أفكار وآراء

الترامبية والستالينية وجدل الرسوم الجمركية

ترجمة: قاسم مكي -

هل الرسوم الجمركية وهي ضرائب على الصادرات سترفع الأسعار للمستهلكين في الولايات المتحدة؟ لا جدال حقا حول هذا الموضوع.

لا أقصد أن كل أحد يوافق على ذلك. بل هنالك جماعتان متمايزتان لا تتحادثان إلى بعضهما البعض وكل منها متحدة في آرائها تقريبا. فمن جهة، يكاد كل الاقتصاديين يتفقون على أن الضرائب على الواردات في الحقيقة تُمَرَّر إلى المستهلكين. لماذا؟ لأن ذلك ما تقرِّره الأدلة ومن الصعب جدًا القول بغير ذلك.

من جهة أخرى يصرُّ الموالون لترامب، وهم في هذه الأيام الحزب الجمهوري بأجمعه تقريبا، على أن الأجانب وليس الأمريكيون هم من يدفعون الضرائب على الواردات. لماذا؟ لأن دونالد ترامب يقول ذلك. وهم لا يحاولون حتى الحوار مع الاقتصاديين الذين يختلفون معهم.

حسب اعتقادي، هذا الموقف الأخير هو الأكثر إثارة للاهتمام، ليس لأن به شيء من الصواب، فهو ليس كذلك، ولكن بالضبط لأنه يخلو منه.

كيف وصلنا إلى حالة يدعم فيها حزب سياسي بأكمله ادعاء يُجمع الخبراء على رفضه؟ حسبما أرى، أفضل طريقة لفهم ما يحدث هي النظر في ماضي البلدان الأخرى وتحديدا في تاريخ «الليسينكوية» الغريب في روسيا أيام جوزيف ستالين.

فقط للعلم، ما يقول به الاقتصاديون التقليديون أساسا هو أن الضرائب على الواردات لا تختلف عن الضرائب على أي شيء آخر. فإذا لزَمَنا مطالبة وكلاء السيارات، وهؤلاء يشكلون مجموعة متطرفة في ولائها للحزب الجمهوري، دفع ضريبة تساوي نسبة 20% من سعر كل سيارة يبيعونها سيكونون أول من يصر على أن هذه الضريبة ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار لزبائنهم. فلماذا يتخيل أي أحد أن ضريبة على السلع التي تباع بواسطة الأجانب سيكون لها أثر مختلف؟

ونتائج الدراسات التي أجريت على آثار الرسوم الجمركية السابقة تقول ما يمكن أن تتوقعه بالضبط. أي أنها تم تمريرها إلى المستهلكين.

مع ذلك من الواضح أن الفكرة القائلة بأن الأجانب هم من يدفعون الرسوم الجمركية لن تظل أول فكرة (رغم دحضها) معشعشة في أذهان بعض الناس الذين يصرون أيضا على أن التغير المناخي كذبة والتخفيضات الضريبية للأثرياء تعوِّض نفسها بنفسها (في الموازنة الحكومية).

ما الذي يجعل هذه الفكرة الزائفة مختلفة عن غيرها؟ من اليسير، كما أرى، إدراك سبب استمرار بقاء أفكار خاطئة مثل إنكار التغير المناخي والاعتقاد بفائدة خفض الضرائب. فهذه الأفكار تخدم جماعات المصالح الثرية. مثلا تحافظ شركات الوقود الأحفوري على بقاء الارتياب في حقيقة التغير المناخي لأن أي محاولة لخفض انبعاثات الاحتباس الحراري ستضر بأرباحها. ويدعم أصحاب البلايين مراكزَ الأبحاث والساسةَ الذين يزعمون أن أشياء عظيمة ستتحقق إذا خفضنا الضرائب التي يدفعونها. وكما قال الروائي الأمريكي ابتون سينكلير: «من الصعب أن تجعل شخصا يفهم شيئا عندما يعتمد راتبه على عدم فهمه لهذا الشيء».

لكن من الصعب إيجاد أي أنصار مؤيدين لأفكار ترامب حول الرسوم الجمركية وسط هذه المجموعة بخلاف ترامب نفسه.

نعم بعض الصناعات ترغب في الحماية من المنافسين الأجانب، لكن الشركات الأمريكية عموما تكره فكرة الرسوم الجمركية الشاملة (لكل السلع) والتي يفضلها ترامب والحرب التجارية العالمية التي ستشعلها هذه الرسوم.

ما يمكنني قوله إن الشركات تأمل (ربما عبثا) في ألا يطبقها بالفعل، لكن ترامب لديه اعتقاد ما في الرسوم الجمركية وحزبه اصطف بإخلاص وراءه.

إذن ما علاقة كل هذا بليسينكو؟ ومن هو على أي حال؟ تروفيم ليسينكو كان خبير اقتصاد زراعي سوفييتي أجرى في عام 1927 بعض التجارب سيئة التصميم تتعلق بزراعة البازلاء وزعم أنها تدحض النظرية المندلية (نظرية الراهب النمساوي جريجور مندل 1822-1884). وهي الفكرة التي فحواها أن خصائص الكائن العضوي التي تنتقل عبر أجياله المستقبلية مستمدة من مورِّثاته وليس من تجاربه. (هنالك تعقيد طفيف يتعلق بعلم التخلّق الوراثي لكن لا صلة له بما نحن بصدده.) حاجج ليسينكو بأن علم الجينات المندلي لا يتسق بطريقة أو أخرى مع الماركسية على الرغم من أن هذه الحجة لا معنى لها من منظور الماركسية نفسها.

الشيء المهم أن أفكار ليسينكو جذبت إليها، بطريقة ما، اهتمام ستالين وأعجب بها. وعلى الرغم من أن علماء الأحياء الجادِّين، وكانوا عديدين في الاتحاد السوفييتي وقتها، اعتبروا ليسنيكو شخصا غريب الأطوار إلا أن ستالين لم يثق بكل الخبراء واستحسن الخلفية الفلاَّحية لليسينكو.

وفي روسيا السوفيتية كان الاختلاف في الرأي مع الزعيم جوزيف ستالين حول أي موضوع مسألة بالغة الخطورة. لذلك هيمنت النظرية الليسينكوية على علم الأحياء السوفييتي لعدة عقود على الرغم من أنها قادت إلى كوارث زراعية عديدة. وأدين من كانوا يخالفونها باعتبارهم عملاء للغرب، وفي بعض الحالات ماتوا في معسكرات الاعتقال.

ما يماثل رفض الترامبية للإجماع الاقتصادي حول آثار الرسوم الجمركية يجب أن يكون واضحا، لست متأكدا من الذي يمكن اعتباره «ليسينكو» دونالد ترامب. ربما بيتر نافارو (مستشار اقتصادي سابق لترامب).

لكن على أي حال الزعم بأننا يمكننا تحصيل تريليونات الدولارات من الرسوم الجمركية دون تكلفة للمستهلكين الأمريكيين أصبح مركزيا بالنسبة لأفكار ترامب الاقتصادية. وفي الحقيقة الرسوم الجمركية تبدو هذه الأيام حلَّ ترامب لأي مشكلة تقريبا.

الساسة الجمهوريون الذين ينددون في العادة بشرور الضرائب أيدوا خطط ترامب لفرض ضرائب على الواردات لأن لا أحد في الحزب الجمهوري هذه الأيام يختلف مع دونالد ترامب. إذا فعل ذلك لن يُرسل إلى معسكر اعتقال. لكن من المرجح جدًا أن يدمِّر مساره السياسي.

شيطنة أي شخص يختلف مع ترامب تحدث سلفا. ففكرة أن الرسوم الجمركية ضريبة على المستهلكين الأمريكيين كما أعلن ناطق رسمي باسم اللجنة القومية للحزب الجمهوري «أكذوبة روجتها الشركات المحلية التي تتعاقد مع موردين من الخارج والحزب الشيوعي الصيني».

هنالك احتمال كبير وخطير بأن يقود فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية عالية إلى تقويض النظام الاقتصادي العالمي والذي ساعدت الولايات المتحدة على بنائه، لكن الأكثر خطورة تكريس حزب سياسي كبير نفسه لمبدأ أن رئيس الحزب دائما على حق بصرف النظر عن الأدلة التي تقول بعكس ذلك، ولن يقف الأمر عند الرسوم الجمركية، فمن الممكن بكل سهولة تخيل التبني واسع النطاق لسياسات كارثية على جبهات أخرى.

بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.

خدمة نيويورك تايمز.