أفكار وآراء

الإعلام الصهيوني بين التضليل والتزوير

من خلال المتابعة للخطاب الإعلامي الصهيوني ومنذ اندلاع الصراع العربي الاسرائيلي قبل اكثر من سبعة عقود كان الشعار الاساسي لذالك الخطاب هو طمس الحقايق والتضليل والتزوير في المعلومات وهذه نظرية قديمة استخدمها وزير الدعاية للزعيم الالماني النازي اودولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، وتعد نظرية جوبلز وزير الدعاية الالماني ذات أسس محددة تقوم على المبالغة والتضليل وطمس الحقيقة بهدف رفع معنويات المحاربين وايضا ارسال رسائل للعدو بان مسار الحرب يسير في صالح الجيش الالماني.

ورغم تقدم التقنية والنظريات الحديثة للاعلام فان الكيان الصهيوني اعتمد على تلك النظرية من خلال عدد من الاسس منها الرقابة العسكرية على المعلومات والتلاعب في الارقام والتضليل والتأكيد على السردية الصهيونية حتى تترسخ في ذهن المتلقي الغربي والامريكي تحديدا بهدف كسب التعاطف والتأييد.

وعلى مدى سبعة عقود نجحت هذه النظرية الصهيونية في اقناع الشعوب الغربية بان الكيان الاسرائيلي هو ضحية، وان العرب يتربصون بالانقضاض على الكيان كما تم استخدام موضوع المحرقة خلال الحكم النازي في المانيا من خلال تزوير الارقام وتهويل العملية، والتي شككت في ارقامها عدد من الدراسات التاريخية والمفكرين ومنهم المفكر الفرنسي جارودي والذي هاجمته الصهيونية العالمية بعنف كبير.

ان النظرية الصهيونية في مجال الاعلام ليس لها علاقة بالنزاهة او الموضوعية او بيان الحقيقة ولعل من سوء حظ الكيان الصهيوني ان التقنية والهاتف الذكي مكنت شعوب العالم من المعرفة بشكل دقيق ومن خلال الكلمة والصورة ومن خلال مصادر مستقلة. ويعد نموذج الحرب العدوانية الاسرائيلية على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني هو نموذج حي لتحليل الخطاب الاعلامي الصهيوني الذي سقط اخلاقيا ومهنيا حتى على صعيد ثقة الاسرائيليين ومنهم من تحدث بانهم يثقون في بيانات ومعلومات حركة حماس اكثر من معلومات وبيانات المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي. كما ان طلاب الولايات المتحدة الأمريكية خرجوا باعداد كبيرة للتنديد بمجازر الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ومن هنا فإن نظرية التزوير والتضليل الصهيوني سقطت بشكل كامل وهي احدى نتائج الحرب الحالية، وهناك نماذج عديدة تدل على التضليل منها قضايا الاسرى والادعاء بانه تم تحريرهم وهي معلومات اتضح لاحقا انها مزورة، كذلك بيانات اعداد القتلى والجرحى فهي متضاربة بين ارقام الرقيب العسكري ووزارة الصحة الاسرائيلية وحتى الجهات المستقلة ووسائل الاعلام.

اما على صعيد المعارك بين قوات الاحتلال الاسرائيلية المقاومة الفلسطينية، فان المشهد يتحدث عن نفسه فحركات المقاومة حماس والجهاد تبث افلاما تتحدث عن سير المعارك وتدمير دبابات الميركافا من المسافة صفر، كما لا يتحدث الرقيب العسكري عن رفض آلاف من الجنود الاحتياط من اللحاق بوحداتهم العسكرية في قطاع غزة، علاوة على رفض المتدينين الحريديم من الانضمام الى جيش الاحتلال والاستقالات من قبل قيادات الاجهزة العسكرية والامنية بسبب التخبط والفشل الذريع والهزيمة الكبرى التي حدثت يوم السابع من اكتوبر واصبحت تاريخا موثقا في التاريخ العسكري الحديث وسوف تدرس تلك المعركة التي نفذت من خلال آلية الخداع والتخطيط الهجومي المحكم وسط امكانات محدودة للمقاومة الفلسطينية لا تقارن بما يملكه جيش الاحتلال الاسرائيلي من ترسانة امريكية وغربية متطورة، ولكن الفارق هنا هو الايمان وان هناك قضية وطنية فلسطينية تستحق المجازفة، لعل العالم يفوق من سباته ويعرف حقيقة التضليل الاعلامي الصهيوني الذي ضرب غشاوة على العيون والقلوب طوال سبعة عقود. ان من اكبر المكاسب الاستراتيجية للحرب الحالية في قطاع غزة هو سقوط نظرية الردع والتفوق الاسرائيلي علاوة على سقوط التضليل الاعلامي الصهيوني الذي خدع العالم على مدى عقود. كما ان الهزيمة الاستراتيجية لقوات الاحتلال خلقت واقعا جديدا للاجيال الجديدة من خلال التركيز على القضية الفلسطينية وابعادها التاريخية والدينية وحول عدوانية وانتهاكات العدو الصهيوني وهذا الوعي المتزايد من خلال الاجيال الجديدة يعد تحولا كبيرا ليس فقط في العالم العربي ولكن على صعيد شعوب العالم. ان المشروع الاستراتيجي الغربي الصهيوني الاقليمي قد سقط من الناحية الفكرية والموضوعية واصبح هناك شك كبير خاصة وان اجيال هزيمة السابع من اكتوبر من القيادات العسكرية والامنية الاسرائيلية سوف يختفون من المشهد السياسي وسوف يقدمون للتحقيق عما جرى. ومن هنا فان القضية الفلسطينية قد كسبت الكثير لعل في مقدمتها زيادة الوعي وكشف زيف السردية الصهيونية والتعاطف الانساني معها بل والاعتراف بعضوية فلسطين في الجمعية العامة للامم المتحده بأغلبية اصوات كبيرة كما ان الرأي العام العالمي كشف مدى التزوير والتضليل للدعاية الصهيونية خاصة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والتي ينفق عليها ملايين الدولارات ومع ذلك سقطت تلك السردية ونقل الاعلام الحر الابادة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وتحركت محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بعد تقديم ملفات قانونية توثق جريمة الاحتلال الاسرائيلي البشعة وهناك تفاؤل باصدار مذكرة اعتقال بحق احد اكبر مجرمي التاريخ الحديث نتنياهو وعصابته في الكيان الاسرائيلي.

ان تداعيات الحرب العدوانية الاسرائيلية على قطاع غزة وعموم فلسطين والآن على لبنان سوف تكون حاسمة وعلى صعيد المنطقة العربية على ضرورة سقوط المشروع الاستراتيجي الغربي الصهيوني الاقليمي في المنطقة وهذا شيء مهم ليعيد الثقة بأن السلام الشامل والعادل مطلب عربي وانساني من خلال قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ وهو الحد الادنى في هذه المرحلة لان بقاء الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ومن خلال الاجيال القادمة هو محل شك كبير لدى مراكز البحوث ومن خلال الهجرات اليهودية من فلسطين المحتلة الى اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لان الحروب والصراعات لن تنتهي بشكل نهائي لان التناقض الفكري والعرقي وحتى الديني كبير رغم تغليف ذلك باغراء مسألة الازدهار الاقتصادي للمنطقة وشعوبها وبالمقابل خسارة هويتها الوطنية والانغماس في المادية والانحلال وايجاد فكر يخرب الاوطان والاجيال معا.

عوض بن سعيد باقوير صحفي وكاتب سياسي وعضو مجلس الدولة