كانت هناك ضربة إسرائيلية أخرى لإيران من عدمها، قبل أن تتكشف نتائج الانتخابات الأمريكية في الخامس من شهر نوفمبر القادم. فنتنياهو ظل باستمرار يماطل في الموافقة على كل مبادرات إنهاء الحرب في سبيل الوصول إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. هو بطبيعة الحال يتمنى أن يكون الفوز في هذه الانتخابات حليفا لترامب، نظرا لسياسات ترامب المختلفة عن سياسات الديمقراطيين في التعامل مع النظام الإيراني، لا سيما في ظل ما راج مؤخرا في أوساط حملة ترامب الانتخابية في التحذير من عملية اغتيال محتملة لترامب على يد عملاء للنظام الإيراني في أمريكا. كما أن ما يرشح من أخبار في إسرائيل بإمكانية أن تكون هناك ضربة جوية أخرى لإيران بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، ردا على محاولة اغتيال نتنياهو عبر طائرة مسيّرة استهدفت منزل نتنياهو، قبل أيام، يتماهى تماما -في حال فوز ترامب- مع التصور الذي يقوم على فكرة توحيد العدو الذي يريد اغتيال كل من الرئيس الأمريكي المحتمل دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبالتالي يمكن القول إن احتمال الضربة الأخرى لإيران لا يزال احتمالا قائما، خصوصا إذا ما أضفنا إلى ذلك تعليق رحلات بعض شركات الطيران العالمية مثل «لوفتهانزا» الألمانية وغيرها إلى يوم 30 نوفمبر. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن القول إن جميع الخطوط الحمراء يمكن تجاوزها من طرف نتنياهو، بما في ذلك ضرب المشروع النووي الإيراني؟ من واقع ضغط الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية، سيبدو واضحا أنها نجحت في لجم نتنياهو عن التهور في القيام بتجاوزات خطيرة في إيران مثل ضرب المشروع النووي الإيراني، لكن مع ذلك، ومن واقع تصرفات نتنياهو الهوجاء في الاندفاع نحو مصالحه السياسية الضيقة، سيبدو -نظريا على الأقل- ثمة احتمال قائم للقيام بخطوات مجنونة كضرب المشروع النووي، في حال فوز ترامب بالانتخابات -ولو كان هذا الاحتمال يبدو احتمالا مستبعدا لكنه ممكن. تحرُّز الولايات المتحدة من ضرب المشروع النووي الإيراني أو حتى فكرة إسقاط النظام من قبل إسرائيل، يصب في جدوى مصالح استراتيجية أمريكية وإقليمية ودولية كبرى وهو أمر قد لا تسمح به الولايات المتحدة نظرا للأضرار الخطيرة التي يمكن أن تنجم عنه في منطقة الشرق الأوسط. لكن الأخطر من ضرب المشروع النووي الإيراني بالنسبة لإسرائيل (في تقديرنا وتقدير كثير من المحللين) هو مشكلة الديموغرافيا الفلسطينية، فهذه المشكلة هي الهم التاريخي المؤرق لإسرائيل، ولهذا يمكن القول إن في تعنت نتنياهو أمام أي مبادرة لإنهاء الحرب -حتى بعد الانتخابات الأمريكية- ما يصب في مصلحة هذا الخيار الخطير. كل من الأردن وجمهورية مصر العربية تدركان خطورة ونتائج تنفيذ الحل الإسرائيلي لهاجس الديموغرافيا الفلسطينية، لأن الدولتين تعرفان أن حلا مثل هذا سيكون على حساب الأراضي المصرية والأردنية. كما أن في ما يسمى بخطة «الجنرالات» في إسرائيل، وهي خطة قديمة تستهدف الاستيطان في قطاع غزة عبر تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وتهجير فلسطيني الضفة إلى الأردن، قد يفسر الكثير من نوايا نتنياهو، خصوصا بعد إجماع الكنيست الإسرائيلي على عدم قيام دولة فلسطينية. في تقديرنا إن هاجس الديموغرافيا الفلسطينية في إسرائيل هو الهم الأكبر بالنسبة لمخططات نتنياهو واليمين الديني الحاكم في إسرائيل، وهو أكبر حتى من ضرب المشروع النووي الإيراني. فإذا كانت فكرة ضرب المشروع النووي الإيراني، وحتى إسقاط النظام الإيراني؛ فكرة لا يمكن أن تتم إلا وفق موجهات استراتيجية أمريكية وتوافقات دولية، فيمكن القول إن مشكلة الديموغرافيا الفلسطينية هي مشكلة خاصة بإسرائيل. في نهاية فيلم «ميونخ» الذي أخرجه المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج عن «عملية ميونخ» يجيب عميل الموساد «إفرايم» بطل الفيلم ردا على سؤال الأخير: «هل إذا انتهينا من هذه المهمة سينتهي كل شيء؟»: «إذا عاش هؤلاء الرجال فالإسرائيليون سيموتون». |