أفكار وآراء

كيف نفهم أدوارنا؟



لا تخلو شركة كبرى من قسم للمسؤولية الاجتماعية. مهمة هذه الأقسام -كما تعمل اليوم- هو استغلال الميزانية المخصصة لها من أجل الترويج للشركة عبر دعمها مشاريع ومؤسسات غير ربحية هنا وهناك. لكن هل هذا هو الحافز الأصلي لإيجادها؟ وهل هذا بالضرورة ما يجب أن تكون عليه الأمور؟

الواقع، أننا نعيش عصرًا غريب المنطق؛ سلّمنا فيه بأن الطبيعي والمتوقع من الأعمال التجارية أن تكون انتهازية واستغلالية وغير أخلاقية، عصر نتحدث فيه عن التقدم والتطور، دون أن نعني أنه تقدم نحو سعادة الإنسان، أو نحو مزيد من العدل والمساواة. وأي تغيير يُمكن أن يحدث، لا بد أن يقوم به الأفراد بأنفسهم؛ لننتهي إلى وضع هزلي: نعمل فيه خلال يومنا للدفع بالرأسمالية، ونعمل في أوقات فراغنا بضآلة ضدها.

من مكافحة التغير المناخي، إلى وقف الإبادات، نُفكر أنه لو قام كل فرد بدوره، فإن هذا سينتج قوة قادرة على تصحيح الأمور. فخياراتنا اليومية هي ما تجعل النظام القائم قائما. لكننا نبذل جهدنا ولا نرى التغيير، فيصيبنا القنوط. ونُسلم بضعفنا أمام هذا الشيء العملاق الذي يُسيّر حياتنا. لا عجب أننا لا نحدث التغيير فنحن نحاول أن نجد حلولا فردية لمشاكل هيكلية. غرض هذه الفكرة (أي لوم الأفراد)، هو تحويل المسؤولية ممن يملكون السلطة والنفوذ، إلى الناس العاديين. وهذا ليس مجرد حدس أو تنظير، ثمة دلائل على العمل المقصود والمتعمد لإحداث هذا التحول في مسألة استحقاق اللّوم.

في كتابها Arguing for a Better World (الجدل نحو عالم أفضل)، تُخبرنا الفيلسوفة الكردية أريان شاهفيسي عن ظروف ظهور فكرة البصمة الكربونية (Carbon footprint) والترويج لها، وهو مقياس يسعى لحساب مساهمة الأفراد في إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة. وظفت شركة النفط البريطانية BP في عام 2000، إحدى أهم وكالات الإعلان والعلاقات العامة في العالم Ogilvy & Mather من أجل أن تدفع بهذه القضية إلى الواجهة. تقول أريان: «كانت الدعاية للمسؤولية الفردية ضربة استباقية. بحلول 2004، كان الموقع الإلكتروني لـ BP يتباهى بحاسبة البصمة الكربونية الصديقة للمستخدم، والتي تُفضي إلى هذا الوضع العبثي لأناس عاديين يقومون بقياس مدى مساهمتهم في الاحتباس الحراري، على الصفحة الرئيسية لشركة تستخرج 3.7 مليون برميل من النفط كل يوم».

للوكالة بالمناسبة أفرع في الشرق الأوسط، ومشاريع في عُمان. أُشير لهذا حتى لا نظن أن التسويق غير المسؤول حكر على دول معينة، وحتى نبقى متيقظين لمثل هذه المبادرات المسمومة عندما نراها حاضرة في منطقتنا.

تسوق أريان شاهفيسي هذا المثل لتذكّرنا بأن نصنع توازنًا بين المسؤولية التي نحمّلها أنفسنا، وتلك التي نضعها على المتنفذين حين نتعامل مع المشاكل الهيكلية أيًّا كانت (العنصرية، التلوث البيئي، وحتى إنهاء الحرب). إذ نجد أنفسنا نُفكر بأكثر أشكال الاعتراض تطرفًا (عبر الحرق، كما حصل أكثر من مرة خلال هذه الإبادة)، ونتساءل.. «طيب» ماذا لو واصلنا ذلك؟ أن نحرق أنفسنا واحدا بعد الآخر إلى أن نهز هذا العملاق الوحشي المسلط علينا، الحصين ضد المساءلة، والمتملص من كل مسؤولية.

مهم أن نتذكر محدودية ما يُمكن أن نغيّر. لأننا إذا ما حمّلنا أنفسنا أكثر من شطرنا من المسؤولية، سننتهي إلى الشعور بالضآلة وفقدان الأمل. لا يجب أن يُفهم هذا الكلام على أنه قادم من رضا بأننا فعلنا كل ما يُمكن فعله من أجل وقف الإبادة -أبدًا- سوى أضعف الإيمان في أحسن الحالات. ما أحاول قوله هو: إيانا والجزع.

عودة إلى المسؤولية الاجتماعية للشركات. رد الاعتبار، ووضع المسؤولية على الأعمال التجارية لتؤدي واجبها تجاه المجتمع، ليس عبر إلقاء الفتات من ثروتها المتراكمة من استغلال القوى العاملة ومصادر الأرض، بل عبر دفعها، بل وإجبارها على تبنّي سياسات اجتماعية وأخلاقية أكثر مراعاة.