أعمدة

عُمان والجزائر.. تاريخ من النضال والعروبة



ثمة تشابه كبير بين عُمان وبين الجزائر، تشابه لم يتأسس في العقود الأخيرة وإنْ كان قد توثق أكثر في إطار الدولة الحديثة، ولكنه تأسس عبر سياق تاريخي تراكمي طويل جدا، ومنجز بشري سواء على مستوى الإضافات إلى المنجز الإنساني أو على مستوى النضال من أجل الوحدة الوطنية/ والعربية. ومن يعد إلى كتب التاريخ يعرف معنى التشابه الذي أتحدث عنه هنا، فالجزائر مثلها مثل عُمان لها امتداد كبير في التاريخ، فهي حاضرة في عمق التاريخ منذ حضارات الفينيقيين والرومان والبيزنطيين قبل الفتح الإسلامي ولها حضورها في المشهد الإسلامي منذ الدولة الأموية والعباسية ودولة الأدارسة والأغالبة والرستميين والزيديين والموحدين، هذا الحضور أعطى الجزائر قوة كبيرة ونضجا حضاريا ليس فقط في حربها الطويلة من أجل استقلالها ووحدتها الوطنية ولكن أيضا في بنائها الداخلي وفي مواقفها الثابتة والصلبة من القضايا العربية والإسلامية.

إن هذه الصورة تشبه عُمان تماما، الحضارة التي تأسست منذ فجر التاريخ وتفاعلت مع حضارات العالم تأثيرا وتأثرا مع تمسك لا يتزعزع بالثوابت العربية والإسلامية والإنسانية. هذا الحضور التاريخي هو الذي أسس مبادئ البلدين ومواقفهما العربية الراسخة وهو الذي شكل الوعي بقداسة التراب الوطني وهو الذي قاد النضال من أجل التحرر الوطني.

وإذا كان العمانيون قد قادوا نضالا ليس من أجل تحرير عُمان وحدها من الاحتلال البرتغالي في القرن السابع عشر ولكن من أجل تحرير الإقليم بأكمله والمحيط الهندي من مرحلة استعمار الكشوفات الجغرافية الذي دام 140 سنة، فإن الجزائريين، أيضا، قادوا نضالا من أجل دحر الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة بعد مقاومة امتدت من عهد الأمير عبدالقادر الجزائري إلى مرحلة جبهة التحرير التي حصلت على الاستقلال في 5 يوليو 1962. كان الفرنسيون على وشك بناء فرنسا جديدة على أرض الجزائر لكنّ عروق التاريخ التي تحركت في دماء الجزائريين التي كانت تروي الأرض وتسير فوق جسورها أفشلت المشروع واندحر الاستعمار على أجساد أكثر من مليون ونصف شهيد ما زالت أرواحهم تحلق فوق الجزائر وتحميها من امتدادات الأيديولوجيا وتحولات الجغرافيا.

واليوم عندما تحتفي سلطنة عمان سليلة التاريخ والمجد، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي بدأ أمس زيارة «دولة» لعُمان فإنها تحتفي بكل التاريخ الجزائري الذي لا يفخر به الجزائريون وحدهم إنما هو مجال فخر لكل عربي أصيل، ولكل حر في هذا العالم. ومن حسن الطالع أن يصل الرئيس الجزائري لعُمان قرب العتبة الأولى لشهر نوفمبر الذي هو عند العمانيين شهر استثنائي، ففيه تخلصت عمان من بقايا الاحتلال البرتغالي بالكامل في سنة 1650، وفيه قبل 280 سنة تأسست الدولة البوسعيدية التي ما زالت تتسنم عرش عُمان بقيادة سليل الدولة والتاريخ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، وفي نوفمبر تأسست النهضة الحديثة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، طيب الله ثراه، وفيه تعيش عُمان الحديثة أعيادها ومفاخرها.

ولا غرابة إذن أن تتشابه مواقف عُمان والجزائر فالسياق التاريخي هو الذي صنع هذا النضج السياسي وشكل هذا الفكر الوطني والعروبي؛ ولذلك نجد هذا التشابه في المواقف السياسية والشعبية التي تؤيد قضايا الأمة العربية وخاصة القضية الفلسطينية في لحظة تاريخية تشهد الكثير من التراخي والتضعضع والتحولات العميقة. ونستطيع أن نستعيد هنا، أيضا، موقف كل من سلطنة عمان والجزائر من الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وموقف البلدين الصلب من تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية وكان ذلك الموقف لا يراعي مصلحة سوريا وحدها ولكن مصلحة الأمة العربية ووحدتها وأمنها نتيجة رؤية سياسية عميقة تنطلق من بعد عربي وليس من أي أجندة أو مصالح جزئية. كما يمكن أن نستذكر بعضا من جهود البلدين لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي لما في ذلك ليس من صالح العراق وحده ولكن لمستقبل الأمة العربية وسد باب التدخلات الخارجية التي حدثت مع الأسف الشديد نتيجة تجاهل البعض للرؤى السياسية الناضجة التي حاولت الدبلوماسية العمانية شرحها في محافل كثيرة عربية وإقليمية.

وإذا كانت زيارة الرئيس الجزائري تلقى كل هذا الاحتفاء وهذا الترحيب من القيادة السياسية ومن الشعب العماني الذي يكن حبا واحتراما للشعب الجزائري ولتاريخه المجيد فإن الشعبين العماني والجزائري يتطلعان إلى مرحلة جديدة من العلاقات على المستوى الاقتصادي والاستثماري الأمر الذي يعود بالمنافع على البلدين وعلى خططهما المستقبلية. وإذا كان العالم اليوم يتحدث بلغة الاقتصاد فإن مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين كبيرة جدا وهي محفوظة ومحمية بالإرادة السياسية للبلدين. ولذلك نطمح جميعا أن يخرج لقاء القمة بين الزعيمين الكبيرين اليوم برؤية واضحة لتعزيز شراكات المستقبل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والثقافية. وهي شراكات قابلة أن تأخذ طريقها للتفعيل في القريب العاجل.

وفي القلب أن تدرس منطلقات الرؤية العمانية والجزائرية للقضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، وبفحص جوهر تلك الرؤية وعمقها فإن فيها روحا عروبية تضامنية كانت راسخة في أعماق العرب جميعا ومستمدة من مبادئهم الإنسانية وهي رؤية تعكس الأمل في تحقيق مستقبل يسوده السلام والعدالة والكرامة لشعب فلسطيني يستحق ذلك كثيرا كما تستحقه جميع الشعوب في العالم.

عاصم الشيدي كاتب ورئيس تحرير