التعايش.. حالة من التكامل الاجتماعي
الاحد / 23 / ربيع الثاني / 1446 هـ - 21:52 - الاحد 27 أكتوبر 2024 21:52
تدور المناقشة هنا حول محورية العلاقة بين مدنية المجتمعات وتقليديتها، وهي علاقة قد تكون طردية عند فهم البعض، وقد تكون عكسية عند فهم البعض الآخر، ويحل الاختلاف فـي هذا التقييم بناء على عدة عوامل؛ يأتي فـي مقدمتها تجربة الحياة - العمر المنجز للأجيال - وشمولية الوعي «المعرفة» وتنوع البيئة الاجتماعية «الحاضنة» والمحدد الجغرافـي (قرية/ مدينة) بالإضافة إلى مستويات الإندماج بين مكونات أفراد المجتمع، تجسير العلاقات بين مجتمعي القرية والمدينة من خلال تجفـيف منابع الاختلافات، ودور التجفـيف هذا مرتهن على الطرفـين الفرد والمؤسسة الرسمية، ويظل للأخير «المؤسسة» اليد الطولى فـي هذا الجانب، وتفاصيل ذلك فـيما يلي:-
يأتي التكامل؛ على الرغم من بساطة المفردة؛ واستسهالنا لتحقيقها؛ ليفرض استحقاقات ليست يسيرة، ونبدأ هنا بالمستوى الفردي، حيث يقتضي الأمر بذل الكثير من الجهد الخلاق حتى يصل أي طرفـين إلى مستوى من التكامل، فكلا الطرفـين مطالبان بكثير من التضحية، وبكثير من بذل الجهد، وبكثير من الأثرة، وبكثير من تجاوز تجاذبات النفس وأحقيتها بأن تكون لها الأولوية، وبالتالي حتى يصل الطرفان إلى قناعة أن يتكاملا، فهذا مستوى عالٍ من الرقي الإنساني، والمعهود «نسبيا» عند البشر، الذين يتنازعون حتى مع أنفسهم بأن تكون أولويتهم الخاصة جدا؛ هي من يجب أن يحظى بنصيب الأسد، قبل التفكير بالآخر، ولذلك فعندما ينزع الإنسان نفسه من مأزق الخصوصية، ويتسامى أفقيا فـي هذا الجانب، فهو بذلك يكسب رهان الاستحقاق البشري/ الإنساني، فـي آن واحد، ومتى تحقق ذلك على المستوى الفردي، كان تحقيقه على المستوى الجمعي، فرصته أكثر، وعلى المستوى الرسمي، فالمساحة تتسع أكثر وأكثر، حيث الوصول إلى مستويات عالية من المسؤولية الاجتماعية والوطنية على حد سواء.
كيف يأتي الربط بين مدنية المجتمعات وتقليديتها فـي شأن التكامل الاجتماعي؛ للوصول إلى مستويات من التعايش الآمن؟ ربما هنا تحتاج المسألة إلى شيء من القياس المعياري بين طرفـين يتبادلان هذا التكامل، ويتنافسان على هذا التعايش، كيف ذلك؟ المجتمع التقليدي وحاضنته القرية؛ كما هو معروف قائم قبل كل شيء على التعاون المفضي إلى التكامل، ومن ثم قائم على صناعة الحاجة التي تؤول نتائجها إلى الاكتفاء؛ أكثر منه على الرغبة، بينما المجتمع المدني وحاضنته المدينة، والموسوم هنا بالتطور المادي، قائم هو الآخر على الرغبة، والرغبة تحتاج إلى المزيد لأنها تولد الشراهة، حسب مقولة المفكر الإنساني غاندي:»إنني لا أسمح بأن تنتج المدينة ما يمكن أن تنتجه القرية، ويتساءل؛ لماذا؟ لان إنتاج القرية يشبع الحاجات الأساسية بينما ما تنتجه المدينة يشبع الرغبات وثمة فارق كيفـي بين الحاجة والرغبة، إذ الرغبة تولد الشراهة بينما الحاجة تولد الاكتفاء، ومن هنا تكون الحضارة ملازمة للقرية دون المدنية ...». - وفق كتاب (زمن الأصولية - رؤية للقرن العشرين) للدكتور مراد وهبة -.
وبقدر التباين الواضح بين الطرفـين - مجتمع القرية ومجتمع المدينة - إلا أن كلاهما لا ينفصل عن الآخر انفصالا مطلقا بسبب (الاكتفاء عند إنسان القرية، والرغبة عند إنسان المدينة) فحاجتنا إلى القرية؛ حيث منبع القيم، وبساطة النفوس، وتساميها فـي مجالات التعاون والتضحية، وبذل الجهد فـي كل ما من شأنه أن يعظم من العائد الإنساني بين أفرادها؛ هي ذات الحاجة إلى المدينة حيث بناء الآمال الكبيرة للارتقاء بحياة أفضل فـي محفزاتها المادية، وصورتها الاحتفالية المعروفة، والدهشة التي تثيرها فـي نفوس زائريها؛ حيث: الشوارع الفسيحة، والبنايات الضخمة، ومحطاتها الترفـيهية المختلفة، كل ذلك يتساقط أثره على الزائر، فـيرى فـيها التكامل الذي يفتقده فـي قريته الصغيرة المنزوية بعيدا عن صخب الحياة المتفاعل، وفوق هذا وذاك، فمجتمع المدينة لا يزال ملتحما التحاما وثيقا بمجتمع القرية؛ حيث الأصل؛ ولا يمكن أن يسقط أهميته وهو فـي زحمة اشتعال الشراهة المحفزة من قبل الرغبة الجامحة لكسب المزيد من المادة، بكل ما يعنيه مفهوم المادة، حيث تتهم المادة هنا بقدرتها على الاستحواذ على إنسان المدينة، فـيفقد بوصلة التواصل مع صنوه إنسان القرية، ولذلك تحرص الأنظمة السياسية؛ فـيما يسمى بعدالة التنمية؛ إلى تقليص الفروقات بين طرفـي المعادلة (المدينة/ القرية) وذلك من خلال شيوعية برامج التنمية، وعدم تركيزها فقط على المدن، والحواضر، وهذا من شأنه أن يجسر العلاقة أكثر فـي شأن اتساع مساحة التعايش، وتجفـيف منابع الإحساس بعدم العدالة وتحقيق ما يصبو إليه أبناء المجتمع الواحد من تكامل، وتعايش آمن مطمئن، وهذه غاية ليس يسيرا إدراكها إلا عند الأنظمة التي تضع أولوياتها القصوى خدمة أبناء مجتمعاتها.
إذن المسألة هنا محكومة ببعدين مهمين؛ هما: البعد الاجتماعي؛ وهو الأساس؛ حيث قاعدة الهرم العريضة، والبعد الاقتصادي، وهو المحفز، ولا يمكن عمليا أن يقوم أحدهما دون مساندة الآخر، فالمجتمع القروي المكتفـي بتحقيق الحاجات «اكتفاء» هو فـي الأصل المنتج لكثير من حاجات مجتمع المدينة، فالقرى سلال غذاء لا يمكن تجاوز أهميتها، والمجتمع المدني الذاهب أكثر إلى تحقيق الرغبات وتحقيق الذات «شراهة» هو المنتج لكثير من الإنتاج الصناعي، الذي لا يستغني عنها مجتمع القرية، فتباينات الأدوار هنا تفضي إلى كثير من التكامل، وهو بدوره المفضي إلى كثير من التعايش، ويظهر هرم ما سلو لتحقيق الحاجيات أن المجتمعين حاضرين فـي هذا «المتخيل» حيث يمثل مجتمع القرية تسلسل الهرم التصاعدي، ويمثل مجتمع المدينة قمة الهرم، ولا غنى لكل هذه المستويات عن الآخر، للوصول إلى الالتحام الكبير، وذلك عبر تحقيق الغايات التي ينشدها الجميع، ويحرص على تحقيقها الجميع أيضا، إلا فـي حالات استثنائية ضيقة، لا تصل إلى مفهوم الظاهرة.
أشير هنا أيضا إلى مقولة رائعة للكاتب جون إهر نبرغ جاءت فـي كتابه؛ المجتمع المدني - التاريخ النقدي للفكرة - يقول ما نصه: «فـي العائلة يختفـي العقل خلف الشعور والعاطفة، وفـي المجتمع المدني يظهر باعتباره أداة للمصلحة الفردية الذاتية. ولكن فـي الدولة فقط يصبح العقل وعيا بذاته، ويفـيد فـي التحرر الإنساني بأن يتيح لنا بناء أفعالنا طبقا لفهمنا للصالح العام» - انتهى النص - وهنا تتبلور أكثر الدور الذي يضطلع به النظام السياسي، ولعل مفهوم العائلة الذي جاء فـي النص هو المجتمع القروي؛ حيث يقابله المجتمع المدني الوارد فـي النص أيضا، وفـي هرم ما سلو تشير قمة الهرم إلى تحقيق الذات من خلال الإنجازات والأنشطة الإبداعية، وهذا الفهم؛ يقينا؛ لا ينتقص من حق الفرد فـي القرية، وإذا كان المفكر غاندي قد حصر نشاط رجل القرية فـي الاكتفاء، ولم يعطه مجال الشراهة، فليس ذلك معناه أن إنسان القرية جامد ملبد الشعور، محدود الطموح، فكثير من المفكرين والمبدعين، والساسة، والمنظرين جاؤوا من القرى والأرياف، فقد حفزتهم الشراهة لأن يكون لهم موطئ قدم على اتساع المدينة، فكان لهم ما أرادوا، ونافسوا منافسة حامية الوطيس، وكانت النتيجة صورة رائعة من التكامل والتعايش، والتكافل أيضا، وذلك مما يرفد الأوطان قوى بشرية ومعنوية تعزز مكانتها بين المجتمعات، وتعلي من شأن أدوارها المحورية التي تقوم بها فـي تعضيد المشروع الحضاري.
الملفت هنا؛ ووفق هذه المصادر المختلفة؛ أن الثيمة الاجتماعية هي الحاكمة فـي مختلف أنشطة البشر، وهي ما تضع طبعتها على مآلات النتائج فـي خاتمة الأمر، وإن كل المعززات المحققة لآمال الإنسان وطموحاته لا بد أن تخضع لمختبر الثيمة الاجتماعية، فالمسؤولية الاجتماعية أولا؛ ومن ثم تتسلسل بقية المسؤوليات، ومتى تعززت الحاضنة الاجتماعية، فإن بقية الحواضن سيكتب لها النجاح؛ بإذن الله؛ وهذا يعيدنا إلى أهمية الدور الذي تقوم به اللحم الاجتماعية فـي تجاوز الكثير من المعوقات التي تعترض مجمل البناءات التي يسعى إلى تحقيقها أفراد المجتمع فـي بعديه الشعبي والرسمي على حد سواء.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني
يأتي التكامل؛ على الرغم من بساطة المفردة؛ واستسهالنا لتحقيقها؛ ليفرض استحقاقات ليست يسيرة، ونبدأ هنا بالمستوى الفردي، حيث يقتضي الأمر بذل الكثير من الجهد الخلاق حتى يصل أي طرفـين إلى مستوى من التكامل، فكلا الطرفـين مطالبان بكثير من التضحية، وبكثير من بذل الجهد، وبكثير من الأثرة، وبكثير من تجاوز تجاذبات النفس وأحقيتها بأن تكون لها الأولوية، وبالتالي حتى يصل الطرفان إلى قناعة أن يتكاملا، فهذا مستوى عالٍ من الرقي الإنساني، والمعهود «نسبيا» عند البشر، الذين يتنازعون حتى مع أنفسهم بأن تكون أولويتهم الخاصة جدا؛ هي من يجب أن يحظى بنصيب الأسد، قبل التفكير بالآخر، ولذلك فعندما ينزع الإنسان نفسه من مأزق الخصوصية، ويتسامى أفقيا فـي هذا الجانب، فهو بذلك يكسب رهان الاستحقاق البشري/ الإنساني، فـي آن واحد، ومتى تحقق ذلك على المستوى الفردي، كان تحقيقه على المستوى الجمعي، فرصته أكثر، وعلى المستوى الرسمي، فالمساحة تتسع أكثر وأكثر، حيث الوصول إلى مستويات عالية من المسؤولية الاجتماعية والوطنية على حد سواء.
كيف يأتي الربط بين مدنية المجتمعات وتقليديتها فـي شأن التكامل الاجتماعي؛ للوصول إلى مستويات من التعايش الآمن؟ ربما هنا تحتاج المسألة إلى شيء من القياس المعياري بين طرفـين يتبادلان هذا التكامل، ويتنافسان على هذا التعايش، كيف ذلك؟ المجتمع التقليدي وحاضنته القرية؛ كما هو معروف قائم قبل كل شيء على التعاون المفضي إلى التكامل، ومن ثم قائم على صناعة الحاجة التي تؤول نتائجها إلى الاكتفاء؛ أكثر منه على الرغبة، بينما المجتمع المدني وحاضنته المدينة، والموسوم هنا بالتطور المادي، قائم هو الآخر على الرغبة، والرغبة تحتاج إلى المزيد لأنها تولد الشراهة، حسب مقولة المفكر الإنساني غاندي:»إنني لا أسمح بأن تنتج المدينة ما يمكن أن تنتجه القرية، ويتساءل؛ لماذا؟ لان إنتاج القرية يشبع الحاجات الأساسية بينما ما تنتجه المدينة يشبع الرغبات وثمة فارق كيفـي بين الحاجة والرغبة، إذ الرغبة تولد الشراهة بينما الحاجة تولد الاكتفاء، ومن هنا تكون الحضارة ملازمة للقرية دون المدنية ...». - وفق كتاب (زمن الأصولية - رؤية للقرن العشرين) للدكتور مراد وهبة -.
وبقدر التباين الواضح بين الطرفـين - مجتمع القرية ومجتمع المدينة - إلا أن كلاهما لا ينفصل عن الآخر انفصالا مطلقا بسبب (الاكتفاء عند إنسان القرية، والرغبة عند إنسان المدينة) فحاجتنا إلى القرية؛ حيث منبع القيم، وبساطة النفوس، وتساميها فـي مجالات التعاون والتضحية، وبذل الجهد فـي كل ما من شأنه أن يعظم من العائد الإنساني بين أفرادها؛ هي ذات الحاجة إلى المدينة حيث بناء الآمال الكبيرة للارتقاء بحياة أفضل فـي محفزاتها المادية، وصورتها الاحتفالية المعروفة، والدهشة التي تثيرها فـي نفوس زائريها؛ حيث: الشوارع الفسيحة، والبنايات الضخمة، ومحطاتها الترفـيهية المختلفة، كل ذلك يتساقط أثره على الزائر، فـيرى فـيها التكامل الذي يفتقده فـي قريته الصغيرة المنزوية بعيدا عن صخب الحياة المتفاعل، وفوق هذا وذاك، فمجتمع المدينة لا يزال ملتحما التحاما وثيقا بمجتمع القرية؛ حيث الأصل؛ ولا يمكن أن يسقط أهميته وهو فـي زحمة اشتعال الشراهة المحفزة من قبل الرغبة الجامحة لكسب المزيد من المادة، بكل ما يعنيه مفهوم المادة، حيث تتهم المادة هنا بقدرتها على الاستحواذ على إنسان المدينة، فـيفقد بوصلة التواصل مع صنوه إنسان القرية، ولذلك تحرص الأنظمة السياسية؛ فـيما يسمى بعدالة التنمية؛ إلى تقليص الفروقات بين طرفـي المعادلة (المدينة/ القرية) وذلك من خلال شيوعية برامج التنمية، وعدم تركيزها فقط على المدن، والحواضر، وهذا من شأنه أن يجسر العلاقة أكثر فـي شأن اتساع مساحة التعايش، وتجفـيف منابع الإحساس بعدم العدالة وتحقيق ما يصبو إليه أبناء المجتمع الواحد من تكامل، وتعايش آمن مطمئن، وهذه غاية ليس يسيرا إدراكها إلا عند الأنظمة التي تضع أولوياتها القصوى خدمة أبناء مجتمعاتها.
إذن المسألة هنا محكومة ببعدين مهمين؛ هما: البعد الاجتماعي؛ وهو الأساس؛ حيث قاعدة الهرم العريضة، والبعد الاقتصادي، وهو المحفز، ولا يمكن عمليا أن يقوم أحدهما دون مساندة الآخر، فالمجتمع القروي المكتفـي بتحقيق الحاجات «اكتفاء» هو فـي الأصل المنتج لكثير من حاجات مجتمع المدينة، فالقرى سلال غذاء لا يمكن تجاوز أهميتها، والمجتمع المدني الذاهب أكثر إلى تحقيق الرغبات وتحقيق الذات «شراهة» هو المنتج لكثير من الإنتاج الصناعي، الذي لا يستغني عنها مجتمع القرية، فتباينات الأدوار هنا تفضي إلى كثير من التكامل، وهو بدوره المفضي إلى كثير من التعايش، ويظهر هرم ما سلو لتحقيق الحاجيات أن المجتمعين حاضرين فـي هذا «المتخيل» حيث يمثل مجتمع القرية تسلسل الهرم التصاعدي، ويمثل مجتمع المدينة قمة الهرم، ولا غنى لكل هذه المستويات عن الآخر، للوصول إلى الالتحام الكبير، وذلك عبر تحقيق الغايات التي ينشدها الجميع، ويحرص على تحقيقها الجميع أيضا، إلا فـي حالات استثنائية ضيقة، لا تصل إلى مفهوم الظاهرة.
أشير هنا أيضا إلى مقولة رائعة للكاتب جون إهر نبرغ جاءت فـي كتابه؛ المجتمع المدني - التاريخ النقدي للفكرة - يقول ما نصه: «فـي العائلة يختفـي العقل خلف الشعور والعاطفة، وفـي المجتمع المدني يظهر باعتباره أداة للمصلحة الفردية الذاتية. ولكن فـي الدولة فقط يصبح العقل وعيا بذاته، ويفـيد فـي التحرر الإنساني بأن يتيح لنا بناء أفعالنا طبقا لفهمنا للصالح العام» - انتهى النص - وهنا تتبلور أكثر الدور الذي يضطلع به النظام السياسي، ولعل مفهوم العائلة الذي جاء فـي النص هو المجتمع القروي؛ حيث يقابله المجتمع المدني الوارد فـي النص أيضا، وفـي هرم ما سلو تشير قمة الهرم إلى تحقيق الذات من خلال الإنجازات والأنشطة الإبداعية، وهذا الفهم؛ يقينا؛ لا ينتقص من حق الفرد فـي القرية، وإذا كان المفكر غاندي قد حصر نشاط رجل القرية فـي الاكتفاء، ولم يعطه مجال الشراهة، فليس ذلك معناه أن إنسان القرية جامد ملبد الشعور، محدود الطموح، فكثير من المفكرين والمبدعين، والساسة، والمنظرين جاؤوا من القرى والأرياف، فقد حفزتهم الشراهة لأن يكون لهم موطئ قدم على اتساع المدينة، فكان لهم ما أرادوا، ونافسوا منافسة حامية الوطيس، وكانت النتيجة صورة رائعة من التكامل والتعايش، والتكافل أيضا، وذلك مما يرفد الأوطان قوى بشرية ومعنوية تعزز مكانتها بين المجتمعات، وتعلي من شأن أدوارها المحورية التي تقوم بها فـي تعضيد المشروع الحضاري.
الملفت هنا؛ ووفق هذه المصادر المختلفة؛ أن الثيمة الاجتماعية هي الحاكمة فـي مختلف أنشطة البشر، وهي ما تضع طبعتها على مآلات النتائج فـي خاتمة الأمر، وإن كل المعززات المحققة لآمال الإنسان وطموحاته لا بد أن تخضع لمختبر الثيمة الاجتماعية، فالمسؤولية الاجتماعية أولا؛ ومن ثم تتسلسل بقية المسؤوليات، ومتى تعززت الحاضنة الاجتماعية، فإن بقية الحواضن سيكتب لها النجاح؛ بإذن الله؛ وهذا يعيدنا إلى أهمية الدور الذي تقوم به اللحم الاجتماعية فـي تجاوز الكثير من المعوقات التي تعترض مجمل البناءات التي يسعى إلى تحقيقها أفراد المجتمع فـي بعديه الشعبي والرسمي على حد سواء.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفـي عماني