من نحن؟ ومن أنتم؟
الأربعاء / 26 / ربيع الثاني / 1446 هـ - 20:25 - الأربعاء 30 أكتوبر 2024 20:25
فـي عالم يموج بالأهوال والمصائب، وفـي بقعة كاد أن يكون قاطنوها هم المعذّبون فـي الأرض على مر العصور، وليس ذنبهم سوى أنهم استقرّوا واستوطنوا هذه المنطقة المسماة جيوسياسيًا «الشرق الأوسط»، ظلّت المنطقة الجغرافـية التي تشمل كلا من إيران وتركيا، برفقة الدول العربية فـي الخريطة التي نسميها عرفـيًا «من المحيط إلى الخليج»، مركزًا لصراع القوى الكبرى، وليست الحضارات؛ لأن القوى الكبرى لم ترَ فـي هذه المنطقة سوى المصالح السياسية والاقتصادية وموطنًا مهمًا للضغط على بقية البشر، فـي عالم يشكّل فـيه المؤمنون بالأديان قرابة تسعين بالمائة من عدد سكان الكوكب، فـيما يحتل البقية قرابة العُشر المتبقي من النسبة التي لا يمكن التحقق من دقتها بأي حال من الأحوال، وذلك حسب موقع Adherents الذي نشر هذه الإحصائية قبل سنوات قليلة. وعلى كل، فإن الذي يهمّنا فـي المسألة أن الديانات خرجت من هذه المنطقة الجغرافـية أو المناطق المحيطة بها والملاصقة لها، كالهند والصين، بديانات الهند المتنوعة والبوذية الممثلة فـي التنين الصيني. هذا التنوع والمركزية الدينية جعلا المنطقة مركز صراع ديني إلى جانب الصراع السياسي الأوضح. فمن الطبيعي والحالة هذه أن تكون المنطقة حلبة صراعات وتصفـية حسابات؛ فبجانب الأهمية الاقتصادية، والتي بدورها تحدد كل شيء آخر، هنالك أهمية جيوسياسية ودينية. فكيف تُقنع الشعوب المغيّبة عن واقع صدارة الجدوى الاقتصادية بخوض الحروب؟ هنا تكمن أهمية استعمال الدين كمطية للساسة الطامعين فـي تحقيق مآربهم الخفـية عن شعوبهم. لذلك بدأت الحروب الصليبية، والتي تبيّن -فـيما بعد- للشعوب الصليبية نفسها أنه لم يكن لها علاقة لا بالصليب ولا بالمصلوب، وأن مقاصدها كانت اقتصادية بحتة ترتبط بالمصلحة الجيوسياسية؛ فالسيطرة على الأماكن المقدسة تحقق مبالغ طائلة وعائدات كبيرة جدًا، كما أنها توفّر قوةً ناعمة لبث الرسائل السياسية للشعوب التي تزور تلك المقدسات، وهو ما يجعلها رصيدًا مستقبليًا قابلًا للاستعمال فـي فترات التذبذب والنزاع. وفـي حقبة تاريخية ظهرت فـيها حدود الدول وصارت مصطلحات مثل الوطن والمواطنة والهوية مرتبطة بكيان الدولة وحدودها الجغرافـية، أصبح التأثير المشترك والمتناسب بين الشعب والقيادة السياسية أو أصحاب القرار أمرًا مصيريًا ومشتركًا لتقدم الدولة وتطورها والمحافظة على مبادئها الراسخة فـي عالم يموج بالتغيرات العنيفة. لأجل هذا كله، سعى أصحاب القرار إلى ترسيخ العلاقة الجيدة بين الوطن والمواطن، وسار الكل فـي مركب مشترك يمثل علامةً ترتبط بالدولة وكيانها وشعبها، فلا يُذكر الشعب بمعزل عن حكومته، والعكس صحيح. ومما تميّزت به سلطنة عمان بعد أحداث السابع من أكتوبر خصوصًا، أن الخطاب الرسمي كان متماهيًا مع ما يشعر به المواطنون من ظلم مجحف ومأساة تميت القلب كمدًا، فهم من الناس وفـي خدمة الناس. ومما يثلج الصدر أن تصريحات وزارة الخارجية الأخيرة أكدت وقوف سلطنة عمان مع حق الفلسطينيين فـي الحرية والكرامة والانعتاق من الاحتلال، فـي وقت تذبذبت فـيه الأصوات والمواقف، حتى فاجأت الجميع بلدية مسقط بإعلانها الأخير تعاقدها مع شركة وارنر براذرز الداعمة بشكل لا مراء فـيه للاحتلال! فـي إعلان بدا تحديًا غريبًا، فمن جهة، يأتي دعم شركة داعمة للاحتلال متعارضًا مع توجه الحكومة المناهض للاحتلال ومع الناس المقاطعين للشركات الداعمة للاحتلال. كما أن المبلغ الفلكي الذي دُفع لأجل الشركة كان ينبغي أن يُوضع فـي مؤسسات عمانية دعمًا لها بما يتماشى مع «رؤية عمان 2040» وبما يحقق الاستدامة لهذه الشركات الناشئة. ثم إن الفعاليات كهذه تستهدف المواطنين بدرجة أولى، فإذا كان المواطنون يقاطعون هذه الشركات وأمثالها مقاطعة فردية؛ فهل سيحضر أحد منهم الفعالية بصيغتها الجماهيرية؟ إن انفصال صاحب القرار عن الواقع الذي يؤمن به الناس هو أُسّ المصائب التي توسّع الهوة بين الرؤية المؤسسية النظرية وبين من يحقق تلك الرؤية، وهم الناس. ولا أريد الذهاب إلى القول بأن دعم مثل هذه الشركات يفتح باب الأسئلة حول المستفـيد أو الفئة المستهدفة حقًا، ولكن المؤكد أن هذه الفعالية تؤجج مشاعر الناس بما لا يخدم الوطن ولا الفعالية نفسها. فهل ستُلغى الفعالية؟ أم سيرى القائمون عليها أنه لا أهمية لرأي الناس ومقاطعتهم للفعالية، وإنما الأهمية للتمسك بالقرار، سواء كان صوابًا أم خطأ؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام!. |