أفكار وآراء

كيف يخدم عنف المستوطنين مصالح إسرائيل؟

ترجمة: قاسم مكي



بعد مرور عام على أحداث 7 أكتوبر وحرب غزة التي أعقبتها، يزداد (ظاهريا) قلق المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بشأن تصاعد العنف الذي يرتكبه المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ففي يوليو أعلن اللواء يهودا فوكس الرئيس المغادر للقيادة المركزية للجيش الإسرائيلي والتي تتولى الإشراف على الضفة الغربية أن «الجريمة القومية أطلت برأسها تحت غطاء الحرب وقادت إلى أعمال انتقامية وزرعت الفوضى والخوف في نفوس الفلسطينيين الذين لا يشكلون أي تهديد».

وبعد أسابيع قليلة لاحقا حذر رونين بار رئيس جهاز «شين بيت» قادة إسرائيل من أن الإرهاب اليهودي في الضفة الغربية خرج عن السيطرة وأصبح مهددا خطيرا للأمن القومي الإسرائيلي. وأشار بار ضمنيا إلى السياسات التي يروّج لها وزراء اليمين المتطرف وأساسا ايتمار بن غفير وبتسلئيل سوريتش اللذين يطالبان علنا بضم الضفة الغربية.

لكنْ هنالك شيء مضلل بشأن هذه التصريحات. إنها تصوِّر المستوطنين الذين يرتكبون أعمال العنف وكأنهم يقومون بذلك خارج معايير الاحتلال الإسرائيلي وكأن الأفعال الرسمية للقوات الإسرائيلية نفسها ليست عنيفة والجنود غير متورطين. هذا التأطير لما يحدث يسمح للقوات الإسرائيلية التي تمارس صلاحيات سلطة الاحتلال في الضفة الغربية بتجنب المسؤولية عن هذه الهجمات. وعندما ينتقد المسؤولون الأمنيون أو ساسة يسار الوسط الجيش نفسه لفشله في مواجهة العنف يسهم مثل هذا النقد أيضا في الفصل بين الجيش وبين العنف نفسه.

من الواضح أن الحقيقة أكثر تعقيدا. فمنذ العشرية الأولى تشكل بالتدريج جيشان داخل القوات الإسرائيلية. فإلى جانب الجيش الرسمي ظهرت قوة شرطية (تمارس مهام الشرطة) في الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل. تشمل هذه القوة الشرطية لواء مشاة يتمركز بصفة دائمة في الضفة ووحدات من شرطة الحدود ومليشيات مستوطنين مدربين بواسطة القوات الإسرائيلية ظاهريا للدفاع عن النفس.

بعكس الجيش الرسمي هذا الجيش الشرطي لا يخضع لهيكل تراتبي (تسلسل قيادي) بل تسيطر عليه شبكة من جهات غير رسمية أهمها جماعات المستوطنين وقيادتها السياسية القوية.

وفي حين تتمثل المهمة الرسمية لهذه القوة الشرطية من بين أشياء أخرى في حماية كل من الفلسطينيين وجماعات المستوطنين إلا أن مهمتها غير الرسمية هي تعزيز ضم أجزاء من الضفة الغربية في هدوء وتفكيك الترابط الجغرافي بين الأراضي التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. لهذه الغاية يحتاج الجيش الشرطي إلى عنف المستوطنين لتنفيذ ما لا تستطيع إسرائيل الرسمية القيام به.

وصفت جماعة حقوق الإنسان الإسرائيلية «بتسليم» هذه الدينامية في تقرير عام 2021 تحت عنوان (عنف المستوطنين يساوي عنف الدولة). حدد التقرير عملية متكاملة للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تتكون من تصرفات رسمية للدولة تقترن مع عنف المستوطنين. جاء في التقرير «عنف المستوطنين هو شكل من أشكال السياسة الحكومية تيسره وتحرض عليه سلطات الدولة الرسمية بمشاركتها النشطة». وهذا هو السبب في السماح المنهجي بمثل هذا العنف.

في الفترة بين 2005 و2023 أفضت نسبة 3% فقط من التحريات في جرائم ارتكبها إسرائيليون ضد الفلسطينيين بدوافع أيديولوجية إلى إدانات، حسب جماعة حقوق الإنسان «يش دين». وهذا الرقم الضئيل يعكس أساسا الفترة التي سبقت سيطرة بن غفير على الشرطة.

في عام 2022 عندما كانت تدير الأمور في إسرائيل حكومة من يمين الوسط يقودها نافتالي بينيت ويائير لابيد بلغ متوسط الهجمات الشهرية للمستوطنين على الفلسطينيين حوالي 71 هجوما، وفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن ذلك الرقم كبير فإن الخطاب العام حول هذه القضية كان صامتا نسبيا خلال هذه الفترة ولم يُصدر كبار المسؤولين الأمنيين تحذيراتٍ بشأن هذه الهجمات. ثم ارتفع ذلك الرقم إلى حوالي 110 هجمات شهريا بعد بداية حرب غزة في العام الماضي وحتى شهر أغسطس من هذا العام.

يترتب عن ذلك أننا بدلا من مناقشة عنف المستوطنين بشكل عام يجب علينا التمييز بين شكلين من العنف؛ وظيفي واعتباطي. العنف الوظيفي هو النوع الذي يخدم أهداف الدولة بما في ذلك العنف كأداة مفيدة للاستيلاء على الأرض ولهذا يُسمح به. أما العنف الاعتباطي فمفرط في عدوانيته. وهو يتصاعد إلى درجة تهديده لنظام الأمن في الضفة الغربية والذي تسعى إسرائيل الرسمية إلى المحافظة عليه. كما يضر بقدر كبير المشروعية الدولية لإسرائيل.

يشمل العنف الاعتباطي الهجمات المنظمة والمميتة بواسطة المستوطنين على المجتمعات المحلية الفلسطينية مثل الهجوم الذي تعرضت له مؤخرا بلدة جيت. فقد أشعل عشرات المستوطنين بعضهم ملثَّم الحرائق في المباني والسيارات وقذفوها بالحجارة والقنابل الحارقة. هذا النوع من العنف لا يخدم الهدف الملموس الذي تسعى وراءه إسرائيل (قضم الأراضي الفلسطينية). ومن بين أمثلة ذلك هجمات المستوطنين على القوات الإسرائيلية نفسها، وهذا هو العنف العشوائي الذي يدينه المسؤولون الإسرائيليون.

بالمقابل يُسمح بالعنف الوظيفي. وقد تُشكِّل حالة تهجير سكان التجمعات القروية مثالا مقنعا لذلك. فحسب منظمة بتسليم منذ بداية الحرب هُجِّرَ قسرا حوالي 1100 فلسطيني يقيمون في 19 تجمعا فلسطينيا متباعدا ومزارع تملكها وتقيم فيها عائلات فلسطينية منفردة. وفي كل هذه الحالات نزحت العائلات بعد تعرضها إلى أعمال عنف أو تهديدها بواسطة مستوطنين كانوا برفقة جنود أحيانا.

أقرَّت القوات الإسرائيلية عقب تحرياتها في الهجمات على قرية جيت بأن الجنود تلقوا تحذيرا مسبقا لكنهم لم يتحركوا لإيقاف المهاجمين.

مع ذلك عندما طالبت التجمعات المهجَّرة بالعودة إلى أراضيها تحت حماية الجيش الإسرائيلي كان يمكنه تيسير العودة. لكنه بدلا عن ذلك منع عودتها. بل أعلن صراحة أنه ليست لديه النية لمساعدتها.

حتى الآن تمكن أهالي قرية خربة زانوتا فقط من الحصول على قرار من المحكمة وسمح لهم بالعودة. في الأثناء دمر المستوطنون معظم مساكنهم هناك. ومع ذلك لم يأذن الجيش الإسرائيلي للسكان بإعادة بنائها. بل مارس عليهم ضغوطا لمغادرة القرية متعللا بأعذار قانونية.

صحيح تقلصت سلطة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية مع صعود حكومة إسرائيل اليمينية في عام 2023. فاتفاقيات الائتلاف الحكومي منحت سموتريش سلطات واسعة في الضفة الغربية. وكما كشف مؤخرا ناحوم بارنياع وهو أحد كبار كتّاب الرأي بصحيفة يديعوت أحرونوت أدّت الإدارة التي يقودها سموتريش دورا رئيسيا في الضم المتسارع للضفة الغربية بتجاوز سلطة قوات الاحتلال. مع ذلك يظل الجيش الجهة المسؤولة عن القوات الموجودة هناك والتي من بين مهماتها حماية الفلسطينيين (من عنف المستوطنين). وعندما يمتنع الجيش الإسرائيلي عن تقديم هذه الحماية فالرسالة التي يبعث بها هي أن مثل هذه الحماية ليست في مصلحته.

ياجيل ليفي أستاذ علم الاجتماع السياسي والسياسات العامة ورئيس معهد الجامعة المفتوحة لدراسة العلاقات المدنية - العسكرية.