أعمدة

المسرح.. رافدا في عملية التنمية



نتابع هذه الأيّام فعاليّات مهرجان المسرح العماني الثامن الذي انطلق الأحد الماضي، بعد توقّف دام سنوات، وفي فعاليات المهرجان الذي احتضنته قاعة مسرح العرفان، تداعى إلى ذاكرتي لقاء جرى فـي المهرجان الثاني الذي انطلقت فعالياته مساء يوم الاثنين الموافق 27 من مارس 2006م، وعدّ من الأحداث المهمة التي تمثّل علامة مضيئة فـي تاريخ المهرجان، هذا الحدث تمثّل فـي الزيارة التي قام بها الفنانون العرب المشاركون فـي المهرجان إلى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- عندما كان يشغل منصب وزير الثقافة والتراث -سابقا- جرى ذلك فـي الدورة التي أقيمت ضمن فعاليّات مسقط عاصمة للثقافة العربية 2006م، تلك المبادرة التي نظمتها منظمة اليونسكو على غرار عاصمة الثقافة الأوروبية، وانطلقت الدورة بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي للمسرح وذلك يوم 27 مارس، وكنت من ضمن المشاركين الذين نالوا شرف هذا اللقاء إلى جانب النجمة المصرية ليلى طاهر، والسورية منى واصف والكويتي محمد المنصور والقطري غانم السليطي والعراقي قاسم مطرود -رحمه الله- وآخرين.

ومما علق فـي الذاكرة، حين دخلنا مكتب جلالته وجدناه واقفا باستقبالنا ومعه الشيخ حمد بن هلال المعمري وكيل الوزارة للشؤون الثقافية آنذاك، وكان المعمري حديث العهد بمنصبه، وبعد الجلوس وتناول الحلوى العمانيّة والقهوة رحّب جلالته بالضيوف، الذين قابلوا الترحيب بمثله، بعد ذلك تحدّث جلالته حول علاقته بالمسرح التي نشأت مع طفولته ومواظبته على حضور العروض المسرحية التي كانت تُقدَّم خلال دراسته الجامعية فـي كلية بيمبروك فـي جامعة أكسفورد ببريطانيا، ساعتها استللت قلمي وفرشت أوراقي لأدوّن حديث جلالته، وأنشره فـي جريدة «الشبيبة» التي كنت أعمل فيها رئيسًا للقسم الثقافي والفنّي، ممنّيا النفس بصيد ثمين، وبعد نهاية الجلسة اقترح الأخ يوسف البلوشي، الذي كان مشرفًا على نشرة المهرجان، نشر ما دوّنت فـي نشرة المهرجان اليومية، فرحّبت بالفكرة، ثمّ اقترح عليّ تطوير الحديث إلى حوار صحفي ينشر فيها، فوجدتها فرصة سانحة لمحاورة جلالته، وهذا يحتاج إلى موعد جديد، واختصارا للوقت وضعت أسئلتي وأعطيتها للبلوشي الذي سلّمها لمكتب جلالته، وفي اليوم التالي وصلتني الإجابات، ونُشر الحوار على مساحة صفحتين، ومما قال جلالته عن دور المسرح فـي دفع الحركة الثقافية إلى الأمام فـي ذلك الحوار «المسرح مجال ثقافي خصب يمتزج فيه الأدب والفكر بالفن والجمال، كما يمتزج الإبداع الفردي بالإبداع الجماعي، ولعل أروع ما فـي ذلك كله أنه يقدّم بشكل حي ومباشر مع الجمهور، فتحمل لحظة الإبداع الانطلاقة العفوية الآنية بقدر ما تحمل من الإعداد، والتخطيط المسبق، كما يجد الفنان استجابة فورية تقيّم ما قدّمه على خشبة المسرح كفعل ورد فعل متداخل ومتزامن. المسرح مجال قادر على استيعاب شتى أنواع الفنون كالتمثيل، الموسيقى، الغناء، الحركة التعبيرية، الفنون التشكيلية، الأزياء، الماكياج، فن الإضاءة وغيرها والمضي بهذه الفنون إلى أقصى ما تقدمه من عطاءات وانسجام وتناغم مع بعضها بعضًا، لذا يمكننا أن نعتبر كل عمل مسرحي هو حالة تفعيل وتحريك ثقافي فني عامة على مستوى المثقفين والفنانين وعلى مستوى الجمهور والمتابعين والمهتمين والنقاد والكتّاب والصحافة والإعلام بصفة عامة. إن هذا الزخم والثراء والتنوع الذي يمتاز به العمل المسرحي يجعلنا نعوّل على المسرح أن يكون أحد الروافد الرئيسية فـي بلورة الحركة الثقافية فـي سلطنة عمان».

وقبل أيام حضرت لقاء عقدته الجمعية العمانية للمسرح تحدّث به الدكتور شبير العجمي عن مشروع المسرح الوطني الذي بُوْشِر العمل به وسيكون جاهزًا فـي عام 2028م ومما ذكر أن المسرح الرئيسي يتسع لـ 1000 شخص جسديا وآلاف افتراضيا باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي، وكذلك يحتوي على تقنيات متطورة وقدرات لرفع الخشبة وسرداب للأوركسترا ومسرح تجريبي آخر متعدد الاستخدامات، وقاعات أخرى للعروض والتدريبات.

وهذا المشروع من أولى ثمار عهد النهضة المتجدّدة التي يقودها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وها هو مهرجان المسرح العماني يعود ليؤكّد أهمية المسرح بوصفه رافدا من روافد عملية التنمية المستدامة.