بريد القراء

الكتابة منذ الروح!

 
الكتابة أداة مهمة من أدوات التعلم وكسب المعرفة والثقافة، فالإنسان يواصل التقدم في عَمَلِه وعِلْمه وموهبته وهو يحتاج للكتابة وممارستها ولا يأتي ذلك إلا بالمطالعة الغزيرة وتدريب الفكر وقراءة أهم الآثار النثرية والشعرية، مع العمل على تذوق بعضًا من كلماتها وفهمها، فمن شأن هذا يسهم في تكوين ذائقة لغوية متميزة قادرة ومتمكنة على اختيار الألفاظ المناسبة، كما أن دراسة كتاب الله ومداومة الاطلاع عليه وعلى تفاسيره المعتمدة ليكون المرجع الأهم لفهم اللغة وتذوقها للخروج بكتابات متنوعة رائعة.

وعلاوة على ذلك هنالك الخبرة الحياتية التي تعد من أهم الدوافع في صقل موهبة الشخص الكتابية، فأرى في بعض الأحيان أن هذه الخبرة لا تظهر إلا في من عركته الحياة واستفاد من خبراتها، فالكتابة رحلة فريدة في عمر الإنسان، وهي تختلف تمامًا عن عمره البيولوجي المعروف، وقد يبدو بها أكبر عمرًا من حقيقته، فالكتابة الناضجة تحتاج إلى خبرة في الحياة، والخبرة لا تأتي وحدها، بل على قدر ما يستفاد من دروس الحياة.

فالتجارب المعيشية التي تمر على الإنسان في حياته، قد تلعب دورًا مهما في تحديد القيمة الفنية والهوية الإبداعية لما يكتب، وما أعنيه بذلك كلاً من الأفراح المنسية، والخيبات الثقيلة، والتجارب المؤلمة، والقرارات الاختيارية أو الإجبارية بكل ما فيها من صعوبات وتحديات كان لها جانب إيجابي مميز، وهو النهوض للحياة، وإسناد أنفسنا على الكتابة، لإخراج المشاعر والأحاسيس المكبوتة التي لم نجد لها متسعًا في الذاكرة سوى تدوينها، والتحدث عنها بقوة القلم، فهنا تصبح الكتابة منفذًا ضروريًا، بل تصبح الملجأ الوحيد لمصارعة أمواج اليأس العاتية.

ونستمر في الكتابة حتى وإن لم يطلع عليها أحد، لأنه في داخل كل شخص يكمن كاتب يرفض الاستسلام للسهولة، فهل نكتب لأننا نمتلك طاقة إضافية متجددة لا نريدها أن تفلت منا أم أننا نكتب لنعبر عن حرائق دواخلنا أم أننا نكتب لنخرج من ضجيج الجماعة لنتفرد؟ لكل هذا وذاك من التساؤلات نحن نكتب لنقف، نحن نكتب لتجديد طاقاتنا وعزائمنا، فنحن ندرك تمامًا أنه بحواسنا العميقة سنخرج صوت القلم ليبقى له مستقرًا في زاوية اللغة.

فالكتابة ليست تسلية، إنما هي حاجة! إذ أن لها كون فني تعبيري وفلسفي يعطي الحياة قيمة وطعم، وتشكل انتصارًا حياتيًا فارقًا، لذا يبقى الإبداع في الكاتبة تعبيرًا عن ذات الشخص، وتأكيدًا على حيويته وقدرته على الكتابة وصياغة الكلمات، إذ أنه من الرائع جدًا أن يترك الكاتب بصمته في هذه الحياة معبرًا فيها عن حسه وشعوره الكتابي، فنحن بعد ثورة من المشاعر ونزفًا لحبر القلم قد نصاب بركود فكري، وهذا ما على الكاتب أن يتجاوز لحظة الشعور بالفتور في حسه الإبداعي.

في النهاية، من العظيم أن تصبح كاتبًا يشار إليه بالبنان، وأن توثق جمالية زماننا المترفة عبر صفحات وردية تبني من خراب الزمان مساحات وآفاقًا أخرى غير مرئية في الحياة، لا تخرج إلا بسردها في كتابات وأحداث مشرفة تأخذ الإنسان إليها، وربما يكون جميع ما ذكرته سابقًا هي فقط معايير متواضعة كونها اجتهادًا شخصيًا من واقع تجربة ومعركة خضتها في مسيرتي الكتابية وودت أن أشاركها الكتّاب الذين تعنيهم الكتابة وآفاق الكتابة.