أفكار وآراء

إيران وإسرائيل نحو حرب الفناء عبر تسع مراحل

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني

تسير التوترات في منطقة الشرق الأوسط نحو التصاعد بعد السابع من أكتوبر العام الماضي، حينما هاجمت حماس إسرائيل واشتعلت حينها عواصف العنف في المنطقة. في هذه الفترة، أرى أن الحرب وصلت إلى ذروتها بعد عام على هجوم السابع من أكتوبر، حيث اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية عبر البر.

تبرر إسرائيل الهجوم البري على لبنان بأنه يأتي في إطار مواجهة حزب الله، والسعي إلى تدميره، وبعد أكثر من 12 شهرًا من المواجهة المتبادلة بين إسرائيل وإيران عبر حلفائها، نرى اليوم تصاعدًا في حدة المواجهة، وإن بدا ذلك بشكل تدريجي، حيث ترتبط جماعة حزب الله بإيران ارتباطًا وثيقًا، والتي تدعمها بشكل علني.

تكمن المخاوف المتزايدة في أن تتحول المواجهات بين إسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى، إلى تصعيد يُشعل شرارة في العلاقات الدولية، فمن الممكن أن تُشعل هذه الشرارة صراعًا على المستوى الدولي.

ولقياس ذلك ومعرفة مدى خطورته، يمكن الرجوع إلى نظرية «تصعيد الصراع» المكونة من تسع مراحل.

في عام 1997، قام الخبير الاقتصادي النمساوي «فريدريش جلاسل» بنشر نموذج أعده، وقد تكوّن النموذج من تسع مراحل لتصعيد الصراع، ويُعتبر نموذجه الأكثر قبولًا على المستوى العالمي، إذ هو بمثابة الدراسة الأكثر واقعية في مسألة تطور الصراعات والخلافات لتصل إلى المرحلة الأخيرة، وهي الصراع الشامل، وما أطلق عليه «معًا إلى الهاوية».

المرحلة الأولى التي وضعها «جلاسل» هي محاولة التهدئة بين طرفي النزاع بالوسائل البسيطة، والتي غالبًا ما تبوء بالفشل وتزيد من تعنت الأطراف وإصرارها، حيث يبدأ الإحباط في التزايد، لينتقل الوضع إلى الخطوة الثانية، وهذا الانتقال طبيعي جدًا، حيث يسعى كل طرف إلى إثبات أحقيته في القضية، ومحاولة كل منهما الحصول على التأييد العالمي على المستوى الشعبي والحكومي.

أما المرحلة الثالثة من النموذج، فتكمن في بدء طرفي الخصام باتخاذ الإجراءات الحادة، رافضين التنازل عن حقوقهما ومبادئهما للطرف الآخر، وفي تلك المرحلة يزول كل أمل في أن المناقشات قد تؤدي إلى تسوية الصراع أو التخفيف من حدته، حيث يتزايد العداء وتنعدم الثقة.

وفي هذه المرحلة، تسير الأوضاع نحو المرحلة الرابعة، التي يبرز فيها خطاب «نحن ضدهم»، أي محاولة كل طرف كسب التحالفات الدولية واستقطابها والحصول على الدعم.

وحين تنجح المرحلة الرابعة، تبدأ المرحلة الخامسة، وهي أن يشعر أحد الطرفين بما يسميه «جلاسل» بـ«خسارة الوجه»، حيث يشعر أحد طرفي الصراع بأن صورته أصبحت مشوهة أمام المجتمع الدولي.

تصل الأمور إلى المرحلة السادسة، وفيها يقوم كل طرف بإصدار البيانات التي تتضمن التهديدات والإنذارات النهائية، وهو ما قد يؤدي إلى تزايد حدة الأعمال العدائية، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز مصداقيته من خلال القيام بوضع جداول زمنية لتنفيذ التهديدات، وهذا ما يؤدي بطبيعة الحال إلى المزيد من الضغوط بين أطراف النزاع، وفي تلك المرحلة، يكون من الصعب على الأطراف أن تتراجع عن تدابيرها وتهديداتها، ما يمهد للانتقال إلى المرحلة السابعة، وهي مرحلة الانتقال من البيانات إلى الأعمال، حيث تبدأ الضربات بين الأطراف ردًا على تهديدات المرحلة السادسة.

أما في المرحلة الثامنة، فتشهد التوترات اشتدادًا في الضربات الهجومية والدفاعية، حيث يحاول كل طرف شل قدرات الآخر من خلال تدمير مراكز قوته، والتشكيك في شرعية حكومته، وفي كثير من الأحيان تشهد هذه المرحلة انفصالات سياسية بين أفراد الطرف الواحد، وهذا ما يجعل الأمر يخرج عن السيطرة بشكل متزايد.

وآخر مرحلة هي حينما يصبح أحد الأطراف مهددًا وجوديًا، وقد يسقط الطرفان معًا، وهو ما أسماه «جلاسل» بـ«معًا إلى الهاوية»، وفي تلك المرحلة، يتخلى الطرفان عن كل وسائل الحذر، والهدف الوحيد هو أن يقوم كل طرف بإنهاء الآخر وجوديًا، وهي حالة من الحرب الشاملة.

المرحلة الآن

بعد سنوات من العداء وتبادل الاتهامات بين الجانبين، تطور الصراع بين إسرائيل وإيران إلى مرحلة تبادل الضربات المحدودة، وقد ربطت التقارير إيران بالتخطيط لهجوم حماس في السابع من أكتوبر، إلا أن طهران نفت مؤخرًا أي دور لها في ذلك.

أما حزب الله، المرتبط بشكل وثيق بإيران، فقد شنّ على مدار عام هجمات صاروخية متواصلة من لبنان باتجاه شمال إسرائيل، وردًا على ذلك، قامت إسرائيل الآن بضرب مباشر لوكيل إيران «حزب الله»، حيث اجتاحت جنوب لبنان بهدف الاشتباك مع حزب الله ومحاولة تدميره.

يبدو أن كلا الطرفين يسعى إلى استعراض قوته ونفوذه في المنطقة، ولكن المخاطر قد تتزايد إذا شعرت إيران بضرورة حماية حلفائها بشكل عاجل، أما بالنسبة لإسرائيل، فإن قادتها طالما اعتبروا أن وجودها ذاته على المحك.

وبناءً على مراحل تصعيد الصراع وفقًا لنموذج «جلاسل»، يبدو أن البلدين قد وصلا إلى المرحلة السابعة، حيث يقومان بتبادل الضربات المحدودة، بينما يتجنبان الدخول في مواجهة مباشرة، يحاول كل طرف دفع خصمه إلى التفكير فيما إذا كانت تكلفة الاستمرار تستحق المكاسب المحتملة.

تشير الهجمات الجوية الإيرانية على إسرائيل إلى أن طهران ترى أن وضعها الإقليمي مهدد، إلا أنها لا تزال تسعى لدعم الفاعلين غير الحكوميين في غزة ولبنان، ورغم ذلك، فإن طريقة تنفيذ هذه الهجمات تدل على أن طهران لا تشعر بالقوة الكافية لتصعيد المواجهة بشكل أكبر.

وتقتصر الضربات المباشرة بين القوتين على الهجمات الجوية، حيث أطلقت إيران موجتين كبيرتين من الصواريخ على إسرائيل، الأولى في أبريل من هذا العام والثانية في نهاية سبتمبر، وقد تم الإعلان عنهما مسبقًا، ولم تسفر أي منهما عن سقوط ضحايا في الجانب الإسرائيلي على حد زعم الكيان.

في المقابل، ردت إسرائيل في أبريل بضربة موجهة استهدفت قاعدة جوية إيرانية قريبة من أحد منشآتها النووية. وحتى الآن لم ترد إسرائيل على الهجوم الإيراني الأخير، ولكن نتنياهو أشار إلى أن إسرائيل ستستهدف المنشآت العسكرية الإيرانية «استنادًا إلى احتياجاتها الأمنية الوطنية».

ويرى المحللون أن الطرفين، حتى الآن على الأقل، يستخدمان هذه الضربات المحدودة كإشارة إلى عدم رغبتهما في التصعيد. لكن المخاطر كبيرة؛ إذ تشعر إيران بأن وضعها كقوة إقليمية مهدد بسبب الحملة البرية الإسرائيلية في لبنان، بينما تؤكد إسرائيل مرارًا أنها تقاتل من أجل أمن شعبها. ويبدو أن كلا الطرفين لا يريدان حتى الآن المغامرة بالتوجه نحو «الهاوية» كما وصفها «جلاسل» في نموذجه المكون من تسع مراحل.

ماثيو بأول زميل في الدراسات الإستراتيجية والقوة الجوية بجامعة بورتسموث بإنجلترا

عن آسيا تايمز