أعمدة

الاستدامة المالية لشركات المساهمة العامة

أظهرت النتائج المالية الأولية لشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصة مسقط والتي تم الإعلان عنها خلال الأيام الماضية أداء جيدا لمعظم الشركات غير أننا نود أن نتوقف اليوم عند واحد من أهم البنود التي تتضمنها النتائج المالية وهو الإيرادات والمصروفات والذي يعد أحد أبرز العناصر في الاستدامة المالية للشركات.

وعلى الرغم من أن قراءة بعض الأرقام تكون معقدة نوعا ما، غير أننا نود أن نشير إلى أهمية هذين البندين وهما: الإيرادات والمصروفات سواء لشركات المساهمة العامة والمساهمين فيها، أو للمستثمرين في البورصة الذين قد يواجهون بعض التحديات عندما يُقبِلون على شراء أسهم الشركات التي تسجل بشكل دائم ارتفاعا في مصروفاتها مقابل الإيرادات التي تجنيها. والشركات نفسُها مطالبة أيضا بمراقبة أدائها ونتائجها المالية واتخاذ الخطوات الضرورية لمعادلة بنود الميزانية أولا بأول؛ إذ لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تصل تكاليف التشغيل إلى 6 ملايين ريال عماني في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري كما لاحظناه لدى إحدى شركات المساهمة العامة في حين أن الإيرادات الإجمالية للشركة خلال هذه الفترة لم تتجاوز 4 ملايين ريال عماني.

ارتفاع مصروفات الشركات بشكل مبالغ فيه مقابل الإيرادات التي تحققها يؤثر دون أدنى شكّ على الاستدامة المالية للشركة، فلا تستطيع الشركة في ظل هذا الوضع التخطيط بشكل سليم للمستقبل سواء من ناحية التوسع في الإنتاج أو من حيث الدخول في أسواق جديدة وتنويع المنتجات، إذ إن الخسائر التي تسجلها الشركات من سنة لأخرى تقلّص قدراتها على النمو وتضاعف من حجم التحديات التي تواجهها، ومع ازدياد العجوزات وتراكم الخسائر يصبح من الصعب على الشركة الاستمرار في أداء أعمالها وتدخل بالتالي إلى قائمة الشركات المتعثرة، وهو ما لاحظناه لدى العديد من الشركات التي لم تقم بتقييم أدائها أولا بأول، وبدلا من أن تشارك المساهمين هذه التحديات في اجتماعات الجمعية العامة السنوية تقوم بتبرير أسباب ارتفاع المصروفات وتراجع الإيرادات؛ حينا بالأزمات الاقتصادية العالمية وحينا آخر بتحديات المنافسة المحلية وفي النهاية تسير بالنهج نفسه حتى تتراكم الخسائر ويصبح من الصعب على الشركة الاستمرار وتضطر إلى التصفية ويخسر المستثمرون في البورصة والمساهمون في الشركة كل أموالهم.

إن الاستدامة المالية تتيح للشركات آفاقا عديدة للنمو وتمكنها من التوسع في الأسواق المحلية والعالمية والحصول على تمويل مريح من البنوك بالإضافة إلى إمكانية الحصول على تمويل من خلال بورصة الأوراق المالية عبر طرح أسهم جديدة للاكتتاب العام، وإذا استطاعت الشركات تحقيق الاستدامة المالية فإن مجالات النمو والنجاح أمامها ستكون واعدة وهو ما يتطلع إليه المساهمون في الشركات والمستثمرون فيها، وحتى تتمكن الشركات من تحقيق الاستدامة المالية المطلوبة فإن عليها مراقبة أدائها أولا بأول والوقوف على حجم الأرباح أو الخسائر التي تسجلها ومستوى إيراداتها ومصروفاتها، وبشكل عام تستطيع الشركات من خلال قياس أدائها؛ نجاحا أو فشلا اتخاذ الخطوات التالية إما بمضاعفة مكاسبها أو على الأقل الحد من خسائرها والاستعداد لمرحلة النمو. أما تجاهل ذلك وتبرير تراجع الإيرادات وزيادة المصروفات من سنة لأخرى فإنه يعمّق مشاكل الشركات ويدفعها إلى الخروج مبكرا من الحياة الاقتصادية واللجوء إلى التصفية بعد أن تجد جميع الأبواب أمامها مغلقة؛ البنوك لن تقدم لها مزيدا من التمويل والمساهمون والمؤسسون سيتوقفون عن الدعم والموظفون في هذه الشركات سيجدون أنفسهم ضمن قائمة المسرّحين بعد أن أخفقوا في حماية الشركة ولم يبذلوا ما يكفي لتحقيق الاستدامة المالية للشركة التي يعملون فيها.