التشاور في قرارات الاستخدام النووي: حماية العالم من الكارثة المحتملة
ترجمة ـ نهى مصطفى
الثلاثاء / 25 / ربيع الثاني / 1446 هـ - 19:58 - الثلاثاء 29 أكتوبر 2024 19:58
أنتوني ليك ـ ستيفن أندرياسن على مدى العقود التي تلت تطويرها، شهدت الأسلحة النووية تطورًا هائلًا جعلها أكثر فتكًا. فالتفجيرات التي كانت تُقاس بالكيلوطن أصبحت الآن تُقاس بالميجاطن، وأصبحت الرؤوس الحربية التي كانت تُلقى من قاذفات بطيئة الطيران تُطلق اليوم عبر صواريخ باليستية فائقة السرعة والدقة. تزامن ذلك مع زيادة عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية، فبعد أن كانت دولة واحدة هي المالكة لها، صار لدينا اليوم 9 دول مسلحة نوويًا. نصف المخزون النووي العالمي يقع اليوم في حوزة روسيا والصين وكوريا الشمالية، هذا الوضع أدى إلى مضاعفة المخاطر النووية وتعقيد سيناريوهات الاستخدام المحتمل لهذه الأسلحة، ما جعلها أكثر تهديدًا من أي وقت مضى. اليوم، كما كان الحال في العقود الماضية، يتمتع رؤساء الولايات المتحدة بالسلطة الحصرية لاتخاذ القرار الأكثر أهمية في تاريخ البلاد. ولا يمكن لأي رئيس تجاهل خطورة التهديد النووي أو احتمالية حدوثه؛ بل حتى عند غياب أي تهديد وشيك، قد يقرر رئيس ذو مزاج متقلب شن هجوم نووي من طرف واحد، بعواقب مدمرة على المستوى العالمي. ودون الحاجة إلى استشارة أي مسؤول آخر، يمكن للرئيس إصدار أمر بشن ضربة نووية ضد دولة أخرى، حتى لو لم تكن تشكل تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة. في الحقيقة، الضابط الوحيد الذي قد يعيق تنفيذ هذا القرار هو العسكري المسؤول عن تمرير وتنفيذ الأمر، والذي قد يتخذ قرارًا بعدم الامتثال إذا رأى أن القرار ينتهك القانون الأمريكي أو الدولي. لكن من الصعب تخيل سيناريو يتمرد فيه ضابط في لحظة أزمة حادة، حيث يقع مصير العالم كله على عاتق الرئيس وحده. منح إنسان فرد هذه الصلاحيات المطلقة وتحميله عبء المسؤولية الوحيدة في اتخاذ قرار قد يكون مصيريًا للعالم، يعدّ أمرًا خطيرًا وغير ضروري. ومع تزايد احتمالات أن تقوم دولة أو جهة غير حكومية باستخدام الأسلحة النووية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، يتعين على واشنطن تحديث الآليات التي تتيح للرئيس اتخاذ القرار الحاسم النهائي. ففي لحظة تاريخية منذ 62 عامًا، استشار الرئيس جون كينيدي مجموعة من كبار المسؤولين خلال أزمة الصواريخ الكوبية، حيث تغلبت حينها العقول الهادئة وتمكن كينيدي من تفادي وقوع كارثة نووية. مع تصاعد التهديدات النووية، تستطيع الولايات المتحدة تقليص مخاطر سوء التقدير الكارثي إذا اشترطت أن يتم التشاور، حيثما أمكن، مع فريق من المستشارين الرسميين قبل الموافقة على أي قرار باستخدام الأسلحة النووية. منذ 8 عقود، كان نهج صنع القرار النووي في الولايات المتحدة يضع الأولوية للسرعة والكفاءة على التحليل العميق. وقد بدأ هذا النهج منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما طور الاتحاد السوفييتي أسلحة نووية مدمرة قادرة على تنفيذ هجوم مفاجئ من السماء، شبيه بالهجوم على بيرل هاربور ولكن أشد تدميرًا. كان من الممكن أن يستهدف الاتحاد السوفييتي القادة الأمريكيين ومراكز القيادة والسيطرة، ما قد يعيق قدرة الولايات المتحدة على الرد بفعالية. ولردع هذا الهجوم المحتمل، صمم المسؤولون الأمريكيون سياسات وإجراءات تضمن بقاء القيادة والسيطرة بعد أي ضربة أولى، بهدف التأكد من قدرة الولايات المتحدة على الردع الفوري. كان لابد من إفهام موسكو أنها لن تستطيع مهاجمة الولايات المتحدة دون عواقب. وقد وضع هؤلاء المسؤولون أولوية قصوى للسرعة، حيث قُدِر أن الرئيس قد يمتلك أقل من عشر دقائق لاتخاذ قرار بالرد النووي. نهج واشنطن لتفويض استخدام الأسلحة النووية كان بسيطًا ومباشرًا، من خلال «كرة القدم النووية» - حقيبة تحتوي على خطط الحرب النووية الأمريكية - حيث يختار الرئيس من بين خيارات هجوم معدة مسبقًا، ويصدر أمره إلى البنتاجون والقيادة الاستراتيجية الأمريكية المسؤولة عن الردع النووي. يُنقل الأمر إلى القوات النووية عبر فريق طوارئ في البنتاجون للتحقق من صدوره عن الرئيس، قبل أن يُنقل إلى القوات المنفذة. تم تصميم هذه العملية لتتيح للرئيس الرد على هجوم نووي مفاجئ خلال دقائق، كما يمكن استخدامها في توجيه ضربة نووية أولى. بمعنى آخر، يتمتع الرئيس بالقدرة على إصدار أوامر استخدام أسلحة نووية دون استشارة، ما قد يؤدي إلى عواقب لا يمكن تقديرها للبشرية. اليوم، من السهل تصور أزمة قد يأمر فيها الرئيس باستخدام الأسلحة النووية على خلفية تهديد متصور، ثم يسوغ قراره لاحقًا للكونجرس والجمهور. على سبيل المثال، إذا قامت روسيا بضرب أوكرانيا أو حليف في الناتو بسلاح نووي، كما هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد يتسبب ذلك في رد نووي فوري من جانب الولايات المتحدة. وبالمثل، قد تؤدي تقارير كاذبة عن هجوم نووي وشيك ضد الولايات المتحدة، تنتشر بفعل اختراق إلكتروني أو خطأ برمجي في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلى رد فعل نووي غير مبرر. بغض النظر عمن يشغل منصب الرئيس، قد يتخذ الرئيس قرارًا متسرعًا دون مشاورة، مما يؤدي إلى كارثة عالمية. تعقيد التهديدات النووية اليوم يتطلب نهجًا أكثر صرامة لاتخاذ قرار «سحب الزناد النووي». في الواقع، النظام الحالي الذي تم تصميمه لمواجهة تهديد الاتحاد السوفييتي لم يعد مناسبًا للسيناريوهات التصعيدية الحالية. إن عملية صنع القرار تحتاج إلى مشاورات دقيقة، تضمن ألا يضطر الرئيس إلى اتخاذ قرار فردي عندما تكون خيارات الاستخدام النووي متعددة ومعقدة. وبينما يمنح الدستور الرئيس سلطة قيادة القوات وتوجيه العمليات العسكرية، فمن المهم أن يحتفظ الرئيس بهذه السلطة، ولكن دون اللجوء للقرار الأحادي في كل الظروف. ينبغي للولايات المتحدة أن تستحدث عملية تشاور مؤسسية تتيح للرئيس استشارة مجموعة من المستشارين في الحالات التي يكون فيها وقت كافٍ للتشاور. وقد قدمت لنا أزمة الصواريخ الكوبية مثالًا واضحًا على أهمية التشاور الرئاسي في حالات التصعيد. في أكتوبر 1962، عقد كينيدي اجتماعًا للجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي، وعبر نقاش معمق استمرت لعدة أيام، توصل إلى قرار بالحصار بدلًا من الضربة العسكرية التي كادت تؤدي إلى حرب نووية. مثل هذا النهج يمكن أن يكون نموذجًا يُبنى عليه لضمان تقديم الاستشارات الدقيقة للرؤساء وقت الحاجة. بالطبع، لن تكون هذه العملية قابلة للتنفيذ في حالة هجوم نووي وشيك، لكن في حالات أخرى قد يكون التشاور ممكنًا. وتشمل عملية التشاور في السلطة التنفيذية نائب الرئيس ووزير الدفاع ووزير الخارجية وقائد القيادة الاستراتيجية الأميركية، وأيضًا المدعي العام وزعماء الكونجرس من الحزبين. كذلك، ينبغي للرئيس أن يعقد اجتماعًا في بداية فترته مع مجموعة من كبار المسؤولين لمراجعة وتحديث الخيارات المستهدفة في الحالات النووية الطارئة. ومن شأن هذه المراجعة أن تتماشى مع الإرشادات القائمة بشأن استخدام الأسلحة النووية. ومن الجدير بالذكر أن المقترحات لتعزيز الحواجز على السلطة النووية الرئاسية ليست بجديدة. فقد اقترح سام نون وإرنست مونيز نظامًا للتشاور ومراجعة الاستهداف النووي، إلا أن أيا من الإدارات لم تنفذ ذلك. الرئيس جو بايدن لديه فرصة فريدة لتمرير إصلاحات عملية اتخاذ القرار النووي إلى خليفته، وإنشاء إجراءات جديدة تحافظ على القدرة التنفيذية دون تفريط في المسؤولية الجماعية. في عام 2003، حذر وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت ماكنمارا من الخطورة المرتبطة بترك الأسلحة النووية تحت سيطرة إنسان واحد. وأثناء تأمله في دروس أزمة الصواريخ الكوبية، أشار إلى أن «التركيبة غير المحددة من الخطأ البشري والأسلحة النووية قد تدمر أممًا بأكملها.» العالم، رغم تغيره عما كان عليه خلال الحرب الباردة، لم يصبح أقل خطورة. إرساء بروتوكولات تستلزم استشارة واسعة قبل اتخاذ قرار استخدام الأسلحة النووية يمكن أن تجعل الولايات المتحدة والعالم أكثر أمانًا. |