عمان اليوم

مختصون: الإعلام أداة فاعلة لتحصين المجتمع وتعزيز السلوك الإيجابي

ضرورة توفير الموارد وتكرار الرسائل الإيجابية بطرق مبتكرة

 
أكد عدد من المختصين في استطلاع أجرته 'عُمان' على أهمية تفعيل وسائل الإعلام في تعزيز السلوكيات الإيجابية، وترسيخ الشعور بالانتماء، وحث الأفراد على المشاركة في فعاليات تعزز القيم من خلال الشخصيات المؤثرة التي تتمتع بسلوكيات إيجابية وتقديمها كقدوة للأجيال الشابة، وتعزيز التعاون بين وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وتكرار عرض الرسائل الهادفة بطرق مبتكرة، وتقييم المشاريع الإعلامية المجتمعية.

نماذج فعالة

قال الدكتور هلال بن سالم العبري، أخصائي إرشاد وتوجيه في مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس: تعد المجتمعات هي الركائز المهمة التي يكتسب منها الفرد السلوكيات، وهنا لا بد من الوقوف على أبرز الآليات الممكن اتباعها لتعزيز السلوك الإيجابي لدى الأفراد، حيث يأتي تعزيز الانتماء كأول تلك الآليات لما له من أهمية كبيرة في تحفيز أفراد المجتمع للحفاظ على السلوكيات الإيجابية من خلال نشر الوعي والالتزام بثقافة المجتمع النابعة من ديننا الحنيف، وتمكين الأفراد الفاعلين من نشر تلك السلوكيات من خلال مبادرات تعمل على غرس قيم وسلوكيات ذات مردود إيجابي على أبناء المجتمع من حيث توفير الدعم اللازم لتلك المبادرات، مشيرًا إلى أن وجود نماذج في المجتمع تحافظ على السلوك وتدعم أبناء المجتمع عامل مهم للحفاظ على بنية المجتمع وتحصينه من السلوكيات ذات التوجهات المضرة.

وأضاف: إن وسائل الإعلام تلعب دورًا محوريًا في الرقي بالسلوكيات الإيجابية من خلال تأطير بعض السلوكيات المرغوب نشرها وذلك بتسليط الضوء عليها وجعلها تبدو ذات أهمية ليبقى أفراد المجتمع يتشربون منها، أما عملية تكرار عرض تلك البرامج فهي ذات أثر كبير، فالتكرار يعطي نتائج جيدة في حال عرضه على فترات مناسبة مع ضرورة التجديد بما يتناسب والفئات العمرية المختلفة. كما أن وسائل الإعلام تلعب دورًا مهمًا في تغيير نظرة الناس وطرق تفكيرهم من خلال طريقة عرض المحتوى مما قد يسهم في تعزيز وخلق سلوكيات إيجابية حميدة تساعد على الرقي بالمجتمع.

محتوى هادف

ويضيف العبري: على وسائل الإعلام العمل على حملات بشكل مستمر تتسم بوجود رسائل واضحة وهادفة بحيث لا يتشتت المتابع أو المشاهد لتلك البرامج، وتكون مرتبطة بشخصيات ذات أثر إيجابي في المجتمع لها إسهاماتها الواضحة في تأصيل السلوكيات بحيث يكون الأثر أقوى كونها ذات صورة ذهنية مقبولة لدى أبناء المجتمع. ومن المهم أيضًا أن تتنوع تلك الأساليب ولا تقتصر على نمط واحد، بحيث لا يشعر المتابع بالملل وعدم الرغبة في المتابعة من خلال اختيار المحتوى الهادف والصور الهادفة والخلفيات الصوتية التي تتوافق مع ثقافة المجتمع وقيمه مع ضرورة التركيز على الحلول عند الطرح.

وفي ظل التضخم المعلوماتي وعدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أفادت موزة بنت عبدالله الرواحية، أستاذة مساعدة في الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة السلطان قابوس، أن مجتمعاتنا باتت في أمس الحاجة إلى تفعيل الدور الإيجابي للإعلام وتعزيزه كأحد الأدوات الفاعلة التي يجب أن تضطلع بمسؤولياتها في حماية الفرد والمجتمع على حد سواء. يتطلب الأمر تنسيقًا مشتركًا بين وسائل الإعلام المختلفة لبناء منظومة قيم متكاملة تسهم في تطوير قدرات الأفراد على مواجهة الأزمات والتحديات النفسية، وهو ما يسهم في تعزيز الصحة النفسية للمجتمع عبر إنشاء نسيج اجتماعي متماسك. ولا يمكن للأخلاق والمجتمعات أن تتقدم إلا من خلال إعلام نزيه ومستبصر يؤدي دوره المحوري في نشر القيم الإنسانية والمبادئ السامية. ويجب أن يكون هذا الإعلام قادرًا على تلبية احتياجات المجتمع، ومواجهة الشائعات المغرضة، مع تعزيز القيم العليا وحق المجتمع في الوصول إلى المعرفة، والإسهام في بث الطاقات الإيجابية لدى الجمهور والتي بدورها قد تسهم في تحقيق الرفاهية المجتمعية.

مؤكدة أن الحملات الإعلامية تعد وسيلة فعالة لتوجيه الرأي العام وإحداث تغيير في سلوك الأفراد من خلال مسارات مباشرة وغير مباشرة، سواء عبر التأثير المعرفي أو العاطفي، حيث تسعى هذه الحملات إلى إزالة أو تقليل الحواجز التي تحول دون التغيير الإيجابي، وتشجيع الأفراد على تبني سلوكيات مجتمعية إيجابية. ولنجاح الحملات الإعلامية في تعزيز السلوكيات الإيجابية، يجب أن تستند إلى خطة استراتيجية متكاملة تشمل معالجة دقيقة للمعلومات وتصميم رسائل واضحة ومحددة تلبي احتياجات الجمهور المستهدف وتراعي التحديات التي يواجهونها. كما يجب الاستفادة من استراتيجيات التسويق الاجتماعي المبتكرة، وتوظيف مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام، بالإضافة إلى تقنيات الاتصال التفاعلي لتعزيز مشاركة الجمهور في العملية الإعلامية. ينبغي أيضًا تحليل وتقييم أداء الحملة بشكل مستمر، مما يسمح بإجراء التعديلات اللازمة في منتصف المسار وتقديم نتائج نهائية فعالة للحملة.

ولتحقيق أقصى تأثير، يتطلب الأمر دمج المشاركة المجتمعية الفعالة مع القوة الإعلامية من خلال تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمدارس والجمعيات الخيرية والمبادرات المحلية لتحديد الاحتياجات المجتمعية الحقيقية وضمان وصول الرسائل الإعلامية إلى الجمهور المستهدف بشكل أكثر فعالية، وهذه الشراكات تمكن وسائل الإعلام من فهم التحديات التي تواجه المجتمع وتقديم محتوى يتناسب مع تلك الاحتياجات.

حملات إعلامية

وتشير الدكتورة إلى أهمية تصميم حملات إعلامية مبنية على حوار تفاعلي مع المجتمع، ويعد التفاعل الرقمي إحدى الأدوات الحديثة الأكثر فعالية في تعزيز المشاركة المجتمعية نظرًا لما تتمتع به من فرصة الوصول إلى شريحة واسعة من المواطنين في نقل المعلومات والأخبار والتفاعل معها بشكل إيجابي، إذ تتيح منصات التواصل الاجتماعي مساحات واسعة للنقاشات المفتوحة واستطلاع الآراء، وهو ما يعزز الجسور بين الإعلام والمجتمع، مما يعزز شعور المواطنين بالمسؤولية عندما يكونون جزءًا من عملية التنمية والمشاركة في اقتراح المشاريع الخدمية التي تلبي احتياجاتهم، وهذا بدوره سيسهم في تحسين مستوى المعيشة وتحقيق رفاهية المجتمع وزيادة فعالية إدارة الموارد.

مفيدة بضرورة وجود آلية تقييم دورية ومستمرة للأنشطة المجتمعية المرتبطة بالإعلام، حيث تتيح هذه الآلية إجراء التعديلات اللازمة على الاستراتيجيات الإعلامية لتتوافق مع الاحتياجات المتغيرة للمجتمع، مما يضمن استدامة التأثير الإيجابي، مؤكدة أن التكامل بين الإعلام والمجتمع يضمن وجود قوة دافعة للتغيير، ويؤسس لقنوات اتصال تفاعلية ودائمة تعزز من قدرة المجتمع على التكيف مع تحديات الحاضر والمستقبل، محققاً بذلك تقدماً مستداماً على جميع الأصعدة.

التحديات

وحول التحديات التي تواجه وسائل الإعلام في تعزيز السلوكيات الإيجابية قالت: من أهم هذه التحديات هي الحفاظ على الموضوعية وعدم الانحياز في تغطية الموضوعات الاجتماعية، ونقص القدرات والمهارات والكوادر المؤهلة والمتخصصة في مجال الإعلام والتغيير الاجتماعي، كما أن هناك معوقات أخرى تتمثل في قلة الموارد المالية وعدم وجود بنية تحتية كافية لتنفيذ مشاريع التغيير الاجتماعي، وقلة الوعي والتفاعل مع القضايا الاجتماعية، وانتشار المعلومات المضللة والإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولتجاوز هذه التحديات تتطلب تعزيز التعاون والشراكة بين المؤسسات الإعلامية والمجتمع المدني والجمهور، إلى جانب ضمان توافر الموارد المالية والبنية التحتية اللازمة لتنفيذ المشاريع الاجتماعية بكفاءة. كما ينبغي تعزيز الوعي المجتمعي وتحفيز التفاعل مع القضايا الاجتماعية، والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير كركيزة أساسية للإعلام المستقل ومن المهم الاستثمار في تطوير المهارات والقدرات المهنية للعاملين في الإعلام المجتمعي لضمان الجودة والفعالية.

المحتوى الإعلامي

وتوضح من جانبها الهنوف بنت سيف الفارسية صانعة محتوى، أنه منذ البدايات الأولى التي ظهرت فيها وسائل الإعلام وهي تلعب دورًا رئيسًا في تشكيل السلوكيات الجيدة منها والرديئة، ولقد ظهرت أشكال وقوالب متنوعة استندت عليها هذه الوسائل لتمرير الرسائل الخاصة بالتوجيه والإرشاد الإيجابي، ولعل أسلوب القدوة هو الأكثر شيوعًا، حيث يتم تصدير صورة براقة عن شخصية معينة تملك المقومات الجاذبة للجمهور فعند التأكد من تحقيق الهدف الأول وهو شد انتباه المتلقي، تأتي الأهداف الأخرى تباعًا؛ فمثلًا يظهر هذا الشخص بنموذج المصلح أو نموذج المواطن الجيد أو الموظف المثالي أو رب الأسرة الناجح؛ فتمرر من خلاله السلوكيات التي يرغب المعنيون في نشرها وتعزيزها في المجتمع بدلاً من توظيف الأساليب القديمة كالتلقين المباشر. وبجانب أسلوب القدوة، تركز المحتويات التي يصنعها الشباب المستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي اليوم أو ما يعرف بصانعي المحتوى على جانب القصص الإنسانية التي تحمل جانبًا عاطفيًا ترتكز بالدرجة الأولى على عنصر (الفضيلة)، كأن يقدم أحدهم تضحية جوهرية مقابل رعاية الوالدين أو مساعدة المحتاجين. الجدير بالذكر أن هذا النوع من المحتويات يلقى رواجًا جيدًا ولعله هو الأسلوب الأكثر ملاءمة لاستهداف الجيل الجديد بمحتوى ذي قيمة وأثر إيجابي.

وحول دور المجتمع، أفادت الهنوف أنه لا يمكن أن تعمل وسائل الإعلام في معزل عن المجتمع؛ فالرسالة الإعلامية تبدأ منه وتنتهي إليه. ومن خلال تجربتي في صناعة محتوى معني بالقصص الإنسانية التي تحمل بعدًا أخلاقيًا وتعزز جانب السلوك الحسن، فإننا نواجه تحديًا أساسيًا من قبل أبطال القصة أنفسهم وهو التردد وعدم الرغبة أحيانًا في الظهور الإعلامي؛ إما لاعتبارات مجتمعية أو لأسباب متعلقة بالخوف من ردود فعل الجمهور غير المتوقعة، وأخص بالذكر التعليقات المسيئة. والحق أنه لا يمكن إعطاؤهم الضمان والجزم بطبيعة رجع الصدى؛ فمهما بلغ صانع المحتوى من الخبرة والتجربة إلا أن التفاعل في منصات التواصل الاجتماعي شيء لا يمكن السيطرة عليه وتأطيره بصورة مطلقة؛ فكل متلقٍ ينظر للمحتوى من زاويته الخاصة التي تشكلت من عوامل عدة كالتنشئة الأسرية والاجتماعية ومستوى الوعي ومساحة قبول الآخر. ولا يمكن الاستسلام والوقوف عند هذا التحدي، فيمكن الاشتغال على عنصر (التنبؤ أو التوقع) في مراحل إنتاج المحتوى الأولى قبل وأثناء، حيث يتم ذلك من خلال تجنب الأجزاء التي من الممكن أن تثير سخط المجتمع، والتركيز على تصدير الجانب المحبب والذي يلقى القبول والاستحسان، ويتم ذلك من خلال المتابعة الحثيثة لما ينشر في منصات التواصل الاجتماعي وتتبع كل ما له علاقة بما يعرف بالمقاطع الرائجة ومصدرها وبدايتها وأسبابها ثم تكوين صورة عامة عما يفضله المجتمع المحلي وما يرفضه.